جواب الرازي عما أثبتناه











جواب الرازي عما أثبتناه



هناک للرازي جواب عن هذه کلها يکشف عن سوئة نفسه قال في «نهاية العقول»: وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة من: أن المولي بمعني الاولي فلا حجة لهم، إذ أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة فنقول: إن أبا عبيدة وإن قال في قوله تعالي: مأويکم النار هي مولاکم: معناه هي أولي بکم. وذکر هذا ايضا الاخفش، و الزجاج، وعلي بن عيسي، واستشهدوا ببيت لبيد ولکن ذلک تساهل من هؤلاء الائمة لا تحقيق، لان الاکابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذکروه إلا في تفسير هذه الآية أو آية اخري مرسلا غير مسند، ولم يذکروه في الکتب الاصلية من اللغة. إنتهي.

[صفحه 360]

ليت شعري من ذا الذي أخبر الرازي: ان ذلک تساهل من هؤلاء الائمة لا تحقيق؟ وهل يطرد عنده قوله في کل ما نقل عنهم من المعاني اللغوية؟ أو ان له مع لفظ المولي حسابا آخر؟ وهل علي اللغوي إذا أثبت معني إلا الاستشهاد ببيت للعرب؟ أو آية من القرآن الکريم؟ وقد فعلوه.

وکيف تخذ عدم ذکر الخليل وأضرابه حجة علي التسامح؟ بعد بيان نقله عن أئمة اللغة. وليس من شرط اللغة أن يکون المعني مذکورا في جميع الکتب، وهل الرازي يقتصر فيها علي کتاب العين وأضرابه؟

ومن ذا الذي شرط في نقل اللغة عنعنة الاسناد؟ وهل هو إلا رکون إلي بيت شعر؟ أو آية کريمة؟ أو سنة ثابتة؟ أو إستعمال مسموع؟ وهل يجد الرازي خيرا من هؤلاء لتلقي هاتيک کلها؟ وما باله لا يقول مثل قوله هنا إذا جاءه أحد من القوم بمعني من المعاني العربية؟ أقول: لان له في المقام مرمي لا يعدوه.

وهل يشترط الرجل في ثبوت المعني اللغوي وجوده في المعاجم اللغوية فحسب؟ بحيث لا يقيم له وزنا اذا ذکر في تفسير آية، أو معني حديث، أو حل بيت من الشعر، ونحن نري العلماء يعتمدون في اللغة علي قول أي ضليع في العربية حتي الجارية الاعرابية[1] ولا يشترط عند الاکثر بشئ من الايمان والعدالة والبلوغ، فهذا القسطلاني يقول في شرح البخاري 7 ص 75: قول الشافعي نفسه حجة في اللغة. وقال السيوطي في المزهر 1 ص 77: حکم نقل واحد من أهل اللغة ألقبول. وحکي في ص 83 عن الانباري قبول نقل العدل الواحد ولا يشترط أن يوافقه غيره في النقل. وفي ص 87 بقول شيخ أو عربي يثبت اللغة. وحکي في ص 27 عن الخصايص لابن جني قوله: من قال: إن اللغة لا تعرف إلا نقلا فقد أخطأ فإنها قد تعلم بالقرائن ايضا، فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر:


قوم إذا الشر أبدي ناجذيه لهم
طاروا إليه زرافات ووحدانا


يعلم أن الزرافات بمعني الجماعات. وذکر ايضا ثبوت اللغة بالقرينة وبقول شاعر عربي. فهذه المصادر کلها موجودة في لفظ المولي غير ان الرازي لا يعلم أن اللغة بماذا

[صفحه 361]

تثبت، ولذلک تراه يتلجلج ويرعد ويبرق من غير جدوي أو عائدة، ولا أحسبه يحير جوابا عن واحد من الاسئلة التي وجهناها إليه.

وکانه في إحتجاجه بخلو کتاب «العين» عن ذلک نسي أو تناسي ما لهج به في «المحصول» من إطباق الجمهور من أهل اللغة علي القدح في کتاب «العين» کما نقله عنه السيوطي في المزهر 2 ص 47 و 48.

وأنا لا أدري ما المراد من الکتب الاصلية من اللغة؟ ومن الذي خص هذا الاسم بالمعاجم التي يقصد فيها سرد الالفاظ وتطبيقها علي معانيها في مقام الحجية، وأخرج عنها ما الف في غريب القرآن أو الحديث أو الادب العربي؟ وهل نية أرباب المعاجم دخيلة في صحة الاحتجاج بها؟ أو أن ثقة أرباب الکتب وتضلعهم في الفن وتحريهم موارد إستعمال العرب هي التي تکسبها الحجية؟ وهذه کلها موجودة في کتب الائمة والاعلام الذين نقل عنهم مجيئ المولي بمعني الاولي.



صفحه 360، 361.





  1. راجع المزهر 1 ص 83 و 84.