كلام الرازي في مفاد الحديث











کلام الرازي في مفاد الحديث



أقبل الرازي يتتعتع ويتلعثم بشبه يبتلعها طورا، ويجترها تارة، وأخذ يصعد ويصوب في الاتيان بالشبه بصورة مکبرة فقال بعد نقله معني الاولي عن جماعة مانصه:

قال تعالي: مأواکم النار هي مولاکم وبئس المصير. وفي لفظ المولي هيهنا أقول:أحدها: قال إبن عباس: مولاکم أي مصيرکم. وتحقيقه أن المولي موضع الولي وهو القرب، فالمعني: ان النار هي موضعکم الذي تقربون منه وتصلون إليه. والثاني: قال الکلبي: يعني أولي بکم. وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. و أعلم أن هذا الذي قالوه معني وليس بتفسير اللفظ لانه لو کان مولي وأولي بمعني واحد في اللغة لصح إستعمال کل واحد منهما في مکان الآخر فکان يجب أن يقال: هذا مولي من فلان. ولما بطل ذلک علمنا أن الذي قالوه معني وليس بتفسير، وإنما نبهنا علي هذه الدقيقة لان الشريف المرتضي لما تمسک في إمامة علي بقوله عليه السلام: من کنت مولاه فعلي مولاه. قال: أحد معاني مولي انه أولي. واحتج في ذلک بأقوال أئمة اللغة في تفسيره هذه الآيه بان مولي معناه أولي، وإذا ثبت ان اللفظ محتمل له وجب حمله عليه لان ما عداه إما بين الثبوت ککونه إبن العم[1] والناصر، أو بين الانتفاء کالمعتق والمعتق فيکون علي التقدير الاول عبثا، وعلي

[صفحه 351]

التقدير الثاني کذبا. وأما نحن فقد بينا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضع معني لا تفسير وحينئذ يسقط الاستدلال به. تفسير الرازي 8 ص 93.

وقال في نهاية العقول: إن المولي لو کان يجيئ بمعني الاولي لصح أن يقرن باحدهما کل ما يصح قرنه بالآخر، لکنه ليس کذلک، فامتنع کون المولي بمعني الاولي، بيان الشرطية: أن تصرف الواضع ليس إلا في وضع الالفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضم بعض تلک الالفاظ إلي البعض بعد صيرورة کل واحد منهما موضوعا لمعناه المفرد فذلک أمر عقلي، مثلا إذا قلنا: ألانسان حيوان فإفادة لفظ الانسان للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ الحيوان للحقيقة المخصوصة ايضا بالوضع، فأما نسبة الحيوان إلي الانسان بعد المساعدة علي کون کل واحد من هاتين اللفظين موضوعة للمعني المخصوص فذلک بالعقل لا بالوضع، وإذا ثبت ذلک فلفظة الاولي إذا کانت موضوعة لمعني ولفظة من موضوعة لمعني آخر، فصحة دخول أحدهما علي الآخر لا يکون بالوضع بل بالعقل.

وإذا ثبت ذلک فلو کان المفهوم من لفظة الاولي بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة المولي، والعقل حکم بصحة إقتران المفهوم من لفظة من بالمفهوم من لفظة الاولي، وجب صحة إقترانه ايضا بالمفهوم من لفظة المولي لان صحة ذلک الاقتران ليست بين اللفظين بل بين مفهوميهما.

بيان انه ليس کلما يصح دخوله علي أحدهما صح دخوله علي الآخر: إنه لا يقال: هو مولي من فلان، ويصح أن يقال هو مولي وهما موليان، ولا يصح أن يقال: هو أولي- بدون من- وهما أوليان. وتقول: هو مولي الرجل ومولي زيد، ولا تقول: هو أولي الرجل وأولي زيد. وتقول: هما أولي رجلين وهم أولي رجال، ولا تقول: هما مولي رجلين ولا هم مولي رجال. ويقال: هو مولاه ومولاک، ولا يقال: هو أولاه وأولاک. لا يقال: أليس يقال: ما أولاه؟ لانا نقول: ذاک أفعل التعجب لا أفعل التفضيل، علي أن ذاک فعل وهذا إسم، والضمير هناک منصوب وهنا مجرور،فثبت انه لا يجوز حمل المولي علي الاولي. إنتهي.

وإن تعجب فعجب أن يعزب عن الرازي إختلاف الاحوال في المشتقات لزوما

[صفحه 352]

وتعدية بحسب صيغها المختلفة، إن إتحاد المعني أو الترادف بين الالفاظ إنما يقع في جوهريات المعاني لا عوارضها ألحادثة من أنحاء الترکيب وتصاريف الالفاظ وصيغها، فالاختلاف الحاصل بين المولي والاولي بلزوم مصاحبة الثاني للباء وتجرد الاول منه إنما حصل من ناحية صيغة أفعل من هذه المادة کما ان مصاحبة من هي مقتضي تلک الصيغة مطلقا، إذن فمفاد فلان أولي بفلان، وفلان مولي فلان واحد حيث يراد به الاولي به من غيره. کما أن (أفعل) بنفسه يستعمل مضافا إلي المثني والجمع أو ضميرهما بغير أدات فيقال: زيد أفضل الرجلين أو أفضلهما، وأفضل القوم أو أفضلهم، ولا يستعمل کذلک إذا کان ما بعده مفردا فلا يقال: زيد أفضل عمرو، وإنما هو أفضل منه، ولا يرتاب عاقل في إتحاد المعني في الجميع، وهکذا الحال في بقية صيغ أفعل کأعلم وأشجع وأحسن وأسمح وأجمل إلي نظائرها.

