دلالة الحديث علي خلافة علي











دلالة الحديث علي خلافة علي



حقيقة کلمة المولي: من يلي أمراً و يقوم به و يتقلّده، فمعني قوله صلي الله عليه و آله: «من کنت مولاه فعلي مولاه» من کنت متقلّداً لأمره و قائماً به، فعليٌ متقلد أمره و قائم به، و هذا صريح في زعامة الأُمّة و إمامتها و ولايتها، فکأن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: زعامة الاُمة و ولايتهم و سلطنتهم و القيام بأمرهم لعلي عليه السلام. فثبت لعلي عليه السلام ما ثبت لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله من الولاية العامة و الزعامة التامّة.

و الشواهد علي دلالة الحديث علي الإمامة الکبري لعلي عليه السلام أُمور:

منها: مخاطبة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لجماهير الناس قبل إيراد هذا المقال بقوله: «ألست أولي بکم من أنفسکم؟» ثمّ فرّع عليه بقوله: «من کنت مولاه فعليٌّ مولاه» فلا يکون کسب الإقرار من الناس إلّا لأجل التمکّن منهم، و حملهم علي أن لا يأبوا عمّا يريد أن يعقّبه بجعل عليٍّ الزعيم عليهم و المتصرّف في شؤونهم لا محالة، فتعيّن إرادة ما هو متضمّن لمعني أولوية التصرف من معاني لفظ المولي دون غيره

[صفحه 118]

من معانيه.

و منها: دعاؤه صلي الله عليه و آله بعد إلقاء هذا المقال في حقّ عليّ عليه السلام علي النّاس بقوله: «اللّهمّ و الِ من ولاه، و عادِ مَن عاداه، و انصر من نصره...» المرويّ بطرق کثيرة، فإنّه يدلّ علي أنّ الأمر الذي أتي به في عليّ عليه السلام يحتاج في تثبيته إلي النصرة و الموالاة له، و يحترز عليه من المعاداة و الخذلان له، و ذلک من مقتضيات الإمامة.

مضافاً إلي دلالة هذا الدعاء في حق عليّ عليه السلام علي أنّه لا تجوز معاداة عليّ عليه السلام، و خذلانه في شي ء ممّا يريد، فهو يدلّ علي تسلّطه علي النّاس بکلّ ما يريد.

و منها: الأخبار الواردة بطرق کثيرة و المشيرة إلي نزول قوله تعالي: «الْيَومَ اَکْمَلْتُ لَکُم دِيْنَکُم وَ أتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي» في يوم الغدير، و الآية تدلّ علي أنّ المراد بالمولي ما يرجع إلي الإمامة الکبري، إذ ما يکون سبباً لکمال الدين و تمام النعمة علي المسلمين ليس إلّا ما کان من اُصول الدين، مضافاً إلي ما ورد في بعض طرق الحديث من أنّه صلي الله عليه و آله قال عقيب لفظ الحديث: «اللَّه أکبر علي إکمال الدين و إتمام النعمة و رضي الرّب برسالتي و الولاية لعليّ بن أبي طالب».

و منها: الأخبار المتقدّمة الدالة علي نزول قوله تعالي: «يَا أيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا اُنْزِلَ إلَيْکَ مِن رَبِّکَ و إن لم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» في حقّ عليّ عليه السلام في غديرخمّ، و الآية تدلّ علي أنّ ترک نصبه بالولاية مساوٍ لترک تبليغ الرسالة برأسها، و أنّ تبليغ هذا الأمر يبلغ من الخطورة و الأهمية بحيث إنّه بحجم تبليغ الرسالة، لأنّ عدم التبليغ يعني ترک الکيان الاسلامي هملاص في مهبّ الريح تتجاذبه الأهواء و النزعات المختلفة..

و منها: إلقاء هذا المقال الشريف عقيب أخذ الشهادة منهم بالواحدانية، و الشهادة بالنبوّة، و ذکر قوله: «من کنت مولاه فعليّ مولاه» في سياقهما يدلّ علي

[صفحه 119]

أنّ ما أفاده بهذا المقال أمر مهمّ يبتني عليه الإسلام.

و منها: أنّه صلي الله عليه و آله بعد تبليغ الولاية إلي الناس بمجمع من جماهير المسلمين قال: «فليبلِّغ الحاضر الغائب» فيدلّ هذا الاهتمام الشديد بايصال خطابه الشريف و کلامه المنيف إلي جميع المسلمين، علي أنّ المراد من الحديث ليس معنيً معلوماً بالکتاب و السنّة يعلمه کلّ أحد کالنصرة و المحبة، بل إنّه أمر خطير تتوقف عليه ديمومة الاسلام.

