القرائن المعينة لمعني الحديث











القرائن المعينة لمعني الحديث



ألقرائن المعينة لمعني الحديث (متصلة و منفصلة)

الي هنا لم يبق للباحث ملتحد عن البخوع لمجيئ المولي بمعني الاولي بالشيئ، وإن تنازلنا إلي أنه أحد معاينه وأنه من المشترک اللفظي، فإن للحديث قرائن متصلة واحري منفصلة تنفي إرادة غيره. فإليک البيان:

(ألقرينة الاولي): مقدمة الحديث وهي قوله صلي الله عليه وآله: ألست أولي بکم من أنفسکم. أوما يؤدي مؤداه من ألفاظ متقاربة، ثم فرع علي ذلک قوله: فمن کنت مولاه فعلي مولاه. وقد رواها الکثيرون من علماء الفريقين فمن حفاظ أهل السنة وأئمتهم.

[صفحه 371]

1- أحمد بن حنبل 2- إبن ماجة 3- النسائي 4- الشيباني 5- أبويعلي

6- ألطبري 7- ألترمذي 8- ألطحاوي 9- إبن عقدة 10 - ألعنبري

11- أبوحاتم 12- ألطبراني 13- ألقطيعي 14- إبن بطة 15- ألدار قطني

16- ألذهبي 17- ألحاکم 18- ألثعلبي 19- أبونعيم 20- إبن السمان

21- ألبيهقي 22- ألخطيب 23- ألسجستاني 24- إبن المغازلي 25- ألحسکاني

26- ألعاصمي 27- ألخلعي 28- ألسمعاني 29- ألخوارزمي 30- ألبيضاوي

31- ألملا 32- إبن عساکر 33- أبوموسي 34- أبوالفرج 35- إبن الاثير

36- ضياء الدين 37- قزأوغلي 38- ألکنجي 39- ألتفتازاني 40- محب الدين

41- ألوصابي 42- ألحمويني 43- الايجي 44- ولي الدين 45- الزرندي

46- إبن کثير 47- ألشريف 48- شهاب الدين 49- ألجزري 50- ألمقريزي

51- إبن الصباغ 52- ألهيثمي 53- ألميبدي 54- إبن حجر 55- أصيل الدين

56- ألسمهودي 57- کمال الدين 58- ألبدخشي 59- ألشيخاني 60- ألسيوطي

61- ألحلبي 62- إبن باکثير 63- ألسهارنپوري 64- إبن حجر المکي.

وقد ألمعنا إلي موارد ذکر المقدمة بتعيين الجزء والصفحات من کتب هؤلاء الاعلام فيما أسلفناه عند بيان طرق الحديث عن الصحابة والتابعين ، وهناک جمع آخرون من رواتها لا يستهان بعدتهم لا نطيل بذکرهم المقال، أضف إلي ذلک من رواها من علماء الشيعة الذين لا يحصي عددهم.

فهذه المقدمة من الصحيح الثابت الذي لا محيد عن الاعتراف به کما صرح بذلک غير واحد من الاعلام المذکورين[1] فلو کان صلي الله عليه وآله يريد في کلامه غير المعني الذي صرح به في المقدمة لعاد لفظه (ونجله عن کل سقطة) محلول العري، مختزلا بعضه عن بعض، وکان في معزل عن البلاغة وهو أفصح البلغاء، وأبلغ من نطق بالضاد، فلا مساغ في الاذعان بإرتباط أجزاء کلامه، وهو الحق في کل قول يلفظه عن وحي يوحي، إلا أن نقول باتحاد المعني في المقدمة وذيها.

