عيد الغدير عند العترة الطاهرة











عيد الغدير عند العترة الطاهرة



(عود الي البدء)

إن هذه التهنئة المشفوعة بأمر من مصدر النبوة، والمصافقة بالبيعة المذکورة مع إبتهاج النبي بها بقوله: ألحمد لله الذي فضلنا علي جميع العالمين. علي ما عرفته من نزول الآية الکريمة في هذا اليوم المشهود الناصة بإکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الرب فيما وقع فيه. وقد عرف ذلک طارق بن شهاب الکتابي الذي حضر مجلس عمر بن الخطاب فقال: لو نزلت فينا هذه الآية[1] لاتخذنا يوم نزولها عيدا[2] ولم ينکرها عليه أحد من الحضور، وصدر من عمر ما يشبه التقرير لکلامه. وذلک بعد نزول آية التبليغ وفيها ما يشبه التهديد إن تأخر عن تبليغ ذلک النص الجلي حذار بوادر الدهماء من الامة.

کل هذه لا محالة قد أکسب هذا اليوم منعة وبذخا ورفعة وشموخا، سر موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمة الهدي ومن اقتص أثرهم من المؤمنين، وهذا هو الذي نعنيه من التعيد به، وقد نوه به رسول الله فيما رواه فرات بن ابراهيم الکوفي في القرن الثالث عن محمد بن ظهير عن عبدالله بن الفضل الهاشمي عن الامام الصادق عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يوم غدير خم أفضل أعياد امتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالي ذکره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أکمل الله فيه الدين، وأتم علي امتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام دينا. کما

[صفحه 284]

يعرب عنه قوله صلي الله عليه وآله في حديث أخرجه الحافظ الخرکوشي کما مر ص 274: هنئوني هنئوني.

واقتفي أثر النبي الاعظم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نفسه فاتخذه عيدا وخطب فيه سنة إتفق فيها الجمعة والغدير ومن خطبته قوله: إن الله عزوجل جمع لکم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين کبيرين ولا يقوم أحدهما إلا بصاحبه ليکمل عندکم جميل صنعه، ويقفکم علي طريق رشده، ويقفو بکم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلککم منهاج قصده، ويوفر عليکم هنيئ رفده، فجعل الجمعة مجمعا ندب اليه لتطهير ما کان قبله وغسل ما أوقعته مکاسب السوء من مثله إلي مثله وذکري للمؤمنين، وتبيان خشية المتقين، ووهب من ثواب الاعمال فيه أضعاف ما وهب لاهل طاعته في الايام قبله، وجعله لا يتم إلا بالايتمار لما أمر به، والانتهاء عما نهي عنه، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه، فلا يقبل توحيده إلا بالاعتراف لنبيه صلي الله عليه وآله بنبوته، ولا يقبل دينا إلا بولاية من أمر بولايته، ولا تنتظم أسباب طاعته إلا بالتمسک بعصمه وعصم أهل ولايته، فأنزل علي نبيه صلي الله عليه وآله في يوم الدوح ما بين به عن إرادته في خلصائه وذوي إجتبائه، وأمره بالبلاغ وترک الحفل بأهل الزيغ والنفاق وضمن له عصمته منهم- إلي أن قال-:

عودوا رحمکم الله بعد إنقضاء مجمعکم بالتوسعة علي عيالکم، وبالبر بإخوانکم، والشکر لله عزوجل علي ما منحکم، وأجمعوا يجمع الله شملکم، وتباروا يصل الله الفتکم، وتهادوا نعمة الله کما منکم بالثواب فيه علي أضعاف الاعياد قبله أو بعده إلا في مثله، والبر فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، وهيئوا لاخوانکم وعيالکم عن فضله بالجهد من وجودکم، وبما تناله القدرة من إستطاعتکم، وأظهروا البشر فيما بينکم والسرور في ملاقاتکم. ألخطبة[3] .

وعرفه أئمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسموه عيدا وأمروا بذلک عامة المسلمين ونشروا فضل اليوم ومثوبة من عمل البر فيه، ففي تفسير فرات بن إبراهيم الکوفي في سورة المائدة عن جعفر بن محمد الازدي، عن محمد بن الحسين الصايغ، عن الحسن بن

[صفحه 285]

علي الصيرفي، عن محمد البزاز، عن فرات بن أحنف، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قلت: جعلت فداک للمسلمين عيد أفضل من الفطر والاضحي ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ قال: فقال لي: نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أکمل الله فيه الدين وأنزل علي نبيه محمد: أليوم أکملت لکم دينکم، وأتممت عليکم نعمتي، ورضيت لکم الاسلام دينا. قال قلت: وأي يوم هو؟ قال: فقال لي: إن أنبياء بني إسرائيل کانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والامامة من بعده ففعل ذلک جعلوا ذلک اليوم عيدا، و إنه اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلي الله عليه وآله عليا للناس علما وأنزل فيه ما أنزل، وکمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة علي المؤمنين. قال: قلت وأي يوم هو في السنة؟ قال فقال لي: إن الايام تتقدم وتتأخر وربما کان يوم السبت والاحد والاثنين إلي آخر الايام السبعة[4] قال: قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلک اليوم؟ قال هو يوم عبادة و صلاة وشکر لله وحمد له وسرور لما من الله به عليکم من ولايتنا. فإني احب لکم أن تصوموه.