قال خالد بن عبدالله الازهري في باب التفضيل من کتابه التصريح: إن صحة وقوع المرادف موقع مرادفه إنما يکون إذا لم يمنع من ذلک مانع، وههنا منع مانع وهو الاستعمال، فإن إسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلا (من) حاصة، وقد تحذف مع مجرورها للعلم بها نحو: والآخرة خير وأبقي.

علي أن ما تشبث به الرازي يطرد في غير واحد من معاني المول التي ذکرها هو وغيره، منها ما أختاره معني للحديث وهو: الناصر. فلم يستعمل هو مولي دين الله مکان ناصره، ولا قال عيسي علي نبينا وآله وعليه السلام: من موالي إلي الله. مکان قوله: من أنصاري إلي الله، ولا قال الحواريون: نحن موالي الله. بدل قولهم: نحن أنصار الله.

ومنها الولي فيقال للمؤمن: هو ولي الله ولم يرد من اللغة مولاه، ويقال: ألله ولي المؤمنين ومولاهم. کما نص به الراغب في مفرداته ص 555.

وهلم معي إلي أحد معاني المولي المتفق علي إثباته وهو المنعم عليه فإنک تجده مخالفا مع أصله في مصاحبة (علي) فيجب علي الرازي أن يمنعه إلا أن يقول:إن محموع اللفظ وأداته هو معني المولي لکن ينکمش منه في الاولي به لامر ما دبره بليل.

وهذه الحالة مطردة في تفسير الالفاظ والمشتقات وکثير من المترادفات علي

[صفحه 353]

فرض ثبوت الترادف فيقال: أجحف به وجحفه. أکب لوجهه وکبه الله. أحرس به وحرسه. زريت عليه زريا وأزريت به. نسأالله في أجله وأنسأ أجله. رفقت به وأرفقته. خرجت به وأخرجته. غفلت عنه وأغفلته. أبذيت القوم وبذوت عليهم. أشلت الحجر وشلت به.

کما يقال: رأمت الناقة ولدها أي عطفت عليه. إختتأله أي خدعه. صلي عليه أي دعا له. خنقته العبرة أي غص بالبکاء. إحتنک الجراد الارص وفي القرآن: لاحتنکن ذريته. أي إستولي عليها وإستولين عليهم. ويقال: إستولي عليه أي غلبه وتمکن منه. وکلها بمعني واحد. ويقال: أجحف فلان بعبده أي کلفه ما لا يطاق. وقال شاه صاحب في الحديث: إن أولي في قوله صلي الله عليه وسلم: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم. مشتق من الولاية بمعني الحب. اه. فيقال: أولي بالمؤمنين أي أحب إليهم. ويقال بصربه ونظر إليه و رآه وکلها واحد.

وأنت تجد هذا الاختلاف يطرد في جل الالفاظ المترادفة التي جمعها الرماني المتوفي 384 في تأليف مفرد في 45 صحيفة (ط مصر 1321) ولم ينکر أحد من اللغويين شيئا من ذلک لمحض إختلاف الکيفية في أداة الصحبة کما لم ينکروا بساير الاختلافات الواردة من الترکيب فإنه يقال: عندي درهم غير جيد. ولم يجز: عندي درهم إلا جيد. ويقال: إنک عالم. ولا يقال: إن أنت عالم. ويدخل «إلي» إلي المضمر دون حتي مع وحدة المعني. ولاحظ أم وأو فانهما للترديد ويفرقان في الترکيب بأربعة أوجه. وکذلک هل والهمزة فإنهما للاستفهام ويفرقان بعشرة فوارق، وأيان وحتي مع إتحادهما في المعني يفرقان بثلاث. وکم وکأين بمعني واحد ويفرقان بخسمة. وأي ومن يفرقان بستة مع إتحادهما. وعند ولدن ولدي مع وحدة المعني فيها تفرق بستة أوجه.

ولعل إلي هذا التهافت الواضح في کلام الرازي أشار نظام الدين النيسابوري في تفسيره بعد نقل محصل کلامه إلي قوله: وحينئذ يسقط الاستدلال به. فقال: قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفي.

[صفحه 354]



صفحه 351، 352، 353، 354.





  1. هذه غفلة عجيبة وسيوافيک ان النبي صلي الله عليه وآله کان ابن عم جعفر وعقيل وطالب وآل ابي طالب کلهم ولم يکن اميرالمؤمنين ابن عم لهم فانه کان أخاهم، فهذا مما يلزم منه الکذب لو اريد من لفظ المولي لا مما هو بين الثبوت.