تخلّف المنافقين و اعتذارهم بأُمور واهية











تخلّف المنافقين و اعتذارهم بأُمور واهية



قال بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرّ، فأنزل اللَّه تعالي: «قُلْ نارُ جهنّم أَشَدُّ حرَّاً لوْ کانُوا يَفْقَهُون» «وَ جَاءَ الْمُعَذّروُنَ مِن الأعراب» و هم الضعفاء والمقلّون من الأعراب، «لِيُؤذَنَ لَهُمْ»[1] في التخلّف، فأذن لهم و کانوا اثنين و ثمانين رجلاً، و قعد آخرون من المنافقين بغير عذر و إظهار علّة، جرأة علي اللَّه و رسوله، و قد عناهم اللَّه تعالي بقوله: «وَ قَعَدَ الَّذِيْنَ کَذَبُوا اللَّه وَ رَسُولَهَ»[2] وتخلّف جمع من المسلمين منهم: کعب بن مالک، وهلال بن اُميّة، ومرارة بن الربيع من غير عذر، وکانوا ممّن لا يتّهم في إسلامه.

و لمّا خلّف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً أرجف به المنافقون، و قالوا: ما خلّفه إلّا استثقالاً له! و حين قيل فيه ذلک أخذ عليّ عليه السلام سلاحه ثمّ خرج حتّي لحق برسول اللَّه صلي الله عليه و آله و هو نازل بالجرف، فقال: «يا نبيّ اللَّه، زعم المنافقون أنّک ما خلّفتني إلّا لأنّک استثقلتني و تخفّفت منّي» فقال: «کذبوا، و لکنّي خلّفتک لما ترکت و رائي، فارجع فاخلفني في أهلي و أهلک، أفلا ترضي يا عليّ أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» فرجع علي عليه السلام إلي المدينة و مضي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علي سفره.[3] .

لقد تضمّن هذا القول من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله نصّه علي عليّ عليه السلام بالإِمامة، و إبانته من الکافّة بالخلافة، و دلّ به علي فضل لم يشرکه فيه أحد سواه، و أوجب له به جميع منازل هارون من موسي إلّا ما خصّه العرف من الاُخوّة، و استثناه هو من

[صفحه 74]

النبوّة، ألا تري أنّه صلي الله عليه و آله جعل له عليه السلام کافّة منازل هارون من موسي عليهماالسلام إلّا المستثني منها لفظاً و عقلاً.

و هذه فضيلة لم يشرک فيها أحد من الخلق أميرالمؤمنين عليه السلام، و لا ساواه في معناها، و لا قاربه فيها علي حال، و لو علم اللَّه عزّوجلّ أنّ لنبيّه صلي الله عليه و آله في هذه الغزاة حاجة إلي الحرب و الأنصار، لما أذن له في تخليف أميرالمؤمنين عنه، بل علم أنّ المصلحة في استخلافه، و أنّ إقامته في دار هجرته مقامه أفضل الأعمال، فدبّر الخلق و الدين بما قضاه في ذلک و أمضاه.

[صفحه 75]



صفحه 74، 75.





  1. التوبة، 81 و 90.
  2. التوبة، 90.
  3. انظر السيرة الحلبية، ج 3، ص 103؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 367؛ السيرة النبوية، ج 4، ص 162.