نظرة في حديث إصابة الدعوة











نظرة في حديث إصابة الدعوة



ربما يقف في صدر القارئ الاختلاف بين الاحاديث الناصة بان أنسا قد أصابته الدعوة بکتمان الشهادة، وما جاء موهما بشهادته، لکن: عرفت ان الفريق الاخير منهما محرف المتن فيه تصحيف، وعلي تقدير سلامته لا يقاوم الاول کثرة وصحة وصراحة، مع ما هناک من نصوص اخري غير ما ذکر. منها:

قال ابومحمد إبن قتيبة (المترجم ص 96) في المعارف ص 251: انس بن مالک کان بوجهه برص وذکر قوم: إن عليا رضي الله عنه سأله عن قول رسول الله: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فقال: کبرت سني ونسيت، فقال علي: إن کنت کاذبا فضربک الله بيضاء لا تواريها العمامة.

(قال الاميني) هذا نص إبن قتيبة في الکتاب وهو الذي إعتمد عليه إبن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4 ص 388 حيث قال: قد ذکر إبن قتيبة حديث البرص والدعوة التي دعا بها أميرالمؤمنين عليه السلام علي أنس بن مالک في کتاب المعارف في باب البرص من أعيان الرجال وإبن قتيبة غير متهم في حق علي عليه السلام علي المشهور من إنحرافه عنه. اه. وهو يکشف عن جزمه بصحة العبارة وتطابق النسخ علي ذلک کما يظهر من غيره ايضا ممن نقل هذه الکلمة عن کتاب المعارف لکن: أليد الامينة علي ودايع العلماء في کتبهم في المطابع المصرية دست في الکتاب ما ليس منه فزادت بعد القصة ما لفظه: قال أبومحمد: ليس لهذا أصل. ذهولا عن أن سياق الکتاب يعرب عن هذه الجناية، ويأبي هذه الزيادة إذ المؤلف يذکر فيه من مصاديق کل موضوع

[صفحه 193]

ما هو المسلم عنده. ولا يوجد من أول الکتاب إلي آخره حکم في موضوع بنفي شئ من مصاديقه بعد ذکره إلا هذه فأول رجل يذکره في عد من کان عليه البرص هو أنس ثم يعد من دونه، فهل يمکن أن يذکر مؤلف في إثبات ما يرتأيه مصداقا ثم ينکره بقوله لا اصل له؟ وليس هذا التحريف في کتاب المعارف بأول في بابه فسيوافيک في المناشدة الرابعة عشر حذفها منه، وقد وجدنا في ترجمة المهلب بن أبي صفرة من تاريخ إبن خلکان 2 ص 273 نقلا عن المعارف ما حذفته المطابع.

وقال أحمد بن جابر البلاذري المتوفي 379 في الجزء الاول من أنساب الاشراف: قال علي علي المنبر: انشد الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير خم: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، إلا قام وشهد؟ وتحت المنبر أنس بن مالک، والبراء بن عازب، وجرير بن عبدالله البجلي، فأعادها فلم يجبه أحد فقال: أللهم من کتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتي تجعل به آية يعرف بها. قال: فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته فأتي الشراة فمات في بيت امه. وقال إبن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4 ص 488: ألمشهور ان عليا عليه السلام ناشد الناس في الرحبة بالکوفة فقال: انشدکم الله رجلا سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لي و هو منصرف من حجة الوداع: من کنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ فقام رجال فشهدوا بذلک. فقال عليه السلام لانس بن مالک: ولقد حضرتها فمالک؟ فقال:يا أميرالمؤمنين؟ کبرت سني وصار ما أنساه أکثر مما أذکره فقال له: إن کنت کاذبا فضربک الله بها بيضاء لا تواريها العمامة. فما مات حتي أصابه البرص.

وقال في ج 1 ص 361: وذکر جماعة من شيوخنا البغداديين إن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين کانوا منحرفين من علي عليه السلام قائلين فيه السوء و منهم من کتم مناقبه وأعان أعدائه ميلا مع الدنيا وايثارا للعاجلة، فمنهم: أنس بن مالک ناشد علي عليه السلام في رحبة القصر أو قالوا برحبة الجامع بالکوفة: أيکم سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من کنت مولاه فعلي مولاه. فقام إثنا عشر رجلا فشهدوا بها وأنس بن مالک في القوم لم يقم. فقال له: يا أنس؟ ما يمنعک أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها فقال: يا أميرالمؤمنين؟ کبرت ونسيت. فقال: أللهم إن کان کاذبا فارمه بيضاء لا تواريها

[صفحه 194]

العمامة. قال طلحة بن عمير: فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلک أبيض بين عينيه، و روي عثمان بن مطرف: إن رجلا سأل أنس بن مالک في آخر عمره عن علي بن أبي طالب؟ فقال: إني آليت أن لا أکتم حديثا سألت عنه في علي بعد يوم الرحبة، ذاک رأس المتقين يوم القيامة، سمعته والله من نبيکم.

وفي تاريخ إبن عساکر 3 ص 150: قال أحمد بن صالح العجلي: لم يبتل أحد من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم إلا رجلين معيقيب[1] کان به داء الجذام، وأنس بن مالک کان به وضح يعني البرص، وقال أبوجعفر: رأيت انسا يأکل فرأيته يلقم لقما کبارا ورأيت به وضحا وکان يتخلق بالخلوق. وقول العجلي المذکور حکاه أبوالحجاج المزي في تهذيبه کما في خلاصة الخزرجي ص 35 وقد نظم السيد الحميري[2] إصابة الدعوة عليه في لاميته الآتية بقوله:


في رده سيد کل الوري
مولاهم في المحکم المنزل


فصده ذوالعرش عن رشده
وشانه بالبرص الانکل


وقال الزاهي[3] في قصيدته التي تأتي:


ذاک الذي استوحش منه أنس
أن يشهد الحق فشاهد البرص


إذ قال: من يشهد بالغدير لي؟
فبادر السامع وهو قد نکص


فقال: أنسيت. فقال: کاذب
سوف تري ما لا تواريه القمص


وهناک حديث مجمل أحسبه إجمال هذا التفصيل، أخرج الخوارزمي من طريق الحافظ إبن مردويه في مناقبه عن زاذان أبي عمرو: إن عليا سأل رجلا في الرحبة من حديث فکذبه، فقال علي: إنک قد کذبتني، فقال: ما کذبتک. فقال: أدعو الله عليک إن کنت کذبتني أن يعمي بصرک، قال: ادع الله. فدعا عليه فلم يخرج من الرحبة حتي قبض بصره.

[صفحه 195]

ورواه خواجة پارسا في فصل الخطاب من طريق الامام المستغفري[4] وکذلک نورالدين عبدالرحمن الجامي عن المستغفري، وعده إبن حجر في الصواعق ص 77 من کرامات أميرالمؤمنين عليه السلام، ورواه الوصابي في محکي الاکتفاء عن زاذان من طريق الحافظ عمر بن محمد الملائي في سيرته وجمع آخرون.



صفحه 193، 194، 195.





  1. معيقيب (مصغرا) هو ابن أبي فاطمة الدوسي الازدي من امناء عمر بن الخطاب علي بيت المال، ترجمه ابن قتيبة في المعارف ص 137.
  2. أحد شعراء الغدير في القرن الثاني يأتي هناک شعره وترجمته.
  3. أحد شعراء الغدير في القرن الرابع يأتي هناک شعره وترجمته.
  4. جعفر بن محمد النسفي المستغفري المولود 350 والمتوفي 432 صاحب التآليف القيمة ترجمه الذهبي في تذکرته 3 ص 300.