ويزيدک وضوحا وبيانا ما في «التذکرة» لسبط إبن الجوزي الحنفي ص 20 فإنه

[صفحه 372]

بعد عد معان عشرة للمولي وجعل عاشرها الاولي قال: والمراد من الحديث: ألطاعة المخصوصة، فتعين الوجه العاشر وهو الاولي ومعناه: من کنت أولي به من نفسه فعلي أولي به، وقد صرح بهذا المعني ألحافظ أبوالفرج يحيي بن سعيد الثقفي الاصبهاني في کتابه المسمي بمرج البحرين فإنه روي هذا الحديث باسناده إلي مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم بيد علي فقال: من کنت وليه وأولي به من نفسه فعلي وليه. فعلم أن جميع المعاني راجعة إلي الوجه العاشر، ودل عليه ايضا قوله عليه السلام: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم. وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته. اه د. ونص إبن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» ص 16 علي ذهاب طايفة إلي حمل اللفظ في الحديث علي الاولي. وسيوافيک نظير هذه الجمل في محله إنشاء الله تعالي.

( ألقرينة الثانية): ذيل الحديث وهو قوله صلي الله عليه وآله: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. في جملة من طرقه بزيادة قوله: وانصر من نصره، واخذل من خذله. أو ما يؤدي مؤداه، وقد أسلفنا ذکر الجماهير الراوين له فلا موجب إلي التطويل بإعادة ذکرهم، ومر عليک في ذکر الکلمات المأثورة حول سند الحديث ص 281 -266 بأن تصحيح کثير من العلماء له مصبه الحديث مع ذيله، وفي وسع الباحث أن يقرب کونه قرينة للمدعي بوجوه لا تلتأم إلا مع معني الاولوية الملازمة للامامة.

«أحدها»: أنه صلي الله عليه وآله لما صدع بما خول الله سبحانه وصيه من المقام المشامخ بالرياسة العامة علي الامة جمعاء، والامامة المطلقة من بعده،کان يعلم بطبع الحال أن تمام هذا الامر بتوفر الجنود والاعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمال مع علمه بأن في الملا من يحسده کما ورد في الکتاب العزيز[2] وفيهم من يحقده، وفي زمر المنافقين من يضمر له العداء لاوتار جاهلية، وستکون من بعده هناة تجلبها النهمة والشره من أرباب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء، ولا يدع الحق

[صفحه 373]

عليا عليه السلام أن يسعفهم بمبتغاهم لعدم الحنکة والجدارة فيهم فيقلبون عليه ظهر المجن، وقد أخبر صلي الله عليه وآله مجمل الحال بقوله: إن تؤمروا عليا ولا أراکم فاعلين تجدوه هاديا مهديا. وفي لفظ إن تستخلفوا عليا وما أراکم فاعلين تجدوه هاديا مهديا راجع ص 13 و 12 من هذا الکتاب.

فطفق صلي الله عليه وآله يدعو لمن والاه ونصره، وعلي من عاداه وخذله ليتم له أمر الخلافة، وليعلم الناس أن موالاته مجلبة لموالاة الله سبحانه، وأن عداؤه وخذلانه مدعاة لغضب الله وسخطه، فيزدلف إلي الحق وأهله، ومثل هذا الدعاء بلفظ العام لا يکون إلا فيمن هذا شأنه، ولذلک إن أفراد المؤمنين الذين أوجب الله محبة بعضهم لبعض لم يؤثر فيهم هذا القول، فإن منافرة بعضهم لبعض جزؤيات لا يبلغ هذا المبلغ، وإنما يحصل مثله فيما إذا کان المدعو له دعامة الدين، وعلم الاسلام، وإمام الامة، وبالتثبط عنه يکون فت في عضد الحق وإنحلال لعري الاسلام.

«ثانيها»: ان هذا الدعاء بعمومه الافرادي بالموصول، والازماني، والاحوالي بحذف المتعلق تدل علي عصمة الامام عليه السلام لافادته وجوب موالاته ونصرته.الانحياز عن العداء له وخذلانه علي کل أحد في کل حين وعلي کل حال، وذلک يوجب أن يکون عليه السلام في کل تلک الاحوال علي صفة لا تصدر منه معصية، ولا يقول إلا الحق، ولا يعمل إلا به، ولا يکون إلا معه، لانه لو صدر منه شئ من المعصية لوجب الانکار عليه ونصب العداء له لعمله المنکر والتخذيل عنه، فحيث لم يستثن صلي الله عليه وآله من لفظ العام شيئا من أطوازه وأزمانه علمنا أنه لم يکن عليه السلام في کل تلک المدد والاطوار إلا علي الصفة التي ذکرناها، وصاحب هذه الصفة يجب أن يکون إماما لقبح أن يأمه من هو دونه علي ما هو المقرر في محله، وإذا کان إماما فهو أولي الناس منهم بأنفسهم.

