نظرة في الحديث آية سأل سائل
يقول رسول الله: هذا لامتي فقال جحود ذو شقاق منافق : أعن ربنا هذا أم أنت اخترعته فقال عدو الله: للهم إن يکن فعوجل من افق السماء بکفره وقال آخر في ارجوزته: وما جري لحارث النعمان علي اختياره لامر الامه حتي أتي النبي بالمدينة وقال ما قال من المقال ولم نجد من قريب أو مناوء غمزا فيه أو وقيعة في نقله مهما وجدوا رجال إسناده ثقاتا فأخبتوا إليه، عدا ما يؤثر عن إبن تيمية[1] في منهاج السنة ج 4 ص 13 فقد ذکر وجوها في إبطال الحديث کشف بها عن سوءته کما هو عادته في کل مسألة تفرد بالتحذلق فيها عند مناوئة فرق المسلمين، ونحن نذکرها مختصرة ونجيب عنها. الوجه الاول: إن قصة الغدير کانت في مرتجع رسول الله صلي الله عليه وسلم حجة [صفحه 248] الوداع وقد أجمع الناس علي هذا، وفي الحديث: أنها لما شاعت في البلاد جائه الحارث وهو بالابطح بمکة وطبع الحال يقتضي أن يکون ذلک بالمدينة فالمفتعل للرواية کان يجهل تاريخ قصة الغدير. (ألجواب): أولا ما سلف في رواية الحلبي في السيرة، وسبط إبن الجوزي في التذکرة، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العلي، من أن مجيئ السائل کان في المسجد (إن اريد منه مسجد المدينة) ونص الحلبي علي انه کان بالمدينة، لکن إبن تيمية عزب عنه ذلک کله، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزمية. (ثانيا) فان مغاضاة الرجل عن الحقايق اللغوية، أو عصبيته العمياء التي أسدلت بينه وبينها ستور العمي: ورطته في هذه الغمرة، فحسب إختصاص الابطح بحوالي مکة. ولو کان يراجع کتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان والادب لوجد فيها نصوص أربابها بان الابطح کل مسيل فيه دقاق الحصي، وقولهم في الاشارة إلي بعض مصاديقه: ومنه بطحاء مکة. وعرف انه يطلق علي کل مسيل يکون بتلک الصفة، وليس حجرا علي أطراف البلاد وأکناف المفاوز أن تکون فيها أباطح. روي البخاري في صحيحه 1 ص 181، ومسلم في صحيحه 1 ص 382 عن عبدالله ابن عمر: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلي بها. وفي الصحيحين عن نافع: ان إبن عمر کان إذا صدر عن الحج او العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي کان النبي صلي الله عليه وسلم ييخ بها. وفي صحيح مسلم 1 ص 382 عن عبدالله بن عمر: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم أتي في معرسه[2] بذي الحليفة فقيل له: إنک ببطحاء مبارکة. وفي إمتاع المقريزي و غيره: ان النبي إذا رجع من مکة دخل ألمدينة من معرس الابطح، فکان في معرسه في بطن الوادي فقيل له: إنک ببطحاء مبارکة. وفي صحيح البخاري 1 ص 175 عن إبن عمر: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم کان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر، وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة، وکان إذا رجع من غزو (کان في تلک الطريق) أو حج أو عمرة هبط ببطن واد [صفحه 249] فإذا ظهر من بطن أناخ بالبطحاء التي علي شفير الوادي الشرقية فعرس ثم حتي يصبح وکان ثم خليج يصلي عبدالله عنده، وفي بطنه کثب کان رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم يصلي فدحا فيه السيل بالبطحاء. ألحديث. وفي رواية إبن زبالة: فإذا ظهر «النبي» من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي علي شفير الوادي الشرقية. وفي مصابيح البغوي 1 ص 83: قال ألقاسم بن محمد: دخلت علي عايشة رضي الله عنها فقلت: يا اماه؟ اکشفي لي عن قبر النبي صلي الله عليه وسلم فکشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة[3] ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. وروي السمهودي في وفاء الوفاء 2 ص 212 من طريق إبن شبة والبزار عن عايشة عن النبي صلي الله عليه وسلم إنه قال: بطحان علي ترعة من ترع الجنة. وقبل هذه الاحاديث کلها ما ورد في حديث الغدير من طريق حذيفة بن اسيد وعامر بن ليلي قالا: لما صدر رسول الله من حجة الوداع ولم يحج غيرها أقبل حتي کان بالجحفة نهي عن سمرات متقاربات بالبطحاء أن لا ينزل تحتهن أحد. ألحديث، راجع ص 46 و 26 و 26. وأما معاجم اللغة والبلدان ففي معجم البلدان 2 ص 213: البطحاء في اللغة مسيل فيه دقاق الحصي. والجمع: الاباطح والبطاح علي غير قياس- إلي أن قال-: قال أبوالحسن محمد بن علي بن نصر الکاتب: سمعت عوادة تغني في أبيات طريح بن إسماعيل الثقفي في الوليد بن يزيد بن عبدالملک وکان من أخواله: أنت ابن مسلنطح البطاح ولم فقال بعض الحاضرين: ليس غير بطحاء مکة، فما معني الجمع؟ فثار البطحاوي العلوي فقال: بطحاء المدينة، وهو اجل من بطحاء مکة وجدي منه، وانشد له: وبطحاء المدينة لي منزل فقال: فهذان بطحا وان فما معني الجمع؟ قلنا: العرب تتوسع في کلامها وشعرها [صفحه 250] فتجعل الاثنين جمعا، وقد قال بعض الناس: إن اقل الجمع إثنان، ومما يؤکد أنها بطحاوان قول الفرزدق: وانت ابن بطحاوي قريش فإن تشأ «ثم قال»: قلت انا: وهذا کله تعسف. وإذا صح بإجماع اهل اللغة ان البطحاء: الارض ذات الحصي فکل قطعة من تلک الارض بطحاء، وقد سميت: قريش البطحاء، وقريش الظواهر. في صدر الجاهلية ولم يکن بالمدينة منهم احد. واما قول الفرزدق وإبن نباتة فقد قالت العرب: الرقمتان ورامتان. وأمثال ذلک کثير تمر في هذا الکتاب قصدهم بها إقامة الوزن فلا اعتبار به. «البطاح» بالضم: منزل لبني يربوع وقد ذکره لبيد فقال: تربعت الاشراف ثم تصيفت وقيل: البطاح ماء في ديار بني أسد، وهناک کانت الحرب بين المسلمين وأميرهم خالد بن الوليد وأهل الردة، وکان ضرار بن الازور الاسدي، قد خرج طليعة لخالد ابن الوليد، وخرج مالک بن نويرة طليعة لاصحابه، فالتقيا بالبطاح فقتل ضرار مالکا فقال أخوه متمم يرثيه: سأبکي أخي ما دام صوت حمامة وقال وکيع بن مالک يذکر يوم البطاح: فلما أتانا خالد بلوائه وقال في ص 215: البطحاء: أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصي. وقال النضر: الابطح والبطحاء بطن الميثاء والتلعة والوادي. هو التراب السهل في بطونها مما قد جرته السيول يقال: أتينا أبطح الوادي وبطحاءه مثله وهو ترابه وحصاه السهل اللين. والجمع الاباطح، وقال بعضهم: البطحاء کل موضع متسع. وقول عمر رضي الله عنه: بطحوا المسجد. أي ألقوا فيه الحصي الصغار. وهو موضع بعينه قريب من ذي قار. وبطحاء مکة وأبطحها ممدود. وکذلک بطحاء ذي الحليفة، قال إبن إسحاق: خرج النبي صلي الله عليه وسلم غازيا فسلک نقب بني دينار فنزل تحت شجرة ببطحاء إبن أزهر يقال لها: ذات الساق، فصلي تحتها فثم مسجده، وبطحاء ايضا مدينة بالمغرب قرب تلمسان. [صفحه 251] بطحان « روي فيه الضم والفتح» واد بالمدينة وهو أحد أوديتها الثلاثة وهي: العقيق، وبطحان: وقتاة، قال الشاعر وهو يقوي رواية من سکن الطاء: أبا سعيد لم أزل بعدکم کم مجلس ولي بلذاته سقيا لسلع ولساحاتها وقال إبن مقبل في قول من کسر الطاء: عفي بطحان من سليمي فيثرب وقال أبوزياد: بطحان من مياه الضباب. وقال في ص 222: البطيحة بالفتح ثم الکسر وجمعها البطائح، والبطيحة والبطحاء واحد. وتبطح السيل إذا إتسع في الارض. وبذلک سميت بطائح واسط. لان المياه تبطحت فيها أي سالت، واتسعت في الارض، وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة، وکانت قديما قري متصلة وأرضا عامرة، فاتفق في أيام کسري ابرويز أن زادت دجلة زيادة مفرطة، وزاد الفرات ايضا بخلاف العادة، فعجز عن سدها فتبطح الماء في تلک الديار والعمارات والمزارع فطرد أهلها عنها. الخ. وقال إبن منظور في لسان العرب 3 ص 236، والزبيدي في تاج العروس ج 2 ص 124 ما ملخصه: بطحآء الوادي تراب لين مما جرته السيول. وقال إبن الاثير بطحاء الوادي وأبطحه حصاه اللين في بطن المسيل، ومنه الحديث: انه صلي بالابطح يعني أبطح مکة. قال: هو مسيل واديها. وعن أبي حنيفة: الابطح لا ينبت شيئا إنما هو بطن المسيل. وعن النضر: البطحاء بطن التلعة والوادي وهو التراب السهل في بطونها مما قد جرته السيول. يقال: أتينا أبطح الوادي فنمنا عليه. وبطحاؤه مثله وهو ترابه وحصاه السهل اللين. وقال أبوعمرو: سمي المکان أبطح لان الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا وشمالا ج أباطح وبطائح. وفي الصحاح: تبطح السيل إتسع في البطحاء. وقال ابن سيدة: سال سيلا عريضا قال ذوالرمة: ولا زال من نوء السماک عليکما وقال لبيد: [صفحه 252] يزع الهيام عن الثري ويمده وقال آخر: إذا تبطحن علي المحامل وبطحاء مکة وأبطحها معروفة لانبطاحها، بطحان بالضم وسکون الطاء وهو الاکثر قال إبن الاثير في النهاية: ولعله الاصح. وقال عياض في المشارق: هکذا يرويه المحدثون. وکذا سمعناه من المشايخ (والصواب الفتح وکسر الطاء) کقطران کذا قيد القالي في البارع، وأبوحاتم والبکري في المعجم، وزاد الاخير: ولا يجوز غيره. هو أحد أودية المدينة الثلاثة: وهو العقيق وبطحان وقتاة، وروي إبن الاثير فيه الفتح ايضا وغيره بالکسر و في الحديث کان عمر اول من بطح المسجد وقال: أبطحوه من الوادي المبارک. تبطيح المسجد إلقاء الحصي فيه وتوثيره، وفي حديث إبن الزبير: فأهاب بالناس إلي بطحه اي تسوينه. وإنبطح الوادي في هذا المکان وإستبطح، أي إستوسع فيه، ويقال في النسبة إلي بطحان المدينة: البطحانيون. اه[5] . وقال اليعقوبي في کتاب البلدان ص 84: ومن واسط إلي البصرة في البطائح لانه تجتمع فيها عدة مياه، ثم يصير من البطائح في دجلة العوراء، ثم يصير إلي البصرة فيرسي في شط نهر إبن عمر اه. ويوم البطحاء: من أيام العرب المعروفة منسوب إلي بطحاء ذي قار، وقعت