المعاني التي يمكن إرادتها من الحديث











المعاني التي يمکن إرادتها من الحديث



لم يبق من المعاني إلا الولي. والاولي بالشئ. والسيد غير قسيميه: المالک والمعتق. والمتصرف في الامر ومتوليه. أما الولي فيجب أن يراد منه خصوص ما يراد في الاولي لعدم صحة بقية المعاني کما عرفناکه، وأما السيد[1] بالمعني المذکور فلا يبارح معني الاولي بالشئ لانه المتقدم علي غيره لا سيما في کلمة يصف بها النبي صلي الله عليه وآله نفسه ثم إبن عمه علي حذو ذلک، فمن المستحيل حمله علي سيادة حصل عليها السايد بالتغلب والظلم، وإنما هي سيادة دينية عامة يجب إتباعها علي المسودين أجمع.

وکذلک المتصرف في الامر، ذکره الرازي في تفسيره 6 ص 210 عن القفال عند قوله تعالي:واعتصموا بالله هو مولاکم «ألحج» فقال: قال القفال: هو مولاکم سيدکم والمتصرف فيکم، وذکرهما سعيد الچلبي مفتي الروم، وشهاب الدين أحمد الخفاجي في تعليقيهما علي البيضاوي، وعده في الصواعق ص 25 من معانيه الحقيقية، وحذا حذوه کمال الدين الجهرمي في ترجمة الصواعق، ومحمد بن عبدالرسول البرزنجي في النواقض، والشيخ عبدالحق في لمعاته، فلا يمکن في المقام إلا أن يراد به المتصرف الذي قيضه الله سبحانه لان يتبع فيحدو البشر إلي سنن النجاح فهو أولي من غيره بأنحاء التصرف في الجامعة الانسانية، فليس هو إلا نبي مبعوث أو إمام مفترض الطاعة منصوص به من قبله بأمر إلهي لا يبارحه في أقواله وأفعاله وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي.

وکذلک متولي الامر الذي عده من معاني المولي أبوالعباس المبرد، قال في قوله:إن الله مولي الذين آمنوا: والولي والمولي معناهما سواء، وهو الحقيق بخلقه المتولي لامورهم[2] وأبوالحسن الواحدي في تفسيره الوسيط، والقرطبي في تفسيره 4 ص 232 في قوله تعالي في آل عمران: بل الله مولاکم. وإبن الاثير في النهاية 4 ص 246، والزبيدي في تاج العروس 10 ص 398، وإبن منظور في لسان

[صفحه 368]

العرب 20 وقالوا: ومنه الحديث: أيما إمرأة نکحت بغير إذن مولاها فنکاحها باطل وفي رواية: وليها. أي متولي أمرها، والبيضاوي في تفسير قوله تعالي: ما کتب لنا هو مولانا (ألتوبة) في تفسيره 1 ص 505، وفي قوله تعالي: واعتصموا بالله هو مولاکم (ألحج) ج 2 ص 114، وفي قوله تعالي: والله مولاکم «ألتحريم» 2 ص 530، و أبوالسعود العمادي في تفسير قوله تعالي: والله مولاکم «ألتحريم» (هامش تفسير الرازي) ج 8 ص 183، وفي قوله تعالي: هي مولاکم. والراغب في المفردات، وعن أحمد بن الحسن الزاهد، الدرواجکي في تفسيره: ألمولي في اللغة من يتولي مصالحک فهو مولاک يلي القيام بامورک وينصرک علي أعدائک، ولهذا سمي إبن العم والمعتق مولي ثم صار إسما لمن لزم الشئ، والزمخشري في «الکشاف» وأبوالعباس أحمد بن يوسف الشيباني الکواشي المتوفي سنة 680 في تلخيصه، والنسفي في تفسير قوله تعالي: أنت مولانا، والنيسابوري في «غرائب القرآن» في قوله تعالي: أنت مولانا. و قوله تعالي: فاعلموا أن الله مولاکم. وقوله تعالي: هي مولاکم. وقال القسطلاني في حديث مر في ص 318 عن البخاري ومسلم في قوله صلي الله عليه وآله: أنا مولاه، أي: ولي الميت أتولي عنه اموره، والسيوطي في تفسير الجلالين في قوله تعالي: أنت مولانا. وقوله: فاعلموا أن الله مولاکم. وقوله: لن تصيبنا إلا ما کتب الله لنا هو مولانا. فهذا المعني لا يبارح ايضا معني الاولي لا سيما بمعناه الذي يصف به صاحب الرسالة صلي الله عليه و آله نفسه علي تقدير إرادته.

