نقد علي ابن كثير حول صوم الغدير











نقد علي ابن کثير حول صوم الغدير



ولابن کثير في تاريخه 5 ص 214 شبهة اخري في تدعيم إنکاره للحديث، وهو:

[صفحه 406]

حسبان أن ما فيه من أن صوم يوم الغدير يعدل ستين شهرا يستدعي تفضيل المستحب علي الواجب، لان الوارد في صوم شهر رمضان کله انه يقابل بعشرة أشهر، وهذا منکر من القول باطل. اه.

ويقال في دحض هذه المزعمة بالنقض تارة وبالحل اخري، أما النقض فبما جاء من أحاديث جمة لا يسعنا ذکر کلها بل جلها[1] ونقتصر منها بعدة أحاديث وهي:

1- حديث من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فکأنما صام الدهر. أخرجه مسلم بعدة طرق في صحيحه 1 ص 323، وأبوداود في سننه 1 ص 381، وإبن ماجة في سننه 1 ص 524، والدارمي في سننه 2 ص 21، وأحمد في مسنده 5 ص 417 و 419، وإبن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 329 نقلا عن الترمذي ومسلم: وعليه أسند قوله کل من ذهب إلي استحباب صوم هذه الايام الستة.

2- حديث من صام ستة أيام بعد الفطر کان تمام السنة. أخرجه إبن ماجة في سننه 1 ص 524، والدارمي في سننه 2 ص 21، وأحمد في مسنده 3 ص 308 و 324 و 344 وج 5 ص 280، والنسائي وإبن حبان في سننهما وصححه السيوطي في الجامع الصغير 2 ص 79.

3- کان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأمر بصيام الايام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة و خمس عشرة ويقول: هو کصوم الدهر أو کهيئة الدهر. أخرجه إبن ماجة في سننه 1 ص 522، والدارمي في سننه 2 ص 19.

4- ما من أيام الدنيا أيام أحب إلي الله سبحانه أن يتعبد له فيها من أيام العشر (في ذي الحجة) وإن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة وليلة فيها بليلة القدر. أخرجه إبن ماجة في سننه 1 ص 527، والغزالي في إحياء العلوم 1 ص 227 وفيه: من صام ثلاثة أيام من شهر حرام: الخميس والجمعة والسبت کتب الله له بکل يوم عبادة تسعمائة عام.

م 5- عن أنس بن مالک قال: کان يقال في إيام العشر بکل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم. قال: يعني في الفضل. أخرجه المنذري في «الترغيب والترهيب»

[صفحه 407]

2 ص 66 نقلا عن البيهقي والاصبهاني.

6- صيام ثلاثة أيام من کل شهر صيام الدهر وإفطاره. أخرجه أحمد في مسنده 5 ص 34، وإبن حبان في صحيحه، وصححه السيوطي في الجامع الصغير 2 ص 78، وأخرجه النسائي وأبويعلي في مسنده والبيهقي عن جرير بلفظ: صيام ثلاثة أيام من کل شهر صيام الدهر. کما في الجامع الصغير 2 ص 78. وأخرج الترمذي والنسائي کما في تيسير الوصول 2 ص 330: من صام من کل شهر ثلاثة أيام فذلک صيام الدهر. فأنزل الله تعالي تصديق ذلک في کتابه: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. أليوم بعشرة أيام. وأخرجه بلفظ يقرب من هذا مسلم في صحيحه 1 ص 319 و 321، وأخرج النسائي من حديث جرير: صيام ثلاثة أيام من کل شهر کصيام الدهر ثلاث أيام البيض م و أخرجه الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» 2 ص 33). وذکره إبن حجر في «سبل السلام» 2 ص 234 وصححه.

7- صيام يوم عرفة کصيام ألف يوم. أخرجه إبن حبان عن عايشة کما في «الجامع الصغير» 2 ص 78، م- وأخرجه الطبراني في الاسط والبيهقي کما في «الترغيب و والترهيب» 2 ص 27 و 66.م

8- عن عبدالله بن عمر قال: کنا ونحن مع رسول الله صلي الله عليه وسلم نعدل صوم يوم عرفة بسنتين. رواه الطبراني في الاوسط، وهو عند النسائي بلفظ: سنة. کما في الترغيب والترهيب 2 ص 27.

9- من صام يوم سبع وعشرين من رجب کتب الله تعالي له صيام ستين شهرا. أخرجه الحافظ الدمياطي[2] في سيرته کما في «السيرة الحلبية» 1 ص 254، ورواه الصفوري في «نزهة المجالس» 1 ص 154.

10- عن أبي هريرة وسلمان عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، إن في رجب يوما وليلة من صام ذلک اليوم وقام تلک الليلة کان له من الاجر کمن صام مائة سنة وقامها وهي:

[صفحه 408]

لثلاث بقين من رجب. رواه الشيخ عبدالقادر الجيلاني في «غنية الطالبين» کما في «نزهة المجالس» للصفوري 1 ص 154.

11- شهر رجب شهر عظيم من صام منه يوما کتب الله له صوم ثلاثة آلاف سنة. رواه الکيلاني في غنبته کما في «نزهة المجالس» للصفوري 153.

12- من صام يوم عاشوراء فکأنما صام الدهر کله، مکتوب في التوراة. ذکره الصفوري في نزهته 1 ص 174.

م 13- من صام يوما من المحرم فله بکل يوم ثلاثون يوما. رواه الطبراني في الصغير کما ذکره الحافظ المنذري في «الترغيب والرهيب» 2 ص 28.

