في تسخير العملاء و شراء الذمم
[صفحه 486] و إنّما عمل معاوية لعنه اللَّه ذلک کي يدوم حکمه لبضعة أيّام اُخري، و لکي يتقرّب إلي قلوب النّاس، لأنّ ماضيّه الّذي لا يحسد عليه ليس فيه ميزة أو خصلة تجذب الجماهير إليه، کما أنّه لم يسجّل و لا موقفاً واحداً في عصر الرّسول الأکرم صلي الله عليه و آله يجعله ذا بال أو ممّن يشار إليه بالبنان، بل إنّه کان و أبوه من رؤوس الکفر و الإلحاد، لذا لم يجد له ما يقرّبه إلي قلوب النّاس سوي هذه الفعلة الّتي بقيت لعنة له و لمن تمسّک به علي طول التاريخ. لقد کانت القلوب متوجّهة صوب عليّ عليه السلام سيّما بعد الثورة الّتي أطاحت بعثمان، و ذلک لأنّ فضائل عليّ عليه السلام و مناقبه کانت قد ملأت العيون و المشاهد و الأسماع و ثبتت في قلوب المؤمنين قبل أن تسجّلها أقلامهم، لذا لم يجد معاوية بدّاً إلأ أن يسعي لأجل انتزاع هذا التوجّه و هذه المحبّة من قلوب النّاس، و أن يجعل من نفسه رجلاً محبوباً مقرّباً إلي نفوس الجماهير بشتّي الوسائل و الأساليب. نقل الشارح المعتزلي عن شيخه أبي جعفر الإسکافي[1] أنّه قال: إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة و قوماً من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في عليّ عليه السلام تقتضي الطعن فيه و البراءة منه، و جعل لهم علي ذلک جعلاً يُرغَبُ في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبوهريرة، و عمرو بن العاص، و المغيرة بن شعبة، و من التابعين عروة بن الزبير.[2] . أقول: لکنّ الشمس لا تُحجب بغربال، فشمس عليّ عليه السلام أبت إلّا أن تخرج من الظلام الّذي اصطنعه النواصب عَلي مدي التاريخ، و بقيت أشعّة فضائله و مناقبه عليه السلام تشرق علي الدُّنيا في کلّ العصور لتغطّيها بمکارم الأخلاق، و لعلّ [صفحه 487] المقارنة بين قبره عليه السلام و قبر معاوية خير شاهد علي ما نقول. و سنشير إلي نماذج من الأخبار الموضوعة من قبل معاوية و أتباعه لنتبيّن من خلالها عَلي مَظلوميّة أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام.
لقد سخّر معاوية عدداً من العملاء ممّن أعمت قلوبهم المادّة و تمسّکوا بحطام الدُّنيا و آثروه علي رضا الخالق العزيز، و قد بذل لهم معاوية الأموال الطائلة و المناصب العالية، مستغلاً کونهم ممّن أدرک عصر الرّسول الأکرم صلي الله عليه و آله أو أنّهم مقرّبون لأحد صحابته، و ذلک لکي يختلقوا الأحاديث و ينتحلوها علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مدّعين أنّه صلي الله عليه و آله قالها ذمّاً لعليّ عليه السلام.
صفحه 486، 487.