كلمة اخري للرازي











کلمة اخري للرازي



وللرازي کلمة اخري صعد فيها وصوب فحسب في کتابه «نهاية العقول» ان أحدا من أئمة النحو واللغة لم يذکر مجيئ «مفعل» الموضوع للحدثان أو الزمان أو المکان بمعني «أفعل» الموضوع لافادة التفضيل. وأنت إذا عرفت ما تلوناه لک من النصوص علي مجيئ مولي بمعني الاولي بالشئ علمت الوهن في إطلاق ما يقوله هو و من تبعه کالقاضي عضد الايجي في المواقف، وشاه صاحب الهندي في التحفة الاثني عشرية والکابلي في الصواقع، وعبد الحق الدهلوي في لمعاته، والقاضي سناء الله الپاني پتي في سسيفه المسلول، وفيهم من بالغ في النکير حتي أسند ذلک إلي إنکار أهل العربية، و

[صفحه 357]

أنت تعلم أن أساس الشبهة من الرازي ولم يسندها إلي غيره، وقلده اولئک عمي مهما وجدوا طعنا في دلالة الحديث علي ما ترتأيه الامامية.

أنا لا ألوم القوم علي عدم وقوفهم علي کلمات أهل اللغة وإستعمالات العرب لالفاظها فإنهم بعدآء عن الفن، بعدآء عن العربية، فمن رازي إلي ايجي. ومن هندي إلي کابلي. ومن دهلوي إلي پاني پتي. وأين هؤلآء من العرب الاقحاح؟ وأين هم من العربية؟ نعم- حن قدح ليس منها- وإذا اختلط الحابل بالنابل طفق يحکم في لغة العرب من ليس منها في حل ولا مرتحل.


إذا ما فصلت عليا قريش
فلا في العير أنت ولا النفير


أو ما کان الذين نصوا بأن لفظ المولي قد يأتي بمعني الاولي بالشئ أعرف بمواقع اللغة من هذا الذي يخبط فيها خبط عشواء؟ کيف لا؟ وفيهم من هو من مصادر اللغة، وأئمة الادب، وحذاق العربية، وهم مراجع التفسير، أوليس في مصارحتهم هذه حجة قاطعة علي أن مفعلا يأتي بمعني أفعل في الجملة؟ إذن فما المبرر لذلک الانکار المطلق؟ نعم، لامر ما جدع قصير أنفه.

وحسب الرازي مبتدع هذا السفسطة قول أبي الوليد إبن الشحنة الحنفي الحلبي في «روض المناظر» في حوداث سنة ست وستمائة من أن الرازي کانت له اليد الطولي في العلوم خلا العربية. وقال أبوحيان في تفسيره 4 ص 149 بعد نقل کلام الرازي: إن تفسيره خارج عن مناحي کلام العرب ومقاصدها، وهو في أکثره شبيه بکلام الذين يسمون أنسهم حکماء.

م- وقال الشوکاني في تفسيره 4 ص 163 في قوله تعالي: لا تخف نجوت من القوم الظالمين (ألقصص): وللرازي في هذا الموضع إشکالات باردة جدا لا تستحق أن تذکر في تفسير کلام الله عزوجل والجواب عليها يظهر للقصر فضلا عن الکامل.

ثم إن الدلالة علي الزمان والمکان في «مفعل» کالدلالة علي التفضيل في «أفعل». وکخاصة کل من المشتقات من عوارض الهيئات لا من جوهريات المواد، وذلک أمر غالبي يسار معه علي القياس ما لم يرد خلافه عن العرب، وأما عند ذلک فإنهم المحکمون في معاني ألفاظهم، ولوصفي للرازي إختصاص المولي بالحدثان أو الواقع منه في الزمان

[صفحه 358]

أو المکان لوجب عليه أن ينکر مجيئه بمعني الفاعل والمفعول وفعيل وها هو يصرح بإتيانه بمعني الناصر. والمعتق بالکسر. والمعتق بالفتح. والحليف. وقد صافقه علي ذلک جميع أهل العربية وهتف الکل مجيئ المولي بمعني الولي، وذکر غير واحد من معانيه ألشريک. والقريب. والمحب والعتيق. والعقيد. المالک. والمليک. علي ان من يذکر الاولي في معاني المولي وهم الجماهير ممن يحتج بأقوالهم لا يعنون انه صفة له حتي يناقش بأن معني التفضيل خارج عن مفاد المولي مزيد عليه فلا يتفقان. وإنما يريدون انه إسم لذلک المعني، إذن فلا شيئ يفت في عضدهم.