«ثالثها»: ان الانسب بهذا الدعاء الذي ذيل صلي الله عليه وآله به کلامه، و لابد انه مرتبط بما قبله أن يکون غرضه صلي الله عليه وآله بيان تکليف علي الحاضرين من فرض الطاعة ووجوب الموالاة، فيکون في الدعاء ترغيب لهم علي الطاعة والخضوع له، وتحذير عن المترد والجموح تجاه أمره، وذلک لا يکون إلا إذا نزلنا المولي

[صفحه 473]

بمعني الاولي، بخلاف ما إذا کان المراد به المحب أو الناصر فإنه حينئذ لم يعلم إلا ان عليا عليه السلام محب من يحبه رسول الله صلي الله عليه وآله أو ينصر من ينصره، فيناسب إذن أن يکون الدعاء له إن قام بالمحبة أو النصرة لا للناس عامة إن نهضوا بموالاته، وعليهم إن تظاهروا بنصب العداء له، إلا أن يکون الغرض بذلک تؤکيد الصلاة الودية بينه وبين الامة إذا علموا انه يحب وينصر کل فرد منهم في کل حال وفي کل زمان کما ان النبي صلي الله عليه وآله کذلک فهو يخلفه عليهما، وبذلک يکون لهم منجاة من کل هلکة، ومأوي من کل خوف، وملجأ من کل ضعة، شأن الملوک ورعاياهم، والامراء والسوقة، فانهما في النبي صلي الله عليه وآله علي هذه الصفة، فلابد أن يکونا فيمن يحذو حذوه ايضا کذلک وإلا لاختل سياق الکلام، فالمعني علي ما وصفناه بعد المماشات مع القوم متحد مع معني الامامة، و مؤد مفاد الاولي.

وللحديث ألفاظ أثبتها حفاظ الحديث متصلة به في مختلف تخريجاتهم لا تلتئم إلا مع المعني الذي حاولنا من المولي.

(ألقرينة الثالثة): قوله صلي الله عليه وآله، يا أيها الناس؟ بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، قال: ثم مه؟ قالوا: وان محمدا عبده ورسوله،قال: فمن وليکم؟ قالوا: ألله ورسوله مولانا. ثم ضرب بيده إلي عضد علي فأقامه فقال: من يکن الله ورسوله مولاه فان هذا مولاه. ألحديث.

هذا لفظ جرير وقريب منه لفظ أميرالمؤمنين عليه السلام ولفظ زين بن أرقم وعامر بن ليلي، وفي لفظ حذيفة بن اسيد بسند صحيح: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟ (إلي أن قال): قالوا: بلي نشهد بذلک. قال: أللهم؟ اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن کنت مولاه فهذا مولاه. يعني عليا.[3] .

فإن وقوع الولاية في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة وسردها عقيب المولوية المطلقة لله سبحانه ولرسوله من بعده لا يمکن إلا أن يراد بها معني الامامة الملازمة

[صفحه 375]

للاولوية علي الناس منهم بأنفسهم.

(القرينة الرابعة): قوله صلي الله عليه وآله عقيب لفظ الحديث: ألله أکبر علي إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي، والولاية لعلي بن أبي طالب. وفي لفظ شيخ الاسلام الحمويني: ألله اکبر تمام نبوتي، وتمام دين الله بولاية علي بعدي.[4] .

فأي معني تراه يکمل به الدين، ويتم النعمة، ويرضي الرب في عداد الرسالة غير الامامة التي بها تمام أمرها وکمال نشرها وتوطيد دعايمها؟ إذن فالناهض بذلک العب ء المقدس أولي الناس منهم بأنفسهم.