الحرب فيها بين کسري وبکر بن وائل. وهناک شواهد کثيرة من الشعر لمن يحتج بقوله في اللغة العربية، منها ما يعزي إلي مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام من قوله يخاطب به وليد بن المغيرة: يهددني بالعظيم الوليد أنا ابن المبجل بالابطحين وذکر الميبذي في شرحه: انه عليه السلام يريد أبطح مکة والمدينة. وقال نابغة بني شيبان[6] في ديوانه ص 104 من قصيدة يمدح بها عبدالملک بن مروان: [صفحه 253] والارض منه جم النبات بها وارتدت الاکم من تهاويل ذي وللسيد الحميري يصف الکوثر الذي يسقي منه امير المؤمنين عليه السلام شيعته يوم القيامة قوله من قصيدة تأتي في ترجمته في شعراء القرن الثاني: بطحآؤه مسک وحافاته وقال أبوتمام المترجم في شعراء القرن الثالث في المديح في ديوانه ص 68: قوم هم آمنوا قبل الحمام بها کانوا الجبال لها قبل الجبال وهم وقال الشريف الرضي[7] من قصيدة في ديوانه 1 ص 205: دعوا ورد ماء لستم من حلاله وله من قصيدة اخري توجد في ديوانه ص 198 قوله: متي أري البيض وقد أمطرت ويقول من اخري ص 194: قلوب عيش فيک رق نسيمه وله من اخري ص 191: بکل فلاة تقود الجياد فيلجم أعناقها بالجبال وقال مهيار الديلمي[9] في قصيدة کتبها إلي النهرواني يهنئه بعقد نکاح: فما اتفق السعدان حتي تکافآ ولو قيل: غير الشمس سيقت هدية وله في ديوانه 1 ص 199 من قصيدة کتبها إلي الصاحب أبي القاسم قوله: فکن سامعا في کل نادي مسرة [صفحه 254] حوامل أعباء الثناء خفائفا وقال في مستهل قصيدة کتبها إلي ناصر الدولة بعمان: لمن صاغيات[10] في الجبال طلائح وقال أبوإسحاق إبن خفاجة الاندلسي المتوفي 533 من مقطوعة: فإن أنا لم أشکرک والدار غربة ولا استشرفت يوما إلي به الربا وله من قصيدة اخري في ديوانه ص 37: تخايل نخوة بهم المذاکي لهم همم کما شمخت جبال ومن مقطوعة له يصف الکلب والارنب في ديوانه ص 37: يجول حيث يکشر عن نصال وطورا يرتقي حدب الروابي ويقول في قصيدة يهنئ بها قاضي القضاة: بشري کما أسفر وجه الصباح وارتجز الرعد بلج الندي فدنر الزهر متون الربي وله من قصيدة يصف معرکا قوله: زحمت مناکبه الاعادي زحمة وله من اخري قوله: غلام کما استخشنت جانب هضبة وللارجاني المتوفي 544 من قصيدة يمدح بها الوزير شمس الملک في ديوانه ص 80 قوله: لاغرو إن فاضت دما مقلتي بل يا أخا الحي؟ إذا زرته [صفحه 255] ولشهاب الدين المعروف بحيص بيص المتوفي 574 المدفون في مقابر قريش، في رثاء أهل البيت عليهم السلام عن لسانهم يخاطب من ناوئهم، وتجرأ علي الله بقتلهم قوله: ملکنا فکان العفو منا سجية وحللتم قتل الاساري وطالما وأنت جد عليم أن مصارع أهل البيت عليهم السلام نوعا کانت بالعراق في مشهد الطف وغيره، ومنهم من قتل بفخ من أعمال مکة غير انه واقع بينها وبين المدينة يبعد عنها نحو ستة أميال لا في جهة الابطح الذي هو وادي المحصب بمقربة من مني في شرقي مکة. ولبعضهم يرثي الامام السبط الشهيد عليه السلام قوله من قصيدة: وتأن نفسي للربوع وقد غدا بيت لآل المصطفي في کربلا (الوجه الثاني): إن سورة المعارج مکية بإتفاق أهل العلم فيکون نزولها قبل واقعه الغدير بعشر سنين أو أکثر من ذلک. (ألجواب): ان المتيقن من معقد الاجماع المذکور هو نزول مجموع السورة مکيا لا جميع آياتها فيمکن أن يکون خصوص هذه الآية مدنيا کما في کثير من السور، ولا يرد عليه ان المتيقن من کون السورة مکية أو مدنية هو کون مفاتيحها کذلک،أو الآية التي انتزع منها اسم السورة، لما قدمناه من ان هذا الترتيب هو ما اقتضاه التوقيف لا ترتيب النزول، فمن الممکن نزول هذه الآية أخيرا وتقدمها علي النازلات قبلها بالتوقيف، وإن کنا جهلنا الحکمة في ذلک کما جهلناها في أکثر موارد الترتيب في الذکر الحکيم، وکم لها من نظير ومن ذلک. 1- سورة العنکبوت فإنها مکية إلا من أولها عشرة آيات کما رواه الطبري في تفسيره في الجزؤ العشرين ص 86، والقرطبي في تفسيره 13 ص 323، والشربيني في السراج المنير 3 ص 116. [صفحه 256] 2- سورة الکهف فإنها مکية إلا من أولها سبع آيات فهي مدنية وقوله. واصبر نفسک. الآية. کما في تفسير القرطبي 10 ص 346، وإتقان السيوطي 1 ص 16. 3- سورة هود مکية إلا قوله: وإقم الصلاة طرفي النهار. کما في تفسير القرطبي 9 ص 1 وقوله: فلعلک تارک بعض ما يوحي إليک کما في السراج المنير 2 ص 40. 4- سورة مريم مکية إلا آية السجدة وقوله: وإن منکم إلا واردها. کما في إتقان السيوطي 1 ص 16. 5- سورة الرعد فإنها مکية إلا قوله: ولا يزال الذين کفروا. وبعض آيها الاخر أو بالعکس کما نص به القرطبي في تفسيره 9 ص 278، والرازي في تفسيره ج 6 ص 258، والشربيني في تفسيره 2 ص 137. 6- سورة إبراهيم مکية إلا قوله: ألم تر إلي الذين بدلوا نعمة الله. الآيتين نص به القرطبي في تفسيره 9 ص 338، والشربيني في السراج المنير 2 ص 159. 