ما عشت أراك الدهر عجبا (نظرة في كلام النويري و المقريزي)











ما عشت أراک الدهر عجبا (نظرة في کلام النويري و المقريزي)



إلي هنا أوقفک البحث والتنقيب علي حقيقة هذا العيد وصلته بالامة جمعاء، و تقادم عهده المتصل بالدور النبوي، ثم جآء من بعده متواصلة العري من وصي إلي وصي يعلم به أئمة الدين، ويشيد بذکره امناء الوحي کالامامين أبي عبدالله الصادق

[صفحه 288]

وأبي الحسن الرضا بعد أبيهم أميرالمؤمنين صلوات الله عليهم، وقد توفي هذان الامامان ونطف البويهيين لم تنعقد بعد، وقد جائت أخبارهما مروية في تفسير فرات والکافي المؤلفين في القرن الثالث، وهذه الاخبار هي مصادر الشيعة ومدارکها في إتخاذ يوم الغدير عيدا منذ عهد طائل في القدم، ومنذ صدور تلکم الکلم الذهبية من معادن الحکم والحکم.

إذا عرفت هذا فهلم معي نسائل النويري والمقريزي عن قولهما: إن هذا العيد إبتدعه معز الدولة علي بن بويه سنة 352 قال الاول في «نهاية الارب في فنون الادب» 1 ص 177 في ذکر الاعياد الاسلامية: وعيد إبتدعته الشيعة وسموه عيد الغدير، وسبب إتخاذهم له مواخاة النبي صلي الله عليه وسلم علي بن أبي طالب يوم غدير خم، والغدير: تصب فيه عين وحوله شجر کبير ملتف بعضها ببعض، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم واليوم الذي إبتدعوا فيه هذا العيد هو الثامن عشر من ذي الحجة لان المواخاة کانت فيه في سنة عشر من الهجرة وهي حجة الوداع، وهم يحيون ليلتها بالصلاة ويصلون في صبيحتها رکعتين قبل الزوال، وشعارهم فيه لبس الجديد وعتق الرقاب وبر الاجانب والذبايح.

وأول من أحدثه معز الدولة أبوالحسن علي بن بويه علي ما نذکره إنشاء الله في أخباره في سنة 352، ولما إبتدع الشيعة هذا العيد وإتخذه من سننهم عمل عوام السنة يوم سرور نظير عيد الشيعة في سنة 389 وجعلوه بعد عيد الشيعة بثمانية أيام وقالوا: هذا يوم دخول رسول الله صلي الله عليه وسلم لغار هو وأبوبکر الصديق، وأظهروا في هذا اليوم الزينة ونصب القباب وايقاد النيران. اه.

وقال المقريزي في الخطط 2 ص 222: عيد الغدير لم يکن عيدا مشروعا ولا عمله أحد من سالف الامة المقتدي بهم، وأول ما عرف في الاسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه فإنه أحدثه سنة 352 فاتخذه الشيعة من حينئذ عيدا. اه د. وما عساني أن أقول في بحاثة يکتب عن تأريخ الشيعة قبل أن يقف علي حقيقته أو أنه عرف نفس الامر فنسيها عند الکتابة، أو أغضي عنها لامر دبر بليل، أو أنه يقول ولا يعلم ما يقول، أو أنه ما يبالي بما يقول، أو ليس المسعودي المتوفي 346 يقول

[صفحه 289]

في التنبيه والاشراف ص 221: وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظمون هذا اليوم.أوليس الکليني الراوي لحديث عيد الغدير في الکافي توفي سنة 329؟ وقبله فرات بن إبراهيم الکوفي المفسر الراوي لحديثه الآخر في تفسيره «الموجود عندنا» الذي هو في طبقة مشايخ ثقه الاسلام الکليني المذکور، فالکتب هذه الفت قبل ما ذکراه «النويري والمقريزي» من التأريخ (352). أو ليس الفياض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة 259؟ وذکر أنه شاهد الامام الرضا سلام الله عليه «المتوفي سنة 203» يتعيد في هذا اليوم ويذکر فضله وقدمه، ويروي ذلک عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام. والامام الصادق المتوفي سنة 148 قد علم أصحابه بذلک کله وأخبرهم بما جرت عليه سنن الانبيآء من إتخاذ يوم نصبوا فيه خلفائهم عيدا کما جرت به العادة عند الملوک والامراء من التعيد في أيام تسنموا فيها عرش الملک، وقد أمر أئمة الدين عليهم السلام في عصورهم القديمة شيعتهم بأعمال برية ودعوات مخصوصة بهذا اليوم و أعمال وطاعات خاصة به. والحديث الذي مر عن مختصر بصاير الدرجات يعرب عن کونه من أعياد الشيعة الاربعة المشهورة في أوايل القرن الثالث الهجري.

هذه حقيقة عيد الغدير لکن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة فأنکرا ذلک السلف الصالح وصوراه بدعة معزوة إلي معز الدولة وهما يحسبان أنه لا يقف علي کلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.

فوقع الحق وبطل ما کانوا يعملون، فغلبوا هنالک وانقلبوا صاغرين . «الاعراف 117 و 116»

[صفحه 290]



صفحه 288، 289، 290.