(ألقرينة الخامسة): قوله صلي الله عليه وآله قبل بيان الولاية: کأني دعيت فأجبت. أو: أنه يوشک أن ادعي فاجيب. أو: ألا واني اوشک أن افارقکم. أو: يوشک أن يأتي رسول ربي فاجيب. وقد تکرر ذکره عند حفاظ الحديث کما مر[5] .

وهو يعطينا علما بانه صلي الله عليه وآله کان قد بقي من من تبليغه مهمة يحاذر أن يدرکه الاجل قبل الاشادة بها، ولولا الهتاف بها بقي ما بلغه مخدجا،ولم يذکر صلي الله عليه وآله بعد هذا الاهتمام إلا ولاية أميرالمؤمنين وولاية عترته الطاهرة الذين يقدمهم هو صلوات الله عليه کما في نقل مسلم، فهل من الجايز أن تکون تلک المهمة المنطبقة علي هذه الولاية إلا معني الامامة المصرح بها في غير واحد من الصحاح؟ وهل صاحبها إلا أولي الناس بأنفسهم؟

(ألقرينة السادسة): قوله صلي الله عليه وآله بعد بيان الولاية لعلي عليه السلام: هنئوني هنئوني إن الله تعالي خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالامامة کما مر ص 274. فصريح العبارة هو الامامة المخصوصة بأهل بيته الذين سيدهم والمقدم فيهم هو أمير المؤمنين عليه السلام وکان هو المراد في الوقت الحاضر.

ثم نفس التهنئة والبيعة المصافقة والاحتفال بها وإتصالها ثلثة أيام کما مرت هذه کلها ص 283 - 269 لا تلائم غير معني الخلافة والاولوية، ولذلک تري الشيخين

[صفحه 376]

أبي بکر وعمر لقيا أميرالمؤمنين فهنئاه بالولاية. وفيها بيان لمعني المولي الذي لهج به صلي الله عليه وآله، فلا يکون المتحلي به إلا أولي الناس منهم بأنفسهم.

(ألقرينة السابعة): قوله صلي الله عليه وآله بعد بيان الولاية: فليبلغ الشاهد الغايب. کما مر ص 33 و 160 و 198. أو تحسب انه صلي الله عليه وآله يؤکد هذا التأکيد في تبليغ الغائبين أمرا علمه کل فرد منهم بالکتاب والسنة من الموالاة والمحبة والنصرة بين أفراد المسلمين مشفوعا بذلک الاهتمام والحرص علي بيانه؟ لا أحسب أن ضئولة الرأي يسف بک إلي هذه الخطة، لکنک ولا شک تقول: انه صلي الله عليه وآله لم يرد إلا مهمة لم تتح الفرص لتبليغها ولا عرفته الجماهير ممن لم يشهدوا ذلک المجتمع، وما هي إلا مهمة الامامة التي بها کمال الدين، وتمام النعمة، ورضي الرب، وما فهم الملا الحضور من لفظه صلي الله عليه وآله إلا تلک، ولم يؤثر له صلي الله عليه وآله لفظ آخر في ذلک المشهد يليق أن يکون أمره بالتبليغ له، وتلک المهمة لا تساوق إلا معني الاولي من معاني المولي.

(ألقرينة الثامنة): قوله صلي الله عليه وآله بعد بيان الولاية في لفظ أبي سعيد وجابر المذکور ص 43 و 232 و 233 و 234 و 237: ألله اکبر علي إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي، والولاية لعلي بن بعدي. وفي لفظ وهب المذکور ص 60: إنه وليکم بعدي. وفي لفظ علي الذي أسلفناه ص 165: ولي کل مؤمن بعدي.