7- سورة الاسراء مکية إلا قوله: وإن کادوا ليستفزونک من الارض إلي قوله: واجعل لي من لدنک سلطانا نصيرا. کما في تفسير القرطبي 10 ص 203، والرازي 5 ص 540، والسراج المنير 2 ص 261. 8- سورة الحج مکية إلا قوله: ومن الناس من يعبد الله علي حرف. کما في تفسيري القرطبي 12 ص 1، والرازي 6 ص 206، والسراج المنير 2 ص 511. 9- سورة الفرقان مکية إلا قوله: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر. کما في تفسير القرطبي 13 ص 1، والسراج المنير 2 ص 617. 10- سورة النمل مکية إلا قوله: وإن عاقبتم فعاقبوا. الآية. إلي آخر السورة، نص بذلک القرطبي في تفسيره 15 ص 65، والشربيني في تفسيره 2 ص 205. 11- سورة القصص مکية إلا قوله: ألذين آتيناهم الکتاب من قبله وقيل: إلا آية:إن الذي فرض عليک القرآن. الآية. کما في تفسيري القرطبي 13 [صفحه 257] ص 247، والرازي 6 ص 585. 12- سورة المدثر مکية غير آية من آخرها علي ما قيل کما في تفسير الخازن 4 ص 343. 13- سورة القمر مکية إلا قوله: سيهزم الجمع ويولون الدبر، قاله الشربيني في السراج المنير 4 ص 136. 14- سورة الواقعة مکية إلا أربع آيات کما في السراج المنير 4 ص 171. 15- سورة المطففين مکية إلا الآية الاولي ومنها انتزع إسم السورة کما أخرجه الطبري في الجزء الثلاثين من تفسيره ص 58. 16- سورة الليل مکية إلا أولها ومنها إسم السورة کما في الاتقان 1 ص 17. 17- سورة يونس مکية إلا قوله: وإن کنت في شک. الآيتين أو الثلاث أو قوله: ومنهم من يؤمن به. کما في تفسير الرازي 4 ص 774، وإتقان السيوطي 1 ص 15، وتفسير الشربيني 2 ص 2. (کما ان غير واحد من السور المدنية فيها آيات مکية) منها: سورة المجادلة فإنها مدنية إلا العشر الاول ومنها تسمية السورة کما في تفسير أبي السعود في هامش الجزء الثامن من نفسير الرازي ص 148، والسراج المنير 4 ص 210. ومنها: سورة البلد مدنية إلا الآية الاولي (وبها تسميتها بالبلد) إلي غاية الآية الرابعة کما قيل في الاتقان 1 ص 17. وسور اخري لا نطيل بذکرها المجال. علي أن من الجايز نزول الآية مرتين کآيات کثير نص العلماء علي نزولها مرة بعد اخري عظة وتذکيرا، أو اهتماما بشأنها، أو اقتضاء موردين لنزولها غير مرة نظير البسملة، وأول سورة الروم، وآية الروح، وقوله: ما کان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشرکين. وقوله: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. إلي آخر النحل. وقوله: من کان عدوا لله. الآية. وقوله: أقم الصلاة طرفي النهار. وقوله أليس. الله بکاف عبده. وسورة الفاتحة فإنها نزلت مرة بمکة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة. ولتثنية نزولها سميت بالمثاني[12] . [صفحه 258] (الوجه الثالث): إن قوله تعالي: وإذ قالوا أللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء. نزلت عقيب بدر بألاتفاق قبل يوم الغدير بسنين. (ألجواب): کأن هذا الرجل يحسب أن من يروي تلک الاحاديث المتعاضدة يري نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الکافر من الآية الکريمة السابق نزولها و أفرغها في قالب الدعاء، في اليوم المذکور، والقارئ لهاتيک الاخبار جد عليم بمينه في هذا الحسبان، أو انه يري حجرا علي الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحد، فهل في هذه الرواية غير أن الرجل المرتد (الحارث أو جابر) تفوه بهذه الکلمات؟ وأين هو من وقت نزولها؟ فدعها يکن نزولها في بدر أو احد. فالرجل أبدي کفره بها کما أبدي الکفار قبله إلحادهم بها. لکن إبن تيمية يريد تکثير الوجوه في ابطال الحق الثابت. (الوجه الرابع): انها نزلت بسبب ما قاله المشرکون بمکة ولم ينزل عليهم العذاب هناک لوجود النبي صلي الله عليه وسلم بينهم لقوله تعالي: وما کان الله ليعذبهم وأنت فيهم. وما کان الله معذبهم وهم يستغفرون. (الجواب): لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مکة علي المشرکين، وبين عدم نزوله ههنا علي الرجل فإن أفعال المولي سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحکمة، فکان في سابق علمه إسلام جماعة من أولئک بعد حين، أو وجود مسلمين في أصلابهم، فلو أبادهم بالعذاب النازل لاهملت الغاية المتوخاة من بعث الرسول صلي الله عليه وآله. ولما لم ير سبحانه ذلک الوجه في هذا المنتکس علي عقبه عن دين الهدي بقيله ذلک، ولم يکن ليولد مؤمنا کما عرف ذلک نوح عليه السلام من قومه فقال: ولن يلدوا إلا فاجرا کفارا. قطع جرثومة فساده بما تمناه من العذاب الواقع، وکم فرق بين أولئک الذين عومل معهم بالرفق رجاء هدايتهم، وتشکيل امة مرحومة منهم ومن أعقابهم، مع العلم بأن الخارج منهم عن هاتين الغايتين سوف يقضي عليه في حروب