احتجاج المأمون الخليفة علي الفقهاء (بحديث الغدير)











احتجاج المأمون الخليفة علي الفقهاء (بحديث الغدير)



روي أبوعمر إبن عبدربه «المترجم ص 102» في العقد الفريد 3 ص 42 عن إسحاق بن إبراهيم بن اسمعيل بن حماد بن زيد قال: بعث إلي يحيي بن أکثم وإلي عدة من أصحابي وهو يومئذ قاضي القضاة فقال: إن أميرالمؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا کلهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسموا من تظنونه

[صفحه 211]

يصلح لما يطلب أميرالمؤمنين، فسمينا له عدة وذکر هو عدة حتي تم العدد الذي أراد وکتب تسمية القوم وأمر بالبکور في السحر، وبعث إلي من يحضر فأمره بذلک،فغدونا عليه قبل طلوع الفجر فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالس ينتظرنا فرکب ورکبنا معه حتي صرنا إلي الباب فإذا بخادم واقف فلما نظر إلينا قال يا أبا محمد؟ أميرالمؤمنين ينتظرک، فأدخلنا فأمرنا بالصلاة فأخذنا فيها فلم نستتمها حتي خرج الرسول فقال: ادخلوا. فدخلنا فإذا أميرالمؤمنين جالس علي فراشه- إلي أن قال-: ثم قال: إني لم أبعث فيکم لهذا ولکنني أحببت أن أبسطکم أن أميرالمؤمنين أراد مناظرتکم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به. قلنا: فليفعل أميرالمؤمنين وفقه الله فقال: إن أميرالمؤمنين يدين الله علي ان علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأولي الناس بالخلافة له. قال إسحاق: فقلت: ياامير المؤمنين؟ إن فينا من لا يعرف ما ذکر أمير المؤمنين في علي وقد دعانا أميرالمؤمنين للمناظرة. فقال: يا إسحاق؟ إختر، إن شئت سألتک أسألک، وإن شئت أن تسأل فقل؟ قال إسحاق: فاغتنمتها منه فقلت: بل أسألک يا أميرالمؤمنين؟ قال: سل. قلت: من أين قال أميرالمؤمنين: إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالخلافة بعده؟ قال: يا إسحاق؟ خبرني عن الناس بم يتفاضلون حتي يقال: فلان أفضل من فلان؟ قلت: بالاعمال الصالحة. قال: صدقت. قال: فأخبرني عمن فضل صاحبه علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم إن المفضول إن عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل علي عهد رسول الله أيلحق به؟ قال: فأطرقت: فقال لي: يا إسحاق؟ لا تقل: نعم. فإنک إن قلت. نعم. أوجدتک في دهرنا هذا من هو أکثر منه جهادا وحجا وصياما وصلاة وصدقة. فقلت: أجل. يا أميرالمؤمنين؟ لا يلحق المفضول علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم الفاضل أبدا.

قال: يا إسحاق؟ هل تروي حديث الولاية؟ قلت: نعم. يا أميرالمؤمنين؟ قال إروه. ففعلت. قال: يا إسحاق؟ أرأيت هذا الحديث هل أوجب علي أبي بکر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت: إن الناس ذکروا أن الحديث إنما کان بسبب زيد بن حارثة لشيئ جري بينه وبين علي وأنکر ولاء علي فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم من کنت مولاه

[صفحه 212]

فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: في أي موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟ قلت: أجل. قال: فان قتل زيد بن حارثه قبل الغدير کيف رضيت لنفسک بهذا؟ أخبرني لو رأيت إبنا لک قد أتت عليه خمسة عشر سنة يقول: مولاي مولي إبن عمي أيها الناس؟ فاعلموا ذلک. أکنت منکرا ذلک عليه تعريفه الناس ما لا ينکرون ولا يجهلون؟ فقلت: أللهم نعم. قال: يا إسحاق أفتنزه إبنک عما لا تنزه عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ ويحکم لا تجعلوا فقهائکم أربابکم إن الله جل ذکره قال في کتابه: إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله. ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا انهم أرباب ولکن أمروهم فأطاعوا أمرهم[1] .

وروي إبن مسکويه «المترجم 108» للمأمون الخليفة في تأليفه «نديم الفريد» کتابا کتبه إلي بني هاشم وذکر منه قوله: فلم يقم مع رسول الله صلي الله عليه وسلم أحد من المهاجرين کقيام علي بن أبي طالب، فإنه آزره ووقاه بنفسه ونام في مضجعه. ثم لم يزل بعد متمسکا باطراف الثغور، ينازل الابطال، ولا ينکل عن قرن، ولا يولي عن جيش، منيع القلب، يؤمر علي الجميع، ولا يؤمر عليه أحد، أشد الناس وطأة علي المشرکين وأعظمهم جهادا في الله، وأفقههم في دين الله، وأقرأهم لکتاب الله، وأعرفهم بالحلال والحرام، وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم. وصاحب قوله صلي الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي[2] .



صفحه 211، 212.





  1. أخذنا من الحديث محل الحاجة وهو طويل غزير الفائدة جدا.
  2. ينابيع المودة ص 484، والعبقات ج 1 ص 147.