وکذلک ما أخرجه الترمذي، وأحمد، والحاکم، والنسائي، وإبن أبي شيبة والطبري، وکثيرون آخرون من الحفاظ بطرق صحيحة من قوله صلي الله عليه وآله إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي کل مؤمن بعدي، وفي آخر: هو وليکم بعدي. وما أخرجه أبونعيم في حلية الاولياء 1 ص 86 وآخرون باسناد صحيح من قوله صلي الله عليه وآله: من سره أن يحيي حياتي، ويموت مماتي، ويسکن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، وليقتد بالائمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي.ألحديث.

وما أخرجه أبونعيم في الحلية 1 ص 86 باسناد صحيح رجاله ثقات عن حذيفة

[صفحه 378]

وزيد وإبن عباس عنه صلي الله عليه وآله: من سره أن يحيي حياتي، ويموت ميتتي،ويتمسک بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها: کوني. فکانت، فليتول علي إبن أبي طالب من بعدي.

فإن هذه التعابير تعطينا خبرا بأن الولاية الثابتة لامير المؤمنين عليه السلام مرتبة تساوق ما ثبت لصاحب الرسالة مع حفظ التفاوت بين المرتبتين بالاولية والاولوية سواء اريد من لفظ (بعدي) البعدية الزمانية أو البعدية في الرتبة، فلا يمکن أن يراه؟ إذن من المولي إلا الاولوية علي الناس في جميع شؤونهم، إذ في إرادة معني النصرة والمحبة من المولي بهذا القيد ينقلب الحديث ويعد منقصة دون مفخرة کما لا يخفي.

(ألقرينة التاسعة): قوله صلي الله عليه وآله بعد إبلاغ الولاية: أللهم أنت شهيد عليهم إني قد بلغت ونصحت. فالاشهاد علي الامة بالبلاغ والنصح يستدعي أن يکون ما بلغه صلي الله عليه وآله ذلک اليوم أمرا جديدا لم يکن قد بلغه قبل. مضافا إلي أن بقية معاني المولي العامة بين أفراد المسلمين من الحب والنصرة لا تتصور فيها أي حاجة إلي الاشهاد علي الامة في علي خاصة، إلا أن تکون فيه علي الحد الذي بيناه.

(ألقرينة العاشرة): قوله صلي الله عليه وآله قبل بيان الحديث وقد مر ص 165 و 196: إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أن الناس مکذبي فأوعدني لابلغها أو ليعذبني. ومر في ص 221 بلفظ: أن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مکذبي فوعدني لابلغن أو ليعذبني. وص 166 بلفظ: إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق ومکذبيهم فأوعدني لابلغها أو ليعذبني.

ومر ص 51: لما امر النبي أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به فانطلق النبي صلي الله عليه وآله إلي مکة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بکفر بجاهلية ومتي أفعل هذا به يقولوا: صنع هذا بابن عمه ثم مضي حتي قضي حجة الوداع. ألحديث.

ومر ص 219: إن الله أمر محمدا أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولابته فتخوف النبي صلي الله عليه وآله أن يقولوا: حابي إبن عمه وأن يطعنوا في ذلک عليه. ألحديث. ومر ص 217:

[صفحه 378]

لما أمر الله رسوله صلي الله عليه وسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال فقال: يا رب إن قومي حديث عهد بجاهلية (کذا في النسخ) ثم مضي بحجه فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم. ألحديث.

ومر ص 217: لما جاء جبرئيل بأمر الولاية ضاق النبي صلي الله عليه وسلم بذلک ذرعا وقال: قومي حديثو عهد بالجاهلية فنزلت: يا أيها الرسول. الآية.

هذه کلها تنم عن نبأ عظيم کان يخشي في بثه بوادر أهل النفاق وتکذبيهم، فالذي کان يحاذره صلي الله عليه وسلم ويتحقق به القول بأنه حابي إبن عمه يستدعي أن يکون أمرا يخص أميرالمؤمنين لا شيئا يشارکه فيه المسلمون أجمع من النصرة والمحبة وما هو إلا الاولوية بالامر وما جري مجراها من المعاني.

