حديث تشبيهه بالأنبياء
[صفحه 128] فمن آدم أبي البشر، العلم، فإنّ اللَّه تعالي خصّه بأنّه علّمه الأسماء کلّها ثمّ أبان فضله بذلک، و نوّه بعلمه حيث عرض علي الملائکة أسماء المسمّيات، و طلب منهم إنباءه بأسمائها فعجزوا، و طلب من آدم إنباءهم، فأنبأهم عليه السلام بها، فهذه فضيلة من أشرف فضائل آدم الّتي شرف بها بين الملأ الأعلي. و شبّهه بنوح عليه السلام في فهمه، لأنّه أمره اللَّه تعالي بصنعة الفلک، و فيها من دقائق الإحکام و الإتقان ما لا تحصره الأقلام، و لا تدرکه الأفهام، و کانت لم تعرف و لا أهتدي إليها فکر قبل ذلک، و کان فيها من الإتقان و البيوت الّتي جعلها له و لمن معه و الأنعام و الوحوش و السباع، و اختلافها طولاً و عرضاً کجؤجؤ طائر، و قد جعل اللَّه الحمل فيها من آياته، حيث قال: «و آيةٌ لهم أنّا حَمَلنا ذُرِّيَتَهُمْ في الفُلْک المَشحُون»[3] و عدّ الامتنان بها في الذّکر في عدّة من الآيات، فالمراد فهمه لما ألهمه من صنعتها،و لذلک جعل صنعتها مقيدة بأعيننا في قوله: «وَ اصنَعِ الفُلْکَ بأعيُنِنا»[4] . و يحتمل أن يکون المراد فهمه العام في صنعة الفلک و غيره ممّا فهّمه عن اللَّه تعالي و أمره. و يمکن أن يقال کذلک في تشبيهه بنوحٍ في حکمه، کما في الحديث الثاني. و شبّهه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بالخليل في حلمه، و هو من أشرف الصفات،و لذلک قيل: ما نعت اللَّه الأنبياء بأقلّ ما نعتهم بالحلم، و ذلک لعزّة وجوده، و لقد نعت اللَّه إبراهيم عليه السلام بقوله: «إنَّ إبراهيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ»[5] و قوله: «إنَّ إبراهِيمَ لَحَلِيمٌ أوّاهٌ مُنِيبٌ»[6] و من حلمه عليه السلام الّذي تخفّ عنه رواسي الجبال، امتثاله لأمر اللَّه تعالي [صفحه 129] بذبح ولده عليه السلام و إضجاعه و کتفه له، و إمرار المدية[7] علي حلقه، لو لا منع اللَّه لها أن تقطع، فلهذا وصفةها للَّه و وصف ولده بالحلم. و شبّهه صلي الله عليه و آله بيحيي بن زکريّا عليه السلام في زهده، إذ يحيي عليه السلام هو عَلَمُ الزَّهادة في أبناءِ آدم مَن تأخّر منهم و من تقدّم، و قد ملئت الکتب بالکثير من صفات زهده. و شبّهه صلي الله عليه و آله بکليم اللَّه في بطشه، و کان موسي عليه السلام شديد البطش، و يکفيک أنَّه عليه السلام و کز القبطي فقضي عليه، و أراد البطش بالآخر، و هو في بلد فرعون، و کان بنو إسرائيل أرقّاء في يد فرعون، و کان القبط أهل الصولة و الشوکة و الدولة. و شبّهه صلي الله عليه و آله في الحديث الآخر بيوسف في جماله، و يوسف في جماله شمس لا يزيدها الوصف إلّا خفاءً، فهي أظهر من أن تظهر.
شبّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً بالأنبياء في موارد و مناسبات متعدّدة، و أمام جمع من الصحابة، و من ذلک ما جاء في رواية أبي الحمراء: «من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، و إلي نوح في فهمه، و إلي إبراهيم في حلمه، و إلي يحيي بن زکريا في زهده، و إلي موسي في بطشه، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب».[1] و عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «من أراد أن ينظر إلي إبراهيم في حلمه، و إلي نوح في حکمه، و إلي يوسف في جماله، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.»[2] فقد شبّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام بهؤلاء الرّسل عليهم السلام في اکتسابه عليه السلام للخصال الشريفة من خصالهم:
صفحه 128، 129.