وهب ان الرازي ومن لف لفه لم يقفوا علي نظير هذا الاستعمال في غير المولي فإن ذلک لا يوجب انکاره فيه بعد ما عرفته من النصوص، فکم في لغة العرب من إستعمال مخصوص بمادة واحدة فمنها: کلمة عجاف جمع أعجف. فلم يجمع أفعل علي فعال إلا في هذه المادة کما نص به الجوهري في الصحاح، والرازي نفسه في التفسير، والسيوطي في المزهر ج 2 ص 63 وقد جاء بالقرآن الکريم: وقال الملک إني أري سبع بقرات سمان يأکلهن سبع عجاف (سورة يوسف) ومنه شعر العرب في مدح سيد مضر هاشم إبن عبد مناف.


عمر والعلا هشم لثريد لقومه
ورجال مکة مسنتون عجاف


ومنها: ان ما کان علي فعلت (مفتوح العين) من ذوات التضعيف متعديا مثل رددت وعددت يکون المضارع منه مضموم العين إلا ثلاثة أحرف تأتي مضمومة ومکسورة وهي: شد. ونم. وعل. وزاد بعض: بث (أدب الکاتب ص 361).

ومنها أن ضمير المثني والمجموع لا يظهر في شيئ من أسماء الافعال کصه و مه إلا: ها (بمعني خذ) فيقال: هاؤما، وهاؤم، وهاؤن، وفي الذکر الحکيم قوله سبحانه: هاؤم اقرؤا کتابيه. راجع التذکرة لابن هشام، والاشباه والنظائر للسيوطي.

ومنها: أن القياس المطرد في مصدر تفاعل هو التفاعل بضم العين إلا في مادة ( التفاوت) فذکر الجوهري فيها ضم الواو أولا ثم نقل عن إبن السکيت عن الکلابيين فتحه، وعن الغنبري کسره، وحکي عن أبي زيد الفتح والکسر کما في «أدب الکاتب» ص 59، ونقل السيوطي في المزهر 2 ص 39: ألحرکات الثلاث.

[صفحه 359]

ومنها: أن المطرد في مضارع «فعل» بفتح العين الذي مضارعه «يفعل» بکسره أنه لا يستعمل مضموم العين إلا في «وجد» فان العامريين ضموا عينه کما في الصحاح وقال شاعرهم لبيد:


لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة
فدع الصوادي لا يجدن غليله


وصرح به إبن قتيبة في أدب الکاتب ص 361، والفيروزآبادي في القاموس 1 ص 343، وفي المزهر 2 ص 49 عن إبن خالويه في شرح الدريدية إنه قال: ليس في کلام العرب فعل يفعل مما فاؤه واو إلا حرف واحد: وجد يجد.

ومنها: ان إسم الفاعل من «أفعل» لم يأت علي «فاعل» إلا أبقل. وأورس. وأيفع فيقال: أبقل الموضع فهو باقل. وأورس الشجرة فهو وارس. وأيفع الغلام فهو يافع: کذا في المزهر 2 ص 40، وفي الصحاح: بلد عاشب ولا يقال في ماضيه إلا أعشبت الارض.

ومنها: ان إسم المفعول من أفعل لم يأت علي فاعل إلا في حرف واحد وهو قول العرب: أسأمت الماشية في المرعي فهي سائمة. ولم يقولوا: مسأمة. قال تعالي: فيه تسيمون من أسام يسيم. ذکره السيوطي في المزهر 2 ص 47.

وتجد کثيرا من أمثال هذه من النوادر في المخصص لابن سيدة، ولسان العرب، وذکر السيوطي في المزهر ج 2 منها أربعين صحيفة.



صفحه 357، 358، 359.