يوم الدار (يوم الانذار)











يوم الدار (يوم الانذار)



إنّ من أحاط علماً بسيرة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في بدء الحکومة الإسلامية و تشريع أحکامها و تنظيم شؤونها وفق أوامر اللَّه عزّوجلّ، يري عليّاً عليه السلام وزير النبيّ صلي الله عليه و آله في أمره، و ظهيره علي عدوّه، و وارث حکمه، و صاحب أمره بعده، و من وقف علي أقوال النبيّ و أفعاله من مبدأ أمره إلي منتهي عمره، يجد نصوصه في ذلک متواترة متوالية، و يکفيک منها ما کان في بدء دعوة النبيّ إلي الإسلام قبل ظهور الإسلام بمکّة حين أنزل اللَّه تعالي عليه: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرتَکَ الأقْرَبِينَ»[1] فدعاهم إلي دار عمّه أبي طالب، و هم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون، و فيهم أعمامه، أبوطالب و حمزة و العبّاس و أبولهب، و في آخر الأمر، قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا بني عبدالمطلّب، إنّي و اللَّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء في قومه بأفضل ممّا جئتکم به، جئتکم بخير الدنيا و الآخرة، و قد أمرني اللَّه أن أدعوکم إليه، فأيّکم يؤازرني علي أمري هذا، علي أن يکون أخي و وصيّي و خليفتي فيکم؟ - و في رواية: من بعدي- فأحجم القوم عنها غير عليّ عليه السلام- و کان أصغرهم-

[صفحه 147]

إذ قال: «أنا- يا نبيّ اللَّه- أکون وزيرک عليه» فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله برقبته، و قال: «إنّ هذا أخي و وصيّي و خليفتي فيکم، فأسمعوا له و أطيعوا» فقام القوم يضحکون و يقولون لأبي طالب: قد أمرک أن تسمع لابنک و تطيع![2] .

و روي أحمد في (فضائل الصحابة) و غيره، عن أسماء بنت عميس، قالت: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «اللّهمّ إنّي أقول کما قال أخي موسي:اللّهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي أخي علياً اشدد به أزري و أشرکه في أمري، کي نسبّحک کثيراً، و نذکرک کثيراً، إنک کنت بنا بصيراً».[3] .

و هذه منقبة جليلة اختصّ بها أميرالمؤمنين عليه السلام، و لم يشرکه فيها أحدٌ من المهاجرين الأوّلين و لا الأنصار رضي الله عنهم، و لا أحد من أهل الإسلام، و ليس لغيره عدل لها من الفضل، و لا مقارب علي حال، و في الخبر بها ما يفيد أنّ به تمکّن النبيّ صلي الله عليه و آله من تبليغ الرسالة و إظهار الدعوة و الصدع بالإسلام، و لولاه لم تثبت الملّة و لا استقرّت الشريعة، و لا ظهرت الدعوة، فهو عليه السلام ناصر الإسلام و وزيره الداعي إليه من قبل اللَّه عزّوجلّ، و بضمانه لنبيّ الهدي النصرة، و في ذلک من الفضل ما لا توازنه الجبال فضلاً، ولا تعادله الفضائل کلّها محلاً وقدراً.

[صفحه 148]



صفحه 147، 148.





  1. الشعراء، 214.
  2. معالم التنزيل للبغوي، ج 4، ص 278؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 62؛ الکامل في التاريخ، ج 1، ص 286؛ شرح ابن أبي الحديد، ج 13، ص 211؛ کنزل العمال، ج 13، ص 36419/131.
  3. فضائل الصحابة،ج 2، ص 678، ح 1158؛ الرياض النضرة، ج 3، ص 118؛ ذخائر العقبي، ص 63؛ تفسير الدر المنثور، ج 5، ص 566.