وفي الکافي لثقة الاسلام الکليني 1 ص 303 عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن يحيي عن جده الحسن بن راشد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت: جعلت فداک للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن؟ أعظمهما وأشرفهما، قلت: وأي يوم هو؟ قال: يوم نصب أميرالمؤمنين عليه السلام علما للناس، قلت: جعلت فداک و ما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصوم يا حسن؟ وتکثر الصلاة علي محمد وآله، وتبرأ إلي الله ممن ظلمهم، فإن الانبياء صلوات الله عليهم کانت تأمر الاوصياء اليوم الذي کان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال صيام ستين شهرا[5] وفي الکافي ايضا 1 ص 204 عن سهل بن زياد عن عبدالرحمن بن سالم عن أبيه قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والاضحي والفطر؟ قال: نعم أعظمها حرمة، قلت: وأي عيد هو جعلت فداک؟ قال: أليوم الذي نصب فيه

[صفحه 286]

رسول الله صلي الله عليه وآله أميرالمؤمنين وقال: من کنت مولاه فعلي مولاه. قلت: وأي يوم هو؟ قال: وما تصنع باليوم إن السنة تدور ولکنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلک اليوم؟ قال: تذکرون الله عز ذکره فيه بالصيام والعبادة والذکر لمحمد وآل محمد فإن رسول الله صلي الله عليه وآله أوصي اميرالمؤمنين عليه السلام أن يتخذوا ذلک اليوم عيدا، وکذلک کانت الانبياء تفعل کانوا يوصون أوصياءهم بذلک فيتخذونه عيدا.

وباسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني، عن محمد بن موسي الهمداني، عن علي إبن حسان الواسطي، عن علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: صيام يوم غدير خم يعدل عند الله في کل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الاکبر. ألحديث.

وفي (الخصال) لشيخنا الصدوق باسناده عن المفضل بن عمر قال: قلت: لابي عبدالله عليه السلام: کم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة فقال لي: أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله صلي الله عليه وآله أميرالمؤمنين عليه السلام ونصبه للناس علما قال قلت: ما يجب علينا في ذلک اليوم؟ قال: يجب[6] عليکم صيامه شکرا لله وحمدا له مع أنه أهل أن يشکر کل ساعة، کذلک أمرت الانبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصي ويتخذونه عيدا. ألحديث.

وفي (المصباح) لشيخ الطايفة الطوسي ص 513 عن داود الرقي عن أبي هارون عمار بن حريز العبدي قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما، فقال لي: هذا يوم عظيم عظم الله حرمته علي المؤمنين و أکمل لهم فيه الدين، وتمم عليهم النعمة، وجدد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال: إنه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شکرا لله، وإن صومه يعدل ستين شهرا من أشهر الحرم. ألحديث.

[صفحه 287]

وروي عبدالله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي عن أبي عبدالله عليه السلام إنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوما شيد الله به الاسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشعيتنا؟ فقالوا: ألله ورسوله وإبن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو؟ يا سيدنا؟ قال: لا. قالوا: أفيوم الاضحي هو؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وان رسول الله صلي الله عليه وآله لما انصرف من حجة الوداع و صار بغدير خم. ألحديث.

وفي حديث الحميري بعد ذکر صلاة الشکر يوم الغدير وتقول في سجودک: أللهم إنا نفرج وجوهنا في يوم عيدنا الذي شرفتنا فيه بولاية مولانا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلي الله عليه.

وقال الفياض بن محمد بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين:انه شهد أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد إحتبسهم للافطار، وقد قدم إلي منازلهم الطعام والبر والصلات والکسوة حتي الخواتيم والنعال، وقد غير من أحوالهم وأحوال حاشيته وجددت لهم آلة غير الآلة التي جري الرسم بابتذالها قبل يومه وهو يذکر فضل اليوم وقدمه.

وفي مختصر بصائر الدرجات بالاسناد عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيي بن جريح البغدادي قالا في حديث: قصدنا جميعا أحمد بن إسحاق القمي صاحب الامام أبي محمد العسکري «المتوفي 260» بمدينة قم وقرعنا عليه الباب فخرجت إلينا من داره صبية عراقية فسألناها عنه فقالت: هو مشغول بعيده فإنه يوم عيد، فقلنا: سبحان الله أعياد الشيعة أربعة: ألاضحي والفطر والغدير والجمعة. ألحديث.



صفحه 284، 285، 286، 287.





  1. يعني قوله تعالي: اليوم اکملت لکم دينکم. الاية راجع ص 238 -230.
  2. أخرجه الائمة الخمسة: مسلم ومالک والبخاري والترمذي والنسائي کما في تيسير الوصول 1 ص 122، ورواه الطحاوي في مشکل الاثار 3 ص 196، والطبري في تفسيره 6 ص 46، وابن کثير في تفسيره 2 ص 13 عن أحمد والبخاري. ورواه جمع آخر.
  3. ذکرها شيخ الطايفه باسناده في مصباح المتهجد ص 524.
  4. الظاهر ان في لفظ الحديث سقطا ولعله ما سياتي في لفظ الکليني عن الامام نفسه من تعيينه باليوم الثامن عشر من ذي الحجة.
  5. ستوافيک هذه المثوبة من رواية الحفاظ باسناد رجاله کلهم ثقات.
  6. المراد بالوجوب هو الثبوت في السنة الشامل للندب ايضا کما يکشف عنه التعبير ب (ينبغي) في بقية الاحاديث وله في أحاديث الفقه نظاير جمة.