تواطؤ ابن ملجم و قطام











تواطؤ ابن ملجم و قطام



روي أبوالفرج بالاسناد عن أبي مخنف، عن أبي زهير العبسي، قال: فأقبل ابن ملجم حتّي قدم الکوفة، فلقي بها جماعة من أصحابه- أهل النهروان- و کتمهم أمره، و طوي عنهم ما تعاقد هو و أصحابه عليه بمکّة من قتل اُمراء المسلمين، مخافة أن ينشر منه شي ء، و إنّه زار رجلاً من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب، فصادف عنده قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب، و کان عليّ عليه السلام قتل أباها و أخاها بالنهروان، و کانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلمّا رآها ابن ملجم لعنه اللَّه شغف بها و اشتدّ إعجابه، فخبر خبرها فخطبها، فقالت له: ما الّذي تسمّي لي من الصداق؟ فقال لها: احتکمي ما بدا لک، فقالت: أنا محتکمة عليک ثلاثة آلاف

[صفحه 495]

درهم، و وصيفاً و خادماً، و قتل عليّ بن أبي طالب!!

فقال لها: لک جميع ما سألتِ، فأمّا قتل عليّ بن أبي طالب، فأنّي لي بذلک؟ فقالت: تلتمس غرّته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي و هنأک العيش معي، و إن قُتِلتَ فما عند اللَّه خير لک من الدنيا؟![1] .

و في الفصول المهمة: فمرّ في بعض الأيام بدار من دور الکوفة فيها عرس، فخرج منها نسوة، فرأي فيهنّ امرأة جميلة فائقة في حسنها، يقال لها: قطام بنت الأصبغ التميمي لعنها اللَّه، فهواها و وقعت في قلبه محبّتها، فقال لها: يا جارية، أيم أنت أم ذات بعل؟ فقالت: بل أيم.

فقال لها: هل لک في زوج لا تذمّ خلائقه، فقالت: نعم، و لکن لي أولياء اُشاورهم.فتبعها فدخلت داراً ثمّ خرجت إليه، فقالت: يا هذا، إنّ أوليائي أبوا أن يزوّجوني إلّا علي ثلاثة آلاف درهم و عبدٍ وقينةٍ.[2] قال: لک ذلک.

قالت: و شريطة اُخري. قال: و ما هي؟ قالت: قَتل عليّ بن أبي طالب، فإنّه قتل أبي و أخي يوم النهروان!! قال: ويحک و من يقدر علي قتل عليّ و هو فارس الفرسان و واحد الشجعان! فقالت: لا تکثر، فذلک أحبّ إلينا من المال، إن کنتَ تفعل ذلک و تقدر عليه، و إلّا فاذهب إلي سبيلک؟

فقال لها: أمّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلا، و لکن إن رضيتي ضَربتُه بسيفي ضربةً واحدةً و انظري ماذا يکون؟

قالت: رضيتُ، و لکن التمس غرّته لضربتک، فإن أصبته انتفعت بنفسک و بي، و إن هلکت فما عند اللَّه خير و أبقي من الدّنيا و زينة أهلها؟!

فقال لها: و اللَّه ما جاء بي إلي هذا المصر إلّا قتل عليّ بن أبي طالب!!

[صفحه 496]

قالت: فإذا کان الأمر علي ما ذکرت، دعني أطلب لک من يشدّ ظهرک و يساعدک؟ فقال لها: افعلي.

فبعثت إلي رجل من أهلها يقال له: وِردان، من تيم الرباب، فکلّمته فأجابها، و خرج ابن ملجم من عندها و هو يقول:


ثلاثة آلاف و عبدٌ وَقينةٌ
و قتلُ عليّ بالحسام المصمّم


فلا مهر أغلي من عليّ و إن غلا
و لا فتک إلّا دون فتک ابن ملجم[3] .


و جاء ابن ملجم إلي رجل من أشجع، يقال له: شبيب بن بجرة من الخوارج، فقال له: هل لک في شرف الدّنيا و الآخرة؟ قال: و کيف ذلک، قال: قتل عليّ بن أبي طالب، فقال له: ثکلتک اُمّک لقد جئتَ شيئاً إدّاً، کيف تقدر علي ذلک؟ قال: أکمنُ له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجينا شفينا أنفسنا و أدرکنا ثأرنا، و إن قُتِلنا فما عند اللَّه خير من الدّنيا و ما فيها، و لنا اُسوة في أصحابنا الّذين سبقونا.

فقال له: ويحک لو کان غير عليّ، و قد عرفت بلاءه في الإسلام و سابقته مع النبيّ صلي الله عليه و آله، و ما أجدُ نفسي تنشرح لقتله.

قال: ألم تعلم أنّه قتل أهل النهروان العبّاد المصلّين؟ قال بلي، قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا، فأجابه إلي ذلک، فجاءوا إلي قطام و هي في المسجد الأعظم معتکفة، و کان ذلک في شهر رمضان، فقالوا لها: قد صمّمنا، أجمع رأينا علي قتل عليّ بن أبي طالب.[4] .

قال أبوالفرج: فقالت قطام لهما: فإذا أردتما ذلک فالقياني في هذا الموضع، فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر

[صفحه 497]

رمضان سنة أربعين.[5] .

و قال المسعودي في تاريخه: فدعت قطام لهما بحرير فعصبتهما، و أخذوا أسيافهم و قعدوا مقابلين لباب السُدّة الّتي يخرج منها عليّ عليه السلام للمسجد، و کان عليّ عليه السلام يخرج کلّ غداة أوّل الأذان يوقظ النّاس للصّلاة، و کان ابن ملجم مرّ به الأشعث و هو في المسجد، فقال له: فضحک الصبح، فسمعها حجر ابن عديّ، فقال: قتلته يا أعور قتلک اللَّه.[6] .

و في (شرح ابن أبي الحديد) عن أبي مخنف، عن عبداللَّه بن محمّد الأزدي، قال: إنّي لأصلّي تلک اللّيلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر، کانوا يصلّون في ذلک الشهر من أوّل الليل إلي آخره، إذ نظرتُ إلي رجالٍ يصلّون قريباً من السُّدة قياماً و قعوداً، و رکوعاً، و سجوداً، ما يسأمون، إذ خرج عليهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام الفجر، فأقبل ينادي: «الصلاة الصلاة»، فرأيت بريقَ السيف، و سمعتُ قائلاً يقول: الحکم للَّه يا عليّ لا لک. ثم رأيتُ بريقَ سيفٍ آخر، و سمعت صوت عليّ عليه السلام يقول: «لا يفوتنّکُم الرجل».[7] .



صفحه 495، 496، 497.





  1. مقاتل الطالبيين، ص 19؛ رواه عنه ابن أبي الحديد في الشرح، ج 6، ص 115.
  2. القينة: الأمة.
  3. البيتان في مروج الذهب، ج 2، ص 423.
  4. الفصول المهمة، ص 133.
  5. مقاتل الطالبيين، ص 19.
  6. مروج الذهب، ج 2، ص 424.
  7. شرح ابن أبي الحديد، ج 6، ص 117.