علي أن الذي نرتأيه في خصوص المقام بعد الخوض في غمار اللغة، ومجاميع الادب،وجوامع العربية، إن الحقيقة من معاني المولي ليس إلا الاولي بالشيئ، وهو الجامع لهاتيک المعاني جمعاء، ومأخوذ في کل منها بنوع من العناية، ولم يطلق لفظ المولي علي شئ منها إلا بمناسبة هذا المعني.

1- فالرب سبحانه هو أولي بخلقه من أي قاهر عليهم خلق العالمين کما شائت حکمته ويتصرف بمشيئته.

2- والعم أولي الناس بکلائة إبن أخيه والحنان عليه وهو القائم مقام والده الذي کان أولي به.

[صفحه 369]

3- وإبن العم أولي بالاتحاد والمعاضدة مع إبن عمه لانهما غصنا شجرة واحدة.

4- والابن أولي الناس بالطاعة لابيه والخضوع له قال الله تعالي: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة.

5- وإبن الاخت ايضا أولي الناس بالخضوع لخاله الذي هو شقيق امه.

6- والمعتق بالکسر أولي بالتفضل علي من أعتقه من غيره.

7- والمعتق بالفتح أولي بأن يعرف جميل من أعتقه عليه ويشکره بالخضوع بالطاعة.

8- والعبد ايضا أولي بالانقياد لمولاه من غيره وهو واجبه الذي نيطت سعادته به.

9- والمالک أولي بکلائة مماليکه وأمرهم والتصرف فيهم بما دون حد الظلم.

10- والتابع أولي بمناصرة متبوعه ممن لا يتبعه.

11- والمنعم عليه أولي بشکر منعمه من غيره.

12- والشريک أولي برعاية حقوق الشرکة وحفظ صاحبه عن الاضرار.

13- والامر في الحليف واضح، فهو أولي بالنهوض بحفظ من حالفه ودفع عادية الجور عنه.

14- وکذلک ألصاحب أولي بان يأدي حقوق الصحبة من غيره.

15- کما ان الجار أولي بالقيام بحفظ حقوق الجوار کلها من البعداء.

16- ومثلها النزيل فهو أولي بتقدير من آوي إليهم ولجأ إلي ساحتهم وأمن في جوارهم.

17- والصهر أولي بأن يرعي حقوق من صاهره فشد بهم أزره، وقوي أمره، وفي الحديث الآباء ثلاثة: أب ولدک. وأب زوجک. وأب علمک.

18- واعطف عليها القريب الذي هو أولي بأمر القريبين منه والدفاع عنهم و السعي وراء صالحهم.

19- والمنعم أولي بالفضل علي من أنعم عليه، وأن يتبع الحسنة بالحسنة

20- والعقيد کالحليف في أولوية المناصرة له مع عاقده، ومثلهما:

21- ألمحب و 22 ألناصر، فإن کلا منهما أولي بالدفاع عمن أحبه أو إلتزم

[صفحه 370]

بنصرته.

وقد عرفت الحال في الولي 23 (والسيد 24) (والمتصرف في الامر 25) والمتولي له 26.

إذن فليس للمولي إلا معني واحد وهو الاولي بالشيي وتختلف هذه الاولوية بحسب الاستعمال في کل من موارده، فالاشتراک معنوي وهو أولي من الاشتراک اللفظي المستدعي لاوضاع کثيرة غير معلومة بنص ثابت والمنفية بالاصل المحکم،وقد سبقنا إلي بعض هذه النظرية شمس الدين إبن البطريق في العمدة ص 56 وهو أحد أعلام الطائفة في القرن السادس، وتطفح بشئ من ذلک کلمات غير واحد من علماء أهل السنة[3] حيث ذکروا المناسبات في جملة من معاني المولي تشبه ما ذکرنا.

ويکشف عن کون المعني المقصود (الاولي) هو المتبادر من المولي إذا اطلق کما يأتي بيانه عن بعض في الکلمات حول المفاد ما رواه مسلم باسناده في صحيحه ص 197 عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا يقل العبد لسيده مولاي. وزاد في حديث أبي معاوية: فإن مولاکم الله. وأخرجه غير واحد من أئمة الحديث في تآليفهم.



صفحه 368، 369، 370.





  1. عده من معاني المولي جمع کثير من أئمة التفسير والحديث واللغة، لا يستهان بعدتهم.
  2. حکاه عنه الشريف المرتضي في الشافي.
  3. راجع ما اسلفناه عن الدرواجکي وغيره وما يأتي عن سبط ابن الجوزي وغيره، فتجد هناک کثيرا من نظرائهما في مطاوي کلمات القوم.