(القرينة الحادية عشر): جاء في أسانيد متکثرة: ألتعبير عن موقوف يوم الغدير بلفظ النصب فمر ص 57 عن عمر بن الخطاب: نصب رسول الله عليا علما. و 165 عن علي عليه السلام أمر الله نبيه- ينصبني للناس. وفي قوله الآخر في رواية ألعاصمي کما تأتي: نصبني علما. ومر ص 199 عن الامام الحسن السبط: أتعلمون أن رسول الله نصبه يوم غدير خم. وص 200 عن عبدالله بن جعفر: ونبينا قد نصب لامته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم. وص 208 عن قيس بن سعد: نصبه رسول الله بغدير خم. وص 219 عن ابن عباس وجابر: أمر الله محمدا أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولايته. وص 231 عن أبي سعيد الخدري: لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم فنادي له بالولاية.

فإن هذا اللفظ يعطينا خبرا بايجاد مرتبة للامام عليه السلام في ذلک اليوم لم تکن تعرف له من قبل غير المحبة والنصرة المعلومتين لکل أحد والثابتتين لاي فرد من أفراد المسلمين، علي ما ثبت من إطراد إستعماله في جعل الحکومات،وتقرير الولايات، فيقال: نصب السلطان زيدا واليا علي القارة الفلانية، ولا يقال: نصبه رعية له أو محبا أو ناصرا أو محبوبا أو منصورا به علي زنة ما يتساوي به أفراد المجتمع الذين هم تحت سيطرة ذلک السلطان.

مضافا إلي مجيئ هذا اللفظ في غير واحد من الطرق مقرونا بلفظ الولاية أو متلوا بکونه للناس أو للامة. وبذلک کله تعرف ان المرتبة المثبتة له هي الحاکمية المطلقة علي الامة جمعآء، وهي معني الامامة الملازمة للاولوية المدعاة في معني المولي، و

[صفحه 379]

يستفاد هذا المعني من لفظ إبن عباس الآخر الذي مر ص 51 و 217: قال: لما امر النبي صلي الله عليه وسلم أن يقوم بعلي المقام الذي قام به.

ويصرح بالمعني المراد ما مر ص 165 من قوله صلي الله عليه وآله: إن الله أمر أن أنصب لکم إمامکم والقائم فيکم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض الله علي المؤمنين في کتابه طاعته فقرب بطاعته طاعتي وأمرکم بولايته. وقوله المذکور ص 215: فإن الله قد نصبه لکم وليا وإماما، وفرض طاعته علي کل أحد، ماض حکمه،جايز قوله.

(القر ينة الثانية عشر): ما مر ص 52 و 217 من قول إبن عباس بعد ذکره الحديث:فوجبت والله في رقاب القوم. في لفظ، وفي أعناق القوم. في آخر، فهو يعطي ثبوت معني جديد مستفاد من الحديث غير ما عرفه المسلمون قبل ذلک وثبت لکل فرد منهم، وأکد ذلک باليمين وهو معني عظيم يلزم الرقاب، ويأخذ بالاعناق لدة الاقرار بالرسالة لم يساو الامام عليه السلام فيه غيره، وليس هو إلا الخلافة التي إمتاز بها من بين المجتمع الاسلامي، ولا يبارحه معني الاولوية.

(القرينة الثالثة عشر): ما أخرجه شيخ الاسلام الحمويني في «فرايد السمطين» عن أبي هريرة قال: لما رجع رسول الله عن حجة الوداع نزلت آية: يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليک. ألآية. ولما سمع قوله تعالي: والله يعصمک من الناس إطمئن قلبه (إلي أن قال بعد ذکر الحديث): وهذه آخر فريضة أوجب الله عباده، فلما بلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم نزلت قوله: أليوم أکملت لکم دينکم. الآية.

