حديث الثقلين
و حتّي في آخر لحظات حياته المبارکة حيث أو شک علي مفارقة الدّنيا، و حيث يکون الناس عادة أکثر اهتماماً بما يقوله قائدهم و زعيمهم، و يصغون بکلّ أعماقهم لکلماته، فإنّه قال: «إنّي أو شک أن اُدعي فأُجيب، و إنّي تارک فيکم الثّقلين: کتاب اللَّه، و عترتي، کتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، و عترتي أهل بيتي، إنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليَّ الحوض، فانظروني [صفحه 101] بما تخلفوني فيهما».[1] . لقد روي هذا الحديث مع تفاوت في لفظه عن النّبي صلي الله عليه و آله متواتراً من طرق الفريقين، و قد أخرجه أرباب الصحاح و السنن و المسانيد.[2] . ففي هذا الحديث جعل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله التمسّک بأهل البيت عليهم السلام و الالتزام بأقوالهم و اعتبارها حجّة في أُصول الدّين و فروعه، عدل الکتاب، فکما أنّ القرآن الکريم حجّة علي الجميع و يجب التمسک به، فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله جعل العترة الطاهرة عِدل القرآن ليعلم الناس أنّ التمسک بأقوالهم و أفعالهم واجب عليهم. ففي صحيح مسلم، في حديث الغدير، عن زيد بن أرقم، عن النبيّ صلي الله عليه و آله: «أيّها الناس، إنّما أنا بشر يوشک أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، و أنا تارک فيکم ثقلين: أوّلهما کتاب اللَّه فيه الهدي و النور فخذوا بکتاب اللَّه و استمسکوا به، فحثّ علي کتاب اللَّه و رغّب فيه، ثمّ قال: و أهل بيتي، اُذکّرکم اللَّه في أهل بيتي، اُذکّرکم اللَّه في أهل بيتي، أُذکّرکم اللَّه في أهل بيتي».[3] . و روي الحاکم النيشابوري عن زيد بن أرقم عن النبيّ صلي الله عليه و آله نحوه.[4] و واضح [صفحه 102] أنّ التمسّک بالکتاب هو الأخذ بما فيه، و التمسّک بالعترة هو الأخذ بأقوالهم و سنّتهم، فأقوالهم و سنّتهم حجة شرعية إلهية، فعلي الأُمة الإسلامية التمسک بالعترة الطاهرة في الأعمال و الأقوال، و لا أظنّ أنّ أحداً يجرؤ علي القول بأنّ قول أئمة المذاهب الأربعة مقدّم علي قول الأئمة الطاهرين الذين هم سفن نجاة الأمّة و باب حطّتها و أعلام هدايتها و باب علم النبيّ صلي الله عليه و آله، و لذلک قال النبيّ صلي الله عليه و آله في شأن الکتاب العزيز و العترة الطاهرة: «فلا تُقَدِّموهما فتهلکوا، و لا تعلّموهما فإنّهما أعلم منکم».[5] . [صفحه 103]
إنّ من جملة الأحاديث المعتبرة التي رويت عن النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله في فضل علي عليه السلام و عترته الطاهرة هو حديث الثقلين الذي حدّث به النبيّ صلي الله عليه و آله في آخر سنة من سني عمره الشريف في مواضع عدّة، اجتمع فيها خلق کثير من الناس، و في مناسبات هامة تکتظّ بالناس عادة، فقد قاله في عرفة، و في مسجد الخيف بمني، و في غدير خمّ، و في أواخر أيّام عمره المبارک، و في مرضه الّذي توفّي فيه، في کلّ هذه الموارد کان النبيّ صلي الله عليه و آله يلفت أنظار أصحابه و يوجّه اهتمامهم نحو جوهرتين ثمينتين هما: القرآن، و عترته المعصومين عليهم السلام.
صفحه 101، 102، 103.