هجرته إلي المدينة
و قال ابن الأثير: و أمّا عليّ عليه السلام فانّه لما فرغ من الذي أمره به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ، هاجر إلي المدينة، فکان يسير الليل و يکمن النهار، حتي قدم المدينة، و قد تفطّرت قدماه، فقال النبي صلي الله عليه و آله: ادعو لي علياً. قيل: لا يقدر أن يمشي. فأتاه النبي صلي الله عليه و آله و اعتنقه، و بکي رحمةً لما بقدميه من الورم، و تفل في يديه و أمرّهما علي قدميه، فلم يشتکهما بعد حتي قُتِل.[2] . و لاريب انّ نومه عليه السلام علي فراش رسول لحفظ الرسول صلي الله عليه و آله، و وصيّة الرسول صلي الله عليه و آله له بتسليم الأمانات و الودائع، و تنفيذ عهوده، ثم التحاقه به صلي الله عليه و آله في المدينة بصحبة الفواطم و عيالاتٍ من بني هاشم، أولي من هجرة أبي بکرمعه قطعاً، و يدلّ علي ذلک ما نزل في القرآن الکريم في هجرته عليه السلام حيث يقوله تعالي في شأنه عليه السلام: «و مِن الناسِ مَن يَشري نَفسَهُ ابتغاءَ مَرضاتِ اللَّه»[3] ، و يقول في أبي بکر حکاية عن قول النبي صلي الله عليه و آله: «لا تحزن إنّ اللَّه معنا»[4] ، هذا و النبي صلي الله عليه و آله معه يقوّي قلبه، و لم يکن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مع علي عليه السلام، و هو لم يصبه أذيً، و عليّ عليه السلام يرمي بالحجارة، و هو مختفٍ في الغار، و علي عليه السلام ظاهر للکفّار، و إنّما أباته علي فراشه ثقةً بنجدته، فکانوا محدقين به إلي طلوع الفجر ليقتلوه، فيذهب دمه بين [صفحه 151] مجموعة من القبائل، فهذا المبيت أفضل بمراتب من هجرة أبي بکر الذي کان في معيّة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله. روي أحمد بن حنبل و الجويني و الخوارزمي، بالاسناد عن عمروبن ميمون، قال: إنّي لجالس إلي ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا أبا العباس، إمّا أن تقوم معنا، و إمّا أن تخلو بنا من بين هؤلاء. قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معکم، قال: و هو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمي، فابتدأوا فتحدّثوا، فلا يدري ما قالوا، قال: فجاء ابن عباس و هو ينفض ثوبه و يقول: أُفّ و تُفّ، وقعوا في رجل قال له النبي صلي الله عليه و آله يوم خيبر: «لأبعثنّ رجلاً لا يخزيه اللَّه أبداً، يحبّ اللَّه و رسوله، و يحبّه اللَّه و رسوله» فاستشرف لها من استشرف، فقال صلي الله عليه و آله: أين عليّ؟ فقالوا: إنّه في الرحا يطحن. قال صلي الله عليه و آله: و ما کان أحدکم ليطحن! قال: فجاء و هو أرمد لا يکاد يبصر، قال: فنفث في عينيه، ثم هزّ الراية ثلاثاً، فأعطاها إياه، فجاء عليّ عليه السلام بصفيّة بنت حُيي...إلي أن قال: قال ابن عباس: و کان المشرکون يرمون النبي صلي الله عليه و آله، فجاء أبوبکر و عليّ نائم، و أبوبکر يحسب أنّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ، قال: فقال: يا نبي اللَّه، فقال له عليّ: إنّ نبيّ اللَّه قد انطلق نحو بئر ميمون فأدرکه. قال: فانطلق أبوبکر، و دخل معه الغار. قال: و جعل عليّ يُرمي بالحجارة کما کان يرمي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، و هو يتضوّر،[5] و قد لفّ رأسه في الثوب لايخرجه حتّي أصبح، ثم کشف عن رأسه، فقالوا: إنک لئيم![6] و کان صاحبک لا يتضوّر و نحن نرميه، و أنت تتضوّر، و قد استنکرنا ذلک.[7] . [صفحه 152] و قال عليّ عليه السلام عند مبيته علي فراش رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: وقيت بنفسي خير من وطي ء الحصا رسول إله الخَلْقِ إذ مَکَروا به و بات رسول اللَّه في الغار آمناً و بتُّ أُراعيهم و ما يثبتونني [صفحه 153]
قال ابن هشام: و أقام عليّ بن أبي طالب عليه السلام بمکة ثلاث ليال و أيامها، حتي أدّي عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الودائع التي کانت عنده للناس، حتي إذا فرغ منها لحق برسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[1] .
و من طاف بالبيت العتيق و بالحجرِ
فنجّاه ذو الطول الإله من المکرِ
موقّيً و في حفظ الإله و في سترِ
و قد وطنت نفسي علي القتل و الأسرِ[8] .
صفحه 151، 152، 153.