يعطينا هذا اللفظ خبرا بأن رسول الله صلي الله عليه وآله صدع في کلمته هذه بفريضة لم يسبقها التبليغ، ولا يجوز أن يکون ذلک معني المحبة والنصرة لسبق التعريف بهما منذ دهر کتابا وسنة، فلم يبق إلا أن يکون معني الامامة الذي أخر أمره حتي تکتسح عنه العراقيل، وتمرن النفوس بالخضوع لکل وحي يوحي، فلا تتمرد عن مثلها من عظيمة تجفل عنها النفوس الجامحة، وهي الملائمة لمعني الاولي.

(القرينة الرابعة عشر): تقدم ص 29 و 36 في حديث زيد بن أرقم بطرقه الکثيرة:إن ختنا له سأله عن حديث غدير خم فقال له: أنتم أهل العراق فيکم ما فيکم. فقلت له: ليس عليک

[صفحه 380]

مني بأس. فقال: نعم: کنا بالجحفة فخرج رسول الله. ألحديث. ومر ص 24 عن عبدالله إبن العلا انه قال للزهري لما حدثه بحديث الغدير: لا تحدث بهذا بالشام. وأسلفناک ص 273 عن سعيد بن المسيب انه قال: قلت لسعد بن أبي وقاص: إني اريد أن أسألک عن شيئ وإني أتقيک. قال: سل عما بدالک فإنما أنا عمک.

فإن الظاهر من هذه کلها انه کان بين الناس للحديث معني لا يأتمن معه راويه من أن يصيبه سوء أولدته العداوة للوصي صلوات الله عليه في العراق وفي الشام،و لذلک إن زيدا إتقي ختنه العراقي وهو يعلم ما في العراقيين من النفاق والشقاق يوم ذاک، فلم يبد بسره حتي أمن من بوادره فحدثه بالحديث، وليس من الجايز أن يکون المعني حنيئذ هو ذلک المبتذل بکل مسلم، وإنما هو معني ينوء بعبأه الامام عليه السلام بمفرده، فيفضل بذلک علي من سواه، وهو معني الخلافة المتحدة مع الاولوية المرادة.

(القرينة الخامسة عشر): إحتجاج أميرالمؤمنين عليه السلام بالحديث يوم الرحبة بعد أن آلت إليه الخلافة ردا علي من نازعه فيها کما مر ص 344 وإفحام القوم به لما شهدوا، فأي حجة له في المنازعة بالخلافة في المعني الذي لا يلازم الاولوية علي الناس من الحب والنصرة؟.

(القرينة السادسة عشر): مر في حديث الرکبان ص 191 -187: أن قوما منهم أبوأيوب الانصاري سلموا علي أميرالمؤمنين عليه السلام بقولهم: ألسلام عليک يا مولانا؟ فقال عليه السلام کيف أکون مولاکم وأنتم رهط من العرب؟ فقالوا: إنا سمعنا رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: من کنت مولاه فعلي مولاه.

فأنت جد عليم بأن أميرالمؤمنين لم يتعجب أو لم يرد کشف الحقيقة للملا الحضور لمعني مبذول هو شرع سواء بين أفراد المسلمين، وهو أن يکون معني قولهم ألسلام عليک يا محبنا أو ناصرنا. لا سيما بعد تعليل ذلک بقوله: وأنتم رهط من العرب. فما کانت النفوس العربية تستنکف من معني المحبة والنصرة بين أفراد جامعتها، و إنما کانت تستکبر أن يخص واحد منهم بالمولوية عليهم بالمعني الذي نحاوله، فلا ترضخ له إلا بقوة قاهرة عامتهم، أو نص إلهي يلزم المسلمين منهم، وما ذلک

[صفحه 381]

إلا معني الاولي المرادف للامامة والولاية المطلقة التي إستحفي عليه السلام خبرها منهم فأجابوه باستنادهم في ذلک إلي حديث الغدير.

(القرينة السابعة عشر): قد سلفت في ص 191، إصابة دعوة مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام اناسا کتموا شهادتهم بحديث الغدير في يومي مناشدة الرحبة والرکبان، فأصابهم العمي والبرص، والتعرب بعد الهجرة، أو آفة اخري، وکانوا من الملا الحضور في مشهد يوم الغدير.