دامية، أو يأتي عليه الخزي المبير، فلا يسعه بث ضلالة، أو إقامة عيث. وبين هذا الذي أخذته الشدة، مع العلم بأن حياته مثارفتن، ومنزع إلحاد، وما عساه يتوفق لهدايته، أو يستفاد بعقبه. ووجود الرسول صلي الله عليه وآله رحمة تدرع العذاب عن الامة، إلا أن تمام الرحمة [صفحه 259] أن يکون فيها مکتسح للعراقيل أمام السير في لاحب الطريق المهيع، ولذلک قم سبحانه ذلک الجذم الخبيث، للخلاف عما أبرمه النبي الاعظم في أمر الخلافة، کما انه في حروبه ومغازيه کان يجتاح اصول الغي بسيفه الصارم، وکان يدعو علي من شاهد عتوه، ويأس من إيمانه، فتجاب دعوته. أخرج مسلم في صحيحه 2 ص 468 بالاسناد عن إبن مسعود: إن قريشا لما استعصت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبطأوا عن الاسلام قال: أللهم؟ أعني عليهم بسبع کسبع يوسف. فأصابتهم سنة فحصت کل شئ حتي أکلوا الجيف والميتة حتي ان أحدهم کان يري ما بينه وبين السماء کهيئة الدخان من الجوع فذلک قوله:يوم تأتي السماء بدخان مبين. و رواه البخاري 2 ص 125. وفي تفسير الرازي 7 ص 467: ان النبي صلي الله عليه وسلم دعا علي قومه بمکة لما کذبوه فقال: أللهم اجعل سنيهم کسني يوسف. فارتفع المطر واجدبت الارض وأصابت قريشا شدة المجاعة حتي أکلوا العظام والکلاب والجيف، فکان الرجل لما به من الجوع يري بينه وبين السماء کالدخان، وهذا قول إبن عباس ومقاتل ومجاهد وإختيار الفراء والزجاج وهو قول إبن مسعود. وروي إبن الاثير في النهاية 3 ص 124: إن النبي صلي الله عليه وسلم قال: أللهم؟ اشدد وطأتک علي مضر مثل سني يوسف فجهدوا حتي أکلوا العلهز[13] ورواه السيوطي في الخصايص الکبري 1 ص 257 من طريق البيهقي عن عروة ومن طريقه وطريق أبي نعيم عن أبي هريرة. وقال إبن الاثير في الکامل 2 ص 27: کان أبوزمعة ألاسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزي وأصحابه يتغامزون بالنبي صلي الله عليه وآله دعا عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعمي ويثکل ولده فجلس في ظل شجرة فجعل جبريل يضرب وجهه وعينيه ورقة من ورقها وبشوکها حتي عمي. وقال: دعا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي مالک بن الطلالة بن عمرو بن غبشان فأشار جبريل إلي رأسه فامتلا قيحا فمات. [صفحه 260] وروي إبن عبدالبر في الاستيعاب هامش الاصابة 1 ص 218: ان النبي صلي الله عليه وسلم کان إذا مشي يتکفأ، وکان الحکم بن أبي العاص يحکيه، فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلک فقال صلي الله عليه وسلم: فکذلک فلتکن. فکان الحکم مختلجا يرتعش من يومئذ فعيره عبدالرحمن بن حسان بن ثابت فقال في عبدالرحمن بن الحکم يهجوه: إن اللعين أبوک فارم عظامه يمسي خميص البطن من عمل التقي وروي إبن الاثير في النهاية 1 ص 345 من طريق عبدالرحمن بن أبي بکر: ان الحکم بن أبي العاص بن أمية أبا مروان کان يجلس خلف النبي صلي الله عليه وسلم فإذا تکلم إختلج بوجهه فرآه فقال له: کن کذلک. فلم يزل يختلج حتي مات وفي رواية: فضرب به شهرين ثم أفاق خليجا، أي: صرع، ثم أفاق مختلجا[14] قد اخذ لحمه وقوته وقيل: مرتعشا. وروي إبن حجر في الاصابة ص 3451 من طريق الطبراني، والبيهقي في الدلائل، والسيوطي في الخصايص الکبري 2 ص 79 عن الحاکم وصححه وعن البيهقي و الطبراني عن عبدالرحمن بن أبي بکر الصديق قال: کان الحکم بن أبي العاص يجلس إلي النبي صلي الله عليه وسلم فإذا تکلم النبي صلي الله عليه وسلم إختلج بوجهه فقال له النبي: کن کذلک. فلم يزل يختلج حتي مات. وروي مثله بطريق آخر. وفي الاصابة 1 ص 346: أخرج البيهقي من طريق مالک بن دينار: حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلي الله عليه وسلم: مر النبي صلي الله عليه وسلم بالحکم فجعل الحکم يغمز النبي صلي الله عليه وسلم باصبعه فإلتفت فرآه فقال: أللهم؟ اجعله وزغا. فزحف مکانه. وفي الاصابة 1 ص 276، والخصايص الکبري 2 ص 79: ذکر ابن فتحون عن الطبري: ان النبي صلي الله عليه وسلم خطب إلي الحارث بن أبي الحارثة ابنته جمرة بنت الحارث فقال: إن بها سوء. ولم تکن کما قال، فرجع فوجدها قد برصت. وفي الخصايص الکبري 2 ص 78 من طريق البيهقي عن اسامة بن يزيد قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلا فکذب عليه فدعا عليه رسول الله فوجد ميتا قد انشق بطنه ولم [صفحه 261] تقبله الارض. وفي الخصايص ج 1 ص 147: أخرج البيهقي وأبونعيم من طريق أبي نوفل إبن أبي عقرب عن أبيه قال. أقبل لهب بن أبي لهب يسب النبي، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: أللهم؟ سلط عليه کلبک. قال وکان أبولهب يحتمل البز إلي الشام ويبعث بولده مع غلمانه ووکلائه ويقول: إن ابني أخاف عليه دعوة محمد فتعاهدوه. فکانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلي الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع ففعلوا ذلک به زمانا فجاء سبع فتله فقتله وأخرج البيهقي عن قتادة: إن عتبة[15] بن أبي لهب تسلط علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال رسول الله: أما إني أسأل الله أن يسلط عليه کلبه فخرج في نفر من قريش حتي نزلوا في مکان من الشام يقال له: الزرقاء ليلا فأطاف بهم الاسد- فعدا ( أي: وثب) عليه الاسد من بين القوم وأخذ برأسه فضغمه[16] ضغمة فذبحه. وأخرج البيهقي عن عروة: ان الاسد لما کان بهم تلک الليلة إنصرف عنهم فقاموا وجعلوا عتبة في وسطهم فأقبل الاسد يتخطاهم حتي أخذ برأس عتبة ففدغه[17] وروي عن أبي نعيم وإبن عساکر من طريق عروة مثله. وأخرجه إبن إسحاق وأبونعيم من طريق آخر عن محمد بن کعب القرظي وغيره. وزاد: إن حسان بن ثابت قال في ذلک: سائل بني الاشقر إن جئتهم[18] لا وسع الله له قبره رحم نبي جده ثابت أسبل بالحجر لتکذيبه فاستوجب الدعوة منه بما أن سلط الله بها کلبه [صفحه 262] حتي أتاه وسط أصحابه فالتقم الراس بيافوخه قلت: لا يوجد في ديوان حسان من هذه الابيات إلا البيت الاول وفيه بعده قوله: إذ ترکوه وهو يدعوهم والليث يعلوه بأنيابه لا يرفع الرحمن مصروعهم وأخرج أبونعيم عن طاووس قال: لما تلا رسول الله صلي الله عليه وسلم والنجم إذا هوي. قال عتبة بن أبي لهب: کفرت برب النجم. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: سلط الله عليک کلبا من کلابه. ألحديث. وأخرج أبونعيم عن أبي الضحي قال: قال إبن ابي لهب: هو يکفر بالذي قال: والنجم إذا هوي. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ألحديث. وبهذه کلها تعلم ان العذاب المنفي في الآيتين بسبب وجوده المقدس يراد به النفي في الجملة لا بالجملة، وهو الذي تقتضيه الحکمة، ويستدعيه الصالح العام، فإن في الضرورة ملزما لقطع العضو الفاسد، إتقاء سراية الفساد منه إلي غيره، بخلاف الجثمان الدنف بعضه، بحيث لا بخشي بداره إلي غيره، أو المضني کله ويؤمل فيه الصحة، فانه يعالج حتي يبرء. وإن الله سبحانه هدد قريشا بمثل صاعقة عاد وثمود إن مردوا عن الدين جميعا و قال: فإن أعرضوا فقل أنذرتکم مثل صاعقة عاد وثمود، وإذ کان مناط الحکم إعراض الجميع لم تأتهم الصاعقة بحصول المؤمنين فيهم، ولو کانوا استمروا علي الضلال جميعا لاتاهم ما هددوا به، ولو کان وجود الرسول صلي الله عليه وآله مانعا عن جميع أقسام العذاب بالجملة لما صح ذلک التهديد، ولما اصيب النفر الذين ذکرناهم بدعوته، ولما قتل أحد في مغازيه بعضبه الرهيف، فإن کل هذه أقسام العذاب أعاذنا الله منها. (الوجه الخامس): انه لو صح ذلک لکان آية کآية أصحاب الفيل ومثلها تتوفر الدواعي لنقله، ولما وجدنا المصنفين في العلم من أرباب المسانيد والصحاح والفضايل والتفسير والسير ونحوها قد أهملوه رأسا فلا يروي إلا بهذا الاسناد المنکر فعلم انه کذب باطل. [صفحه 263] (ألجواب): إن قياس هذه التي هي حادثة فردية لا تحدث في المجتمع فراغا کبيرا يأبه له، وورائها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الانساء عليها کما أسدلوها علي نص الغدير نفسه، وهملجوا وراء إبطاله حتي کادوا أن يبلغوا لامل بصور خلابة، و تلفيقات مموهة، وأحاديث مائنة، بيد أن الله أبي إلا أن يتم نوره. إن قياسها بواقعة أصحاب الفيل تلک الحادثة العظيمة التي عدادها في الارهاسات النبوية وفيها تدمير امة کبيرة يشاهد العالم کله فراغها الحادث، وإنفاذ امة هي من أرقي الامم، والابقاء عليها وعلي مقدساتها، وبيتها الذي هو مطاف ألامم، ومقصد الحجيج، وتعتقد الناس فيه الخير کله والبرکات بأسرها، وهو يومئذ أکبر مظهر من مظاهر الصقع الربوبي. إن قياس تلک بهذه في توفر الدواعي لنقلها مجازفة ظاهرة، فإن من حکم الضرورة ان الدواعي في الاولي دونها في الثانية، کما تجد هذ الفرق لائحا بين معاجز النبي صلي الله عليه وآله فمنها: مالم ينقل إلا بأخبار آحاد. ومنها: ما تجاوز حد التواتر. ومنها: ما هو المتسالم عليه بين المسلمين بلا اعتناء بسنده. وما ذلک إلا لاختلاف موارد العظمة فيها أو المقارنات المحتفة بها. وأما ما ادعاه إبن تيمية من إهمال طبقات المصنفين لها فهو مجازفة اخري لما أسلفناه من رواية المصنفين لها من أئمة العلم، وحملة التفسير، وحفاظ الحديث،ونقلة التاريخ الذين تضمنت المعاجم فضائلهم الجمة، وتعاقب من العلماء اطراءهم. وإلي الغاية لم نعرف المشار اليه في قوله: بهذا الاسناد المنکر. فإنه لا ينتهي إلا إلي حذيفة بن اليمان (المترجم ص 25) الصحابي العظيم، وسفيان بن عيينة المعروف إمامته في العلم والحديث والتفسير وثقته في الرواية (المترجم ص 80) وأما الاسناد إليهما فقد عرفه الحفاظ و المحدثون والمفسرون