(وأما الحل) فليس عندنا أصل مسلم يرکن إليه في لزوم زيادة أجر الفرائض

علي المثوبة في المستحبات، بل أمثال الاحاديث السابقة في النقض ترشدنا إلي إمکان العکس بل وقوعه، وتؤکد ذلک ألاحاديث الواردة في غير الصيام من الاعمال المرغب فيها.

علي أن المثوبة واقعة تجاه حقايق الاعمال ومقتضياتها الطبيعية، لا ما يعروها من عوارض کالوجوب والندب حسب المصالح المقترنة بها، فليس من المستحيل أن يکون في طبع المندوب في ماهيات مختلفة، أو بحسب المقارنات المحتفة به في المتحدة منها، ما يوجب المزيد له.

ويقال في المقام: إن ترتب المثوبة علي العمل إنما هو بمقدار کشفه عن حقيقة الايمان، وتوغله في نفس العبد، ومما لا شک فيه أن الاتيان بما هو زايد علي الوظايف المقررة من الواجبات وترک المحرمات من المستحبات والتجنب عن المکروهات أکشف عن ثبات العبد في مقام الامتثال، وخضوعه لمولاه، وحبه له، وبه يکمل الايمان، ولم يزل العبد يتقرب به إلي المولي سبحانه حتي أحبه کما ورد فيما أخرجه البخاري في صحيحه 9 ص 214 عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله عزوجل قال: ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي احبه فإذا أحببته کنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله التي

[صفحه 409]

يمشي بها، ألحديث[3] .

بل من الممکن أن يقال: انه ليس في نواميس العدل ما يحتم ترتيب أجر علي إقامة الواجب وترک المحرم، زايدا علي ما منح به من الحيات والعقل والعافية ومأن الحيات، ومعدات العمل، والنجاة من النار في الآخرة، بل إن کلا من هاتيک النعم الجزيلة يصغر عنه صالحات العبد جمعاء وليس هناک إلا الفضل.

وهذا الذي يستفاد من غير واحد من آيات الکتاب العزيز نظير قوله تعالي: إن المتقين في مقام أمين، في جنات وعيون، يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين، کذلک وزوجناهم بحور عين، يدعون فيها بکل فاکهة آمنين، لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولي ووقاهم عذاب الجحيم، فضلا من ربک ذلک هو الفوز العظيم «سورة الدخان» فکل ما هناک من النعيم والمثوبات إنما هو بفضله و إحسانه سبحانه وتعالي.

قال الفخر الرازي في تفسيره 7 ص 459: إحتج أصحابنا بهذه الآية علي أن الثواب يحصل تفضلا من الله تعالي لا بطريق الاستحقاق لانه تعالي لما عد أقسام ثواب المتقين بين انها بأسرها إنما حصلت علي سبيل الفضل والاحسان من الله تعالي ثم قال تعالي: ذلک هو الفوز العظيم. واحتج أصحابنا بهذه الآية علي أن التفضيل أعلي درجة من الثواب المستحق فإنه تعالي وصفه بکونه فضلا من الله ثم وصف الفضل من الله بکونه فوزا عظيما، ويدل عليه ايضا، ان الملک العظيم إذا أعطي الاجير اجرته ثم خلع علي إنسان آخر فإن تلک الخلعة أعلي حالا من إعطاء تلک الاجرة: إنتهي.

وقال إبن کثير نفسه في الآية الشريفة في تفسيره 4 ص 147: ثبت في الصحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إنه قال: إعملوا وسددوا وقاربوا وإعلموا ان أحدا لن يدخله عمله ألجنة. قالوا: ولا أنت يارسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل. إنتهي.

وبوسعک إستشعار هذا المعني من الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه

[صفحه 410]

4 ص 264 عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إنه قال: حق الله علي العباد أن يعبدوه ولا يشرکوا به شيئا، وحق العباد علي الله أن لا يعذب من لا يشرک به شيئا. وأنت جد عليم بان هذا المقدار من الحق الثابت علي الله للعباد إنما هو بتقرير العقل السليم، و أما الزايد عليه من النعيم الساکت عنه نبي البيان فليس إلا الفضل والاحسان من المولي سبحانه.

وأنت تجد في معاملات الدول مع أفراد الموظفين انه ليس بإزاء واجباتهم وعدم الخيانة فيها من الاجر إلا الرتبة والراتب، وإنما يحظي أحدهم بترفيع في المرتبة أو زيادة في الرتبة بخدمة زايدة علي مقرراتها عليهم، وليس في الناس من ينقم علي الحکومات ذلک، وهذه الحالة عينا جارية بين الموالي والعبيد، وهي من الارتکازات المرتسخة في نفسيات البشر کلهم، غير ان الله سبحانه بفضله المتواصل يثيب العاملين بواجبهم باجور جزيلة.



صفحه 406، 407، 408، 409، 410.





  1. راجع نزهة المجالس 1 ص 158-151 و 176 -167.
  2. قال الذهبي في تذکرته 4 ص 268: شيخنا الامام العلامة الحافظ الحجة الفقيه النسابة شيخ المحدثين شرف الدين ابومحمد عبدالمؤمن الدمياطي الشافعي. ثم اکثر في الثناء عليه وقال: توفي 705.
  3. وأخرجه البيهقي في الاسماء والصفات ص 416، والذهبي في ميزانه 1 ص 301.