علي خليفة رسول اللَّه و وصيّه











علي خليفة رسول اللَّه و وصيّه



يعتقد إخواننا أهل السنّة أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لم يوص و لم يستخلف، بل فوّض الأمر إلي النّاس ليختاروا لأنفسهم، و لذا فإنّ النّاس اجتمعوا بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في السقيفة، و بعد تنازع المهاجرين و الأنصار في أمر الخلافة و محاجّتهم ابتدر خمسة منهم، و هم: عمر بن الخطاب، و أبوعبيدة بن الجرّاح، و اُسيد بن حضير، و بشير بن سعد، و سالم مولي أبي حُذيفة، فبايعوا أبابکر فانعقدت له الإمامة بذلک، ثمّ بايعه آخرون و هم يسمّون هذه البيعة بالشوري.

و في صحيح مسلم، عن ابن عمر: أنّ أباه قال قبل و فاته: إنّي لئن لا استخلف فإنّ رسول اللَّه لم يستخلف، و إن أستخلف فإنّ أبا بکر قد استخلف.[1] .

و لکنّا- نحن الإِماميّة- نعتقد أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله استخلف عليّاً عليه السلام، و جعله وصيّه و وزيره و وارثه و حجّة اللَّه علي خلقه بعده، و هذا التنصيب و الجعل لم يکن مرّة واحدة، بل کان مرّات کثيرة من بدءِ الرسالة و علي مدي دعوته إلي حين

[صفحه 161]

وفاته صلي الله عليه و آله ، و الرّوايات في هذا الباب مستفيضة متواترة، و هذه الأخبار مؤيّدة بقرائن قطعية، و معضدة بشواهد کثيرة مقطوعة الصّدور عن النبيّ صلي الله عليه و آله.

و ممّا يؤيد هذه الأخبار أنّ بدء دعوة الرَّسول صلي الله عليه و آله کان مقروناً بتعيين الوصيّ و الخليفة له، و هو ما حدث في يوم الدّار حين دعاهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فلم يجبه أحد منهم مع تکرار الدّعوة عليهم إلّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّه أجابه في کلّ مرّة، فأمّره رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليهم، و قال: «هذا وليّي و وصيّي و خليفتي فيکم فأطيعوه».

فقام القوم يضحکون و يقولون لأبي طالب: قد أمرک أن تسمع لابنک و تطيع.[2] .

و يؤيّد هذه الأخبار أيضاً ما ورد في قصّة الغدير، و ما بها من الشواهد الکثيرة علي أنّ اللَّه تبارک و تعالي قد أعلمه بدنوّ أجله صلي الله عليه و آله، و أنّه لابدّ له من أن يجدّد علي اُمّته عهد وصيّه و خليفته، و أنزل تعالي عليه: «يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ مَا اُنزِلَ إليکَ من ربِّکَ و إنْ لم تَفْعلْ فَمَا بلَّغتَ رسالَتَهُ وَاللَّه يَعصِمُکَ مِنَ النّاسِ».[3] .

و قد امتثل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ما أمره اللَّه تعالي، فنصب عليّاً عليه السلام خليفة له و وصيّاً و وارثاً، و قد ذکرنا هذا الحديث مع ما معه من البحث المستوفي فلا نکرّره هنا لکفاية البحث هناک فلاحظ.[4] .

و ممّا يؤيد هذه الأخبار حديث الطّير المشويّ، و قول النبيّ صلي الله عليه و آله في غزوة خيبر، و حديث المنزلة، و آية الولاية و غير ذلک ممّا ذکرناه أو سنذکره في فصول مستقلّة، فراجع کتابنا، ينطق بالحقّ علي خلافته عليه السلام لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله و وصايته،

[صفحه 162]

و أنّه وارثه و حجّة اللَّه علي خلقه.

روي ابن أبي الحديد المعتزلي في الشرح، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «ألا أدلّکم علي ما إن تسالمتم عليه لم تهلکوا؟ إنّ وليّکم و إمامکم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فناصحوه و صدّقوه، جبرئيل أخبرني بذلک».

قال ابن أبي الحديد عقيب هذا الحديث: فان قلت: هذا نصّ صريح في الإِمامة، فما الّذي تصنع المعتزلة بذلک؟

قلت: يجوز أن يُريد أنّه عليه السلام إمامهم في الفتاوي و الأحکام الشرعية لا في الخلافة، انتهي کلامه.[5] .

أقول: و تأويله هذا يعني أنّ الإفتاء و النظر في الأحکام الشرعية مختصّ بالامام، و أنّ القيادة السياسية مختصّة بالخليفة، و هو أمر يرفضه العقل، و تنکره السنّة النبوية المبارکة، و الواقع التاريخي، لأنّ الإمام کالرسول يمثّل القيادة الدينية و السياسية معاً، لا المرجع الديني فقط، و لا فصل في هذه المسألة مطلقاً، فقوله: إنّ عليّاً عليه السلام هو الإمام في الفتاوي فقط، واضح البطلان، و ينافي قوله صلي الله عليه و آله مخاطباً لعليّ عليه السلام: «لو لا أنّي خاتم الأنبياء لکنتَ شريکاً في النبوّة، فإن لا تکن نبيّاً فإنّک وصيّ نبيٍّ و وارثه، بل أنت سيّد الأوصياء و إمام الأتقياء»[6] فهذا التعبير يدلّ علي أنّ علياً عليه السلام مختصّ بوراثة النبيّ صلي الله عليه و آله دون سواه باعتباره وصيّاً و إماماً و مرجعاً في الدين و الدنيا، و ما يترتّب علي ذلک من النظر في الأحکام، و سياسة الأُمّة و قيادتها، و کلّ مناصب النبّوة، إلّا أنه عليه السلام ليس نبيّاً و لا يُوحي إليه، کما هو واضحٌ من النّص.

[صفحه 163]



صفحه 161، 162، 163.





  1. صحيح مسلم، ج 3، ص 1455؛ کتاب الإمارة، ح 12.
  2. تقدم الحديث مع تخريجاته في هذا الفصل في «يوم الدار».
  3. المائدة، 67.
  4. تقدّم في الفصل الثالث في «حديث الغدير».
  5. شرح ابن أبي الحديد، ج 3، ص 98.
  6. المصدر السابق، ج 13، ص 210.