و منها: القرائن الحالية، و هي کثيرة واضحة الدلالة علي المقصود، کنزوله صلي الله عليه و آله في حرّ الهجير و السماء صافية علي الحصباء و الرمضاء التي کادت تتوقّد من إشراق الشمس، بحيث نقل الرواة من حفاظ الحديث و أئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحرّ وضع بعض الناس ثوبه علي رأسه، و بعضهم يلّفه برجله، و بعضهم استظلّ بمرکوبه، و بعضهم استظلّ بالصخور و انحنائها. و أمره صلي الله عليه و آله برجوع من تقدّم و توقّف من تأخّر، و انحناؤه عن يمين الطريق إلي جنب مسجد الغدير، و انشاؤه تلک الخطبة الغرّاء.

و منها: فهم الحاضرين في غديرخمّ عند تلک الواقعة و المستمعين لکلامه، هذا معني الإمامة الکبري و الزعامة العظمي، و يشهد لذلک أيضاً اُمور:

الأوّل: بيعة النّاس لعليّ عليه السلام و تسليمهم عليه بإمرة المؤمنين، و تهنئتهم للنبيّ و لعليّ (صلوات اللَّه عليهما) و أوّل من أقدم بالتهنئة و البخبخة أبوبکر ثمّ عمر بن الخطّاب ثمّ عثمان و...[1] الثّاني: واقعة الحارث بن النعمان الفهري، حين سمع حديث الغدير من النبي صلي الله عليه و آله دعا علي نفسه بنزول المطر من الحجارة، فأجابه اللَّه دعوته، و رماه بحجر

[صفحه 120]

فسقط علي هامته و خرج من دبره، فأنزل اللَّه «سألَ سائِلٌ بِعذابٍ واقِعٍ».[2] الثّالث: استئذان حسّان بن ثابت من الرسول صلي الله عليه و آله في نظم أبيات في الواقعة تدلّ علي أنّه لم يفهم من الحديث غير معني الخلافة فقال:


يُناديهم يَوم الغديرِ نَبيُّهم بخمٍّ
و أسمع بِالرسولِ مُناديا


بأنّي مولاکم نعم و وليّکم
فقالوا و لم يبدوا هناک التعاميا


الهک مولانا و انت ولينا
و لا تجدن في الخلق للأمر عاصيا


فقال له قم يا علي فانني
رضيتک من بعدي إماماً و هادياً


فمن کنت مولاه فهذا وليه
فکونوا له أنصار صدقٍ مواليا


هناک دعا اللهم والِ وليّه
و کن للذي عادي علياً معاديا[3] الرابع: أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام بعد اجتماع النّاس علي بيعته بالخلافة و استقرار الأمر إليه نُوزِع في أمر الخلافة، فحضر رحبة الکوفة بمجتمع من النّاس، و استنشدهم بهذا الحديث، ردّاً علي مخالفيه في أمر الخلافة، فأجابوه: بنعم.[4] الخامس: احتجاجه عليه السلام و غيره من الأئمّة و بعض الصحابة بحديث الغدير لأحقيّته عليه السلام بالخلافة العظمي و الإمامة الکبري.[5] و بالجملة فکلّ من بلغه هذا الحديث، فهم منه الإمامة و الزعامة الکبري في ذلک العصر و الأعصار التالية عصراً بعد عصر من العلماء علي اختلاف مشاربهم و فنونهم و الشعراء و أرباب الأدب، و من شاء الوقوف علي تلک الأشعار، فليراجع

[صفحه 121]

الغدير للمرحوم الأميني (شکر اللَّه سعيه و حشره مع مواليه.)

اللّهمّ إنا أتممناالحجّة و أوضحنا المحجّة لإخواننا المسلمين، فهم مختارون کما قلت تبارکت و تعاليت: «إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيْلَ إمَّا شَاکِراً وَ إمَّا کَفُورا- فَمَنْ شَاءَ فَليُؤمن وَ مَنْ شَاءَ فَلْيَکفُر» صدق اللَّه العليّ العظيم، و صدق رسوله الکريم، و الحمدللَّه ربّ العالمين.

[صفحه 122]



صفحه 118، 119، 120، 121، 122.





  1. فرائدالسمطين، ج 1، ص 64، ح 30؛ تذکر الخواص ، ص 36.
  2. انظر: تفسير المنار، ج 6، ص 464، ذيل الآية 1 من المعارج.
  3. فرائد السمطين ، ج 1، ص 73، ح 39؛ مقتل الحسين عليه السلام، الخوارزمي، ج 1، ص 47؛ تذکرة الخواص، ص 33؛ کفاية الطالب، ص 64.
  4. تذکرة الخواص، ص 35.
  5. انظر: أسني المطالب للجزري الشافعي، ص 50.