شبهة الرازي عنه العلماء











شبهة الرازي عنه العلماء



لم تکن هذه الشبهة الرازية الداحضة بالتي تخفي علي العرب والعلماء لکنهم عرفوها قبل الرازي وبعده، وما عرفوها إلا في مدحرة البطلان، ولذلک تراها لم تزحزحهم عن القول بمجيئ المولي بمعني الاولي، قال التفتازاني في شرح المقاصد ص 289، والقوشجي في شرح التجريد ولفظهما واحد: إن المولي قد يراد به المعتق و الحليف والجار وإبن العم والناصر والاولي بالتصرف قال الله تعالي: مأويکم النار هي مولاکم. أي أولي بکم ذکره أبوعبيدة وقال النبي صلي الله عليه وسلم: أيما امرأة نکحت بغير إذن مولاها. أي الاولي بها والمالک لتدبير أمرها، ومثله في الشعر کثير، وبالجملة إستعمال المولي بمعني المتولي والمالک للامر والاولي بالتصرف شايع في کلام العرب منقول عن کثير من أئمة اللغة، والمراد انه إسم لهذا المعني لا انه صفة بمنزلة الاولي ليعترض بانه ليس من صيغة أفعل التفضيل وانه لا يستعمل إستعماله. اه.

ذکرا ذلک عند تقريب الاستدلال بالحديث علي الامامة ثم طفقا يرد انه من شتي النواحي عدا هذه الناحية فأبقياها مقبولة عندهما، کما أن الشريف الجرجاني في شرح المقاصد حذا حذوهما في القبول، وزاد بانه رد بذلک مناقشة القاضي عضد بأن مفعلا بمعني أفعل لم يذکره أحد فقال: اجيب عنه بأن المولي بمعني المتولي والمالک للامر والاولي بالتصرف شايع في کلام العرب منقول من أئمة اللغة، قال أبوعبيدة: هي موليکم أي أولي بکم، وقال عليه السلام: أيما إمرأة نکحت بغير إذن مولاها. أي الاولي بها والمالک لتدبير أمرها. اه.

وإبن حجر في الصواعق ص 24 علي تصلبه في رد الاستدلال بالحديث سلم مجيئ المولي بمعني الاولي بالشيئ لکنه ناقش في متعلق الاولوية في انه هل هي عامة الامور؟ أو انها الاولوية من بعض النواحي؟ واختار الاخير ونسب فهم هذا المعني من الحديث إلي الشيخين أبي بکر وعمر في قولهما: أمسيت مولي کل مؤمن ومؤمنة. وحکاه عنه ألشيخ عبدالحق في لمعاته، وکذا حذا حذوه ألشيخ شهاب الدين أحمد بن عبدالقادر الشافعي في «ذخيرة المآل» فقال: التولي: الولاية وهو الصديق والناصر أو الاولي بالاتباع والقرب

[صفحه 355]

منه کقوله تعالي: إن أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه. وهذا الذي فهمه عمر رضي الله عنه من الحديث فانه لما سمعه قال: هنيئا يابن أبي طالب؟ أمسيت ولي کل مؤمن ومؤمنة. اه.

وسبق عن الانباري في «مشکل القران»: ان للمولي ثمان معان أحدها: الاولي بالشيئ، وحکاه الرازي عنه وعن أبي عبيدة فقال في «نهاية العقول»: لا نسلم ان کل من قال: ان لفظة المولي محتملة للاولي قال بدلالة الحديث علي إمامة علي رضي الله عنه، أليس ان ابا عبيدة وإبن الانباري حکما بان لفظة المولي للاولي مع کونهما قائلين[1] بإمامة أبي بکر رضي الله عنه؟. اه . ونقل الشريف المرتضي عن أبي العباس المبرد ان أصل يا ولي أي الذي هو أولي وأحق ومثله المولي، وقال أبو نصر الفارابي الجوهري المتوفي 393 في «صحاح اللغة» 2 ص 564 مادة ولي في قول لبيد: انه يريد أولي موضع أن يکون فيه الخوف. وأبوزکريا الخطيب التبريزي في شرح ديوان الحماسة 1 ص 22 في قول جعفر بن علبة الحارثي:


ألهفي بقري سجل حين أحلبت
علينا الولايا والعدو المباسل


عد من وجوه معاني المولي الثمانية[2] الولي والاولي بالشيئ، عن عمر بن عبدالرحمن الفارسي القزويني في «کشف الکشاف» في بيت لبيد: ان مولي المخافة. أي أولي وأحري بأن يکون فيه الخوف، وعد سبط إبن الجوزي في «التذکرة» ص 19 ذلک من معاني المولي العشرة المستندة إلي علماء العربية، ومثله إبن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» ص 16، وذکر الاولي في طليعة المعاني التي جاء بها الکتاب وتبعه الشبلنجي في نور الابصار ص 78 وأسند ذلک إلي العلماء. وقال شارحا المعلقات السبع: عبدالرحيم بن عبدالکريم، ورشيد النبي في بيت لبيد: إنه أراد بولي المخافة: الاولي بها.

وبذلک کله تعرف حال ما أسنده صاحب التحفة الاثني عشرية إلي أهل العربية

[صفحه 356]

قاطبة من إنکار إستعمال المولي بمعني الاولي بالشيئ. أو يحسب الرجل أن من ذکرناهم من أئمة الادب الفارسي؟ أو أنهم لم يقفوا علي موارد لغة العرب کما وقف عليها الشاه صاحب الهندي؟ وليس الحکم في ذلک إلا ضميرک الحر.

مضافا إلي ان إنکار الرازي عدم استعمال أولي مضافا ممنوع علي إطلاقه لما عرفت من إضافته إلي المثني والمجموع، وجائت في السنة إضافته إلي النکرة، ففي صحيح البخاري في الجزؤ العاشر ص 7 و 9 و 10 و 13 بأسانيد جمة قد إتفق فيها اللفظ عن إبن عباس عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: ألحقوا الفرايض بأهلها فما ترکت الفرايض فلاولي رجل ذکر. ورواه مسلم في صحيحه 2 ص 2، وفيما أخرجه أحمد في المسند 1 ص 313: فلاولي ذکر، وفي ص 335: فلاولي رجل ذکر، وفي نهاية إبن الاثير 2 ص 49: لاولي رجل ذکر.

ويعرب عما نرتأيه في حديث الغدير ما يماثله في سياقه جدا عن رسول الله صلي الله عليه وآله: ما من مؤمن إلا أنا أولي الناس به في الدنيا والآخرة إقرؤا إن شئتم: ألنبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، فايما مؤمن ترک مالا فليرثه عصبته من کانوا فإن ترک دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه. أخرجه البخاري في صحيحه 7 ص 190 وأخرجه مسلم في صحيحه 2 ص 4 بلفظ: إن علي الارض من مؤمن إلا أنا أولي الناس به، فأيکم ما ترک دينا أو ضياعا فأنا مولاه.



صفحه 355، 356.





  1. لا يهمنا ما يرتأيانه في الامامة وانما الغرض تنصيصهما بمعني اللفظ اللغوي.
  2. وهي: العبد، والسيد، وابن العم،والصهر، والجار، والحليف، والولي، و الاولي بالشيئ.