فهل يجد الباحث مساغا لاحتمال وقوع هاتيک النقم علي القوم، وتشديد الامام عليه السلام بالدعاء عليهم لمحض کتمانهم معني النصرة والحب العامين بين أفراد المجتمع الديني، فکان من الواجب إذن أن تصيب کثيرا من المسلمين الذين تشاحنوا، وتلاکموا، وقاتلوا، فقموا جذوم تينک الصفتين، وقلعوا جذورهما، فضلا عن کتمان ثبوتهما بينهم، لکن المنقب لا يري إلا أنهم وسموا بشية العار، وأصابتهم الدعوة بکتمانهم نبئا عظيما يختص به هذا المولي العظيم صلوات الله عليه، وما هو إلا ما أصفقت عليه النصوص، وتراکمت القراين من إمامته وأولويته علي الناس منهم بأنفسهم.

ثم إن نفس کتمانهم للشهادة لا تکون لامر عادي هو شرع سواء بينه وبين غيره، وإنما الواجب أن تکون فيه فضيلة يختص بها، فکأنهم لم يرقهم أن يتبجح الامام بها فکتموها لکن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحق، وأبقت عليهم مثلبة لايحة علي جبهاتهم وجنوبهم وعيونهم ما داموا أحياءا، ثم تضمنتها طيات الکتب فعادت تلوکها الاشداق، وتتناقلها الالسن حتي يرث الله الارض ومن عليها.

(القرينة الثامنة عشر): مر باسناد صحيح ص 174 و 175 في حديث مناشدة الرحبة من طريق أحمد والنسائي والهيثمي ومحب الدين الطبري: ان أميرالمؤمنين عليه السلام لما ناشد القوم بحديث الغدير في الرحبة شهد نفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم بأنهم سمعوه منه قال أبو الطفيل: فخرجت وکأن في نفسي شيئا[6] فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت عليا رضي الله عنه يقول: کذا وکذا، قال: فما تنکر؟ قد سمعت رسول

[صفحه 382]

الله صلي الله عليه وسلم يقول له ذلک.

فما الذي تراه يستکبره أو يستنکره أبوالطفيل من ذلک؟ أهو صدور الحديث؟ ولا يکون ذلک لان الرجل شيعي متفان في حب أميرالمؤمنين عليه السلام ومن ثقاته، فلا يشک في حديث رواه مولاه، لا، بل هو معناه الطافح بالعظمة فکان عجبه من نکوس القوم عنه وهم عرب أقحاح يعرفون اللفظ وحقيقته، وهم أتباع الرسول صلي الله عليه وآله وأصحابه فاحتمل انه لم يسمعه جلهم، أو حجزت العراقيل بينهم وبين ذلک، فطمنه زيد بن أرقم بالسماع، فعلم أن الشهوات حالت بينهم وبين البخوع له، وما ذلک المعني المستعظم إلا الخلافة المساوقة للاولوية دون غيرها من الحب والنصرة، وکل منهما منبسط علي أي فرد من أفراد الجامعة الاسلامية.



صفحه 371، 372، 373، 473، 375، 376، 378، 378، 379، 380، 381، 382.





  1. راجع رواة الحديث من الصحابة والکلمات حول سند الحديث.
  2. في قوله: أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله. أخرج ابن المغازلي في المناقب، وابن ابي الحديد في سرحه 2 ص 236، والحضرمي الشافعي في الرشفة ص 27: انها نزلت في علي وما خص به من العلم.
  3. راجع ص 22 و 26 و 27 و 33 و 36 و 47 و 55.
  4. راجع ص 43 و 165 و 231 و 232 و 233 و 235.
  5. راجع ص 26 و 27 و 30 و 32 و 33 و 34 و 36 و 47 و 176.
  6. کذا في لفظ أحمد، وفي لفظ النسائي: وفي نفسي منه شيي. وفي لفظ محب الدين: وفي نفسي من ريبة شيي.