دوره عند وفاة الرسول











دوره عند وفاة الرسول



إنّ تاريخ ولادة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و وفاته من المواضيع الّتي لا يمکن الإجابة عنها بشکل صريح و قاطع، إذ إنّ هناک اختلافاً بين علماء الفريقين في التحديد؛ فالمشهور بين علماء الشيعة و المعمول به عندهم أنّه وُلد في )17( ربيع الأوّل من عام الفيل، و توفّي في )28( صفر للسنة الحادية عشرة من الهجرة، و هو ابن ثلاث و ستّين سنة.

و المشهور بين علماء أهل السنّة أنّ ولادته في )12( ربيع الأوّل من عام الفيل و وفاته في )12( ربيع الأوّل، و قيل: في الثاني منه، للسنة الحادية و عشرة من الهجرة، و کان عمره الشريف )63( سنة.

و لقد تربّي عليّ عليه السلام في حجر نبيّ الإسلام صلي الله عليه و آله منذ ولادته، و کان أوّل من آمن به من الذّکور، و أوّل من صلّي جماعة خلف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مع خديجة عليهاالسلام.

لقد کان عليّ عليه السلام ناصراً و معيناً لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله في جميع المصاعب الّتي اعترضته، فقد بات علي فراش رسول اللَّه ليلة المبيت، ليبقي النبيّ صلي الله عليه و آله سالماً، و ينجو من القتل، و کان ينصر الإسلام و المسلمين في جميع الغزوات، و کان فيها- إلّا غزوة تبوک- جنباً إلي جنب مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و لم يبتعد عن الرسول في أمر

[صفحه 157]

قطّ، بل کان ملازماً له ملازمة الظلّ إلي آخر لحظات حياته المبارکة، حيث قُبض رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و رأسه في حجر عليّ، و قد علّمه في تلک اللحظات علوماً کثيرة، و لم يکن أحد يدرک عظمة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سرّه إلّا عليّ عليه السلام.

عليّ عليه السلام هو الّذي أدّي أمانات رسول اللَّه و هو وصيّه، و بأمر النبيّ صلي الله عليه و آله تولّي عليّ تغسيل النبيّ و تکفينه و الصّلاة عليه و دفنه، فلا شکّ أنّ الحالات الّتي عاشها النبيّ صلي الله عليه و آله مع عليّ آخر لحظات عمره الشريف تکشف عن مدي القرب و الاتصال بين رسول اللَّه و عليّ، و لقد أوکل إليه هذه الأُمور لعلمه و ثقته بأنّ علياً عليه السلام سينفّذ أوامره، و لا يحيد عنها قيد أنملة، و لم يکن يطمئن لغيره هذا الاطمئنان، فلا شکّ أنّ فيها دليلاً قاطعاً و برهاناً ساطعاً علي خلافة عليّ للنبيّ صلي الله عليه و آله، بالرغم من أنّ النّبيّ کان يصرّ علي تبيان خلافه عليّ، و أنّه الوصيّ من بعده حتّي في آخر لحظات حياته، مضافاً إلي التأکيدات السابقة، إلّا أنّ هذا الإيداع و التوکيل بحدّ ذاته، و من دون الصراحة في اللفظ، يدلّ علي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله کان يعتبر عليّاً وصيّه و خليفته.

و لقد أشار إلي هذه المنقبة الجميلة المختصّة به المفيدة لمزيد اختصاصه برسول اللَّه صلي الله عليه و آله و قربه منه في خطبة له: «و لقد قُبض رسول اللَّه و إنَّ رأسَهُ لَعلي صدري، و لقد سالتْ نفسُه في کفّي، فأمْرَرْتُها علي وجهي،و لقد وَليتُ غُسلَهُ صلي الله عليه و آله و الملائکةُ أعواني».

ثمّ استدلّ بذلک علي أنّه أحقّ و أولي بالخلافة، و القيام مقامه، و أنّه علي الحقّ و غيره علي الباطل، حيث قال: «فَوَ الّذي لا إله إلّا هو، إنّي لعلي جادّة الحقّ، و إنّهم لعلي مزلّة الباطل، أقول ما تَسمعون و أستغفر اللَّه لي و لکم».[1] .

[صفحه 158]

و نذکر فيما يلي نزراً من الأخبار:

1- قال ابن کثير الدمشقي، روي بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب عليه السلام: «أوصاني النبيّ صلي الله عليه و آله أن لا يُغسّله أحدٌ غيري، فإنّه لا يري أحد عورتي إلّا طمست عيناه».

قال عليّ عليه السلام: «فکان العبّاس و اُسامة يناولاني الماء من وراء الستر».[2] .

2- و روي العلاّمة علي المتقي الهندي، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه، قال: «أوصي النبيّ صلي الله عليه و آله عليّاً أن يغسّله، فقال عليّ عليه السلام:يا رسول اللَّه، أخشي أن لا اُطيق ذلک. قال: إنّک ستُعان.

قال عليّ عليه السلام: فواللَّه ما أردت أن اُقلّب من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عضواً إلّا قُلب».[3] .

3- و روي الحافظ القندوزي الحنفي، عن جماعة من الصحابة، قالوا: إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا أراد غسل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله استدعي الفضل بن عبّاس، فأعانه علي الغسل، فلمّا فرغ صلّي عليه وحده، فقال: «إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إمامنا حيّاً و ميّتاً، فيدخلون فوجاً فوجاً، فيصلّون بغير إمام، و ينصرفون».

و قال: «إنّي أدفنه في حجرته الّتي قُبض فيها» فلمّا فرغوا من الصلاة عليه، قال عليّ عليه السلام لبريد بن سهل: «احفر لحداً، مثل أهل المدينة» فحفر لحداً ثمّ دخل فيه عليّ و العبّاس و الفضل بن العبّاس، فوضعه عليّ عليه السلام بيديه، و کشف وجهه الشريف المبارک المقدّس المنوّر، و وضع اللبن، و أهال التراب، (صلوات اللَّه

[صفحه 159]

و تحياته و برکاته و سلامه عليه و علي أهل بيته دائمة بدوام اللَّه تعالي) ثمّ رجعت فاطمة إلي بيتها، و اجتمعت إليها النساء، فقالت فاطمة عليهاالسلام: «انقطع عنّا خبر السماء».

ثمّ قالت ترثيه:


«اغبرّ آفاق البلاد و کوّرت
شمس النّهار و أظلم العصران


و الأرض من بعد النبيّ حزينةٌ
أسفپاً[4] عليه کثيرة الرجفان


فليبکه شرق البلاد و غربها

و ليبکه مصر و کلّ يمان»[5] .

[صفحه 160]



صفحه 157، 158، 159، 160.





  1. نهج البلاغة، الخطبة 197.
  2. البداية و النهاية، ج 5، ص 229؛ و روي نحوه کثير من علماء أهل السنّة، منهم: العلاّمة الذهبي في ميزان الاعتدال، ج 1، ص 347؛ و الهيثمي في مجمع الزوائد، ج 9، ص 36؛ و السيوطي في الخصائص، ج 2، ص 276؛ و العلاّمة الهندي في کنز العمال، ج 7، ص 250.
  3. کنز العمال، ج 7، ص 249.
  4. في الينابيع: اثنا، تصحيف صحيحه ما أثبتناه من نور الأبصار، ص 53.
  5. ينابيع المودة، ص 265.