المنقبون في هذا الشأن فوجدوه حريا بالذکر والاعتماد، و فسروا به آية من الذکر الحکيم من دون أي نکير، ولم يکونوا بالذين يفسرون الکتاب بالتافهات. نعم: هکذا سبق العلماء وفعلوا لکن إبن تيمية إستنکر السند وناقش في المتن لان شيئا من ذلک لا يلائم دعارة خطته. (الوجه السادس): أن المعلوم من هذا الحديث أن حارثا المذکورکا [صفحه 264] مسلما بإعترافه بالميادي الخمسة الاسلامية ومن المعلوم بالضرورة أن أحدا من المسلمين لم يصبه عذاب علي العهد النبوي. (ألجواب): إن الحديث کما أثبت إسلام الحارث فکذلک أثبت ردته برده قول النبي صلي الله عليه وآله وتشکيکه فيما أخبر به عن الله تعالي، والعذاب لم يأته علي حين إسلامه وانما جاءه بعد الکفر والارتداد، وقد مر في ص 245 انه بعد سماعه الحديث شک في نبوة النبي صلي الله عليه وآله. علي ان في المسلمين من شملته العقوبة لما تجرؤا علي قدس صاحب الرسالة کجمرة إبنة الحارث التي أسلفنا حديثها ص 260 و بعض آخر مر حديثه في جواب الوجه الرابع، وروي مسلم في صحيحه عن سلمة بن الاکوع: ان رجلا أکل عند النبي بشماله فقال: کل بيمينک.قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، قال: فما رفعها إلي فيه بعد. وفي صحيح البخاري ج 5 ص 227: ان النبي دخل علي أعرابي يعوده قال: وکان النبي صلي الله عليه وسلم اذا دخل علي مريض يعوده قال: لا بأس طهور. قال: قلت: طهور کلا بل هي حمي تفور (أو: تثور) علي شيخ کبير تزيره القبور. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: فنعم إذا. فما أمسي من الغد إلا ميتا. م- وفي أعلام النبوة للماوردي ص 81 قال: نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن ينقي الرجل شعره في الصلاة فرأي رجلا ينقي شعره في الصلاة، فقال: قبح الله شعرک. فصلع مکانه. (الوجه السابع): ان الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة ولم يذکره إبن عبدالبر في الاستيعاب، وإبن مندة، وأبونعيم الاصبهاني، وأبوموسي في تآليف ألفوها في أسماء الصحابة فلم نتحقق وجوده. (ألجواب): إن معاجم الصحابة غير کافلة لاستيفاء أسمائهم، فکل مؤلف من أربابها جمع ما وسعته حيطته وأحاط به إطلاعه ثم جاء المتأخر عنه فاستدرک علي من قبله بما أوقفه السير في غضون الکتب وتضاعيف الآثار، وأوفي ما وجدناه من ذلک کتاب (الاصابة بتمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني، ومع ذلک فهو يقول في مستهل کتابه: فإن من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبوي، ومن أجل معارفه تمييز أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ممن خلف بعدهم، وقد جمع في ذلک جمع من الحفاظ تصانيف [صفحه 265] بحسب ما وصل إليه اطلاع کل منهم، فأول من عرفته صنف في ذلک أبوعبدالله البخاري أفرد في ذلک تصنيفا فنقل منه أبوالقاسم البغوي وغيره، وجمع أسماء الصحابة مضمومة إلي من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه کخليفة بن خياط، ومحمد بن سعد ومن قرنائه کيعقوب بن سفيان، وأبي بکر بن أبي خيثمة، وصنف في ذلک جمع بعدهم کأبي القاسم البغوي، وأبي بکر بن أبي داود، وعبدان، ومن قبلهم بقليل کمطين، ثم کأبي علي إبن السکن، وأبي حفص بن شاهين، وأبي منصور الماوردي، وأبي حاتم بن حبان، وکالطبراني ضمن معجمه الکبير، ثم کأبي عبدالله بن مغدة، وأبي نعيم ثم کأبي عمر إبن عبدالبر وسمي کتابه «الاستيعاب » لظنه انه إستوعب ما في کتب من قبله ومع ذلک ففاته شئ کثير فذيل عليه أبوبکر بن فتحون ذيلا حافلا وذيل عليه جماعة في تصانيف لطيفة، وذيل أبوموسي المديني علي إبن مندة ذيلا کبيرا، وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسر حصرهم ممن صنف في ذلک ايضا إلي أن کان في أوائل القرن السابع فجمع عزالدين إبن الاثير کتابا حافلا سماه «اسد الغابة» جمع فيه کثيرا من التصانيف المتقدمة إلا انه تبع من قبله فخلط من ليس صحابيا بهم، وأغفل کثيرا من التنبيه علي کثير من الاوهام الواقعة في کتبهم، ثم جرد الاسماء التي في کتابه مع زيادات عليها ألحافظ أبو عبدالله الذهبي وعلم لمن ذکر غلطا ولمن لا تصح صحبته ولم يستوعب ذلک ولا قارب، وقد وقع لي بالتتبع کثير من الاسماء التي ليست في کتابه ولا أصله علي شرطهما فجمعت کتابا کبيرا في ذلک ميزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلک فلم يحصل لنا من ذلک جميعا ألوقوف علي العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلي ما جاء عن أبي زرعة الرازي،قال توفي النبي صلي الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة علي مائة ألف إنسان من رجل و امرأة کلهم قد روي عنه سماعا أو رؤية، قال إبن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد أن ذکر ذلک: أجاب أبوزرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة فکيف بغيرهم، ومع هذا فجميع من في «الاستيعاب» يعني بمن ذکر فيه باسم أو کنية وهما ثلاثة آلاف و خمسمائة، وذکر انه استدرک عليه علي شرطه قريبا ممن ذکر، قلت: وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر کتابه التجريد: لعل الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا. ثم رأيت بخطه: ان جميع من في «اسد الغابة» سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة و [صفحه 266] خمسون نفسا، ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في الصحيحين عن کعب بن مالک في قصة تبوک: والناس کثير لا يحصيهم ديوان. وثبت عن الثوري فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه قال: من قدم عليا علي عثمان فقد أزري علي إثني عشر ألفا مات رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عنهم راض. فقال النووي: وذلک بعد النبي بإثني عشر عاما بعد أن مات في خلافة أبي بکر في الردة والفتوح ألکثير ممن لم يضبط أسماءهم، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس[20] وغير ذلک من لا يحصي کثرة، وسبب خفاء أسمائهم ان أکثرهم حضروا حجة الوداع. والله أعلم. اه. وقد أسلفنا في ص 9: ان الحضور في حجة الوداع مع رسول الله کانوا مائة ألف أو يزيدون. إذا فأين لهذه الکتب إستيفاء ذلک العدد الجم؟ وليس في مجاري الطبيعة الخبرة بجميع هاتيک التراجم بحذافيرها، فإن أکثر القوم کانوا مبثوثين في البراري والفلوات تقلهم مهابط الاودية وقلل الجبال، ويقطنون المفاوز والحزوم ولا يختلفون إلي الاوساط والحواضر إلا لغايات وقتية تقع عندها الصحبة والرواية في أيام وليالي تبطأ بهم الحاجات فيها، وليس هناک ديوان تسجل فيه الاسماء ويتعرف أحوال الوارد والصادر. إذا فلا يسع أي باحث ألاحاطة بأحوال امة هذه شؤونها، وإنما قيد المصنفون أسماءا کثر تداولها في الرواية، أو لاربابها أهمية في الحوادث، وبعد هذا کله فالنافي لشخص لم يجد إسمه في کتب هذا شأنها خارج عن ميزان النصفة، ومتحايد عن نواميس البحث، علي أن من المحتمل قريبا: أن مؤلفي معاجم الصحابة أهملوا ذکره لردته الاخيرة. ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدي ولا کتاب منير «سورة لقمان» [صفحه 267]
قد عرفت مصافحة التفسير و الخبر في سبب نزول الاية الکريمة، و مطابقة النصوص و الاسانيد في الحديث و الاخبات اليه، و قد افرغته الشعراء في بوتقة النظم منذ عهد متقادم کابي محمد العوني الغساني المترجم في شعراء القرن الرابع في قوله:
هو اليوم مولي رب ما قلت فاسمع
ينادي رسول الله من قلب موجع
؟ فقال: معاذ الله لست بمدع
کما قال حقا بي عذابا فأوقع
بجندلة فانکب ثاو بمصرع
في أمره من أوضح البرهان
فمن هناک سائه وغمه
محبنطئا من شدة الضغينة
فبآء بالعذاب والنکال
تطرق عليک الحني والولج[4] .
فيا حبذا ذاک من منزل
تکن في ثقيف سيل ذي ادب عفر
حساء البطاح وانتجعن السلائلا
تورق في وادي البطاح حماما
تخطت إليه بالبطاح الودايع
في کرب للشوق تغشاني
لم يهنني إذ غاب ندماني
والعيش في أکناف بطحان
فملقي الرمال من مني فالمحصب
ونوء الثريا وابل متبطح
بطح يهايله عن الکثبان
تبطح البط بجنب الساحل
فقلت: أنا ابن أبي طالب
وبالبيت من سلفي غالب
مثل الزرابي للونه صبح
نور عميم والاسهل البطح
يهتز منها مونق مربع
من بين ساجعها الباکي ونائحها
سالوا ولم يک سيل في أباطحها
وحلوا الروابي قبل سيل الاباطح
سيل دم يغلب سيل البطاح
کالماء رق علي جنوب بطاح
تعثر فيها ببيض الاداحي[8] .
وينعل أرساعها بالبطاح
أعز بطون في أعز بطاح
إلي البدر لم أفرح له بنکاح
شوارد في الدنيا ولسن بوارحا
صعدن الهضاب أو هبطن الاباطحا
تسيل علي نعمان منها الاباطح
فلا جادني غاد من المزن رائح
جلالا ولا هشت إلي الاباطح
وتعسل هزة لهم الرماح
وأخلاق کما دمثت بطاح
مؤللة وتحمله رماح
وآونة تسيل به البطاح
واستشرف الرائد برقا ألاح
ريا ويحدو بمطايا الرياح
ودرهم القطر بطون البطاح
بسطتهم فوق البطاح بطاحا
ولان علي طش من المزن أبطح
وقد غدت مل ء فؤادي جراح
فحي عني ساکنات البطاح
فلما ملکتم سال بالدم أبطح
غدونا عن الاسرا نعف ونصفح[11] .
بيت النبي مقطع الاطناب
ضربوه بين أباطح وروابي
إن ترم ترم مخلجا مجنونا
ويظل من عمل الخبيث بطينا
ما کان أنباء أبي واسع[19] .
بل ضيق الله علي القاطع
يدعو إلي نور له ساطع
دون قريش نهزة القارع
بين للناظر والسامع
يمشي الهوينا مشية الخادع
وقد علتهم سنة الهاجع
والنحر منه فغرة الجايع
بالنسب الاقصي وبالجامع
منعفرا وسط دم ناقع
ولا يوهن قوة الصارع
صفحه 248، 249، 250، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260، 261، 262، 263، 264، 265، 266، 267.