انتخاب الحَکَمَين
فقال لهم عليّ عليه السلام: «فإنّي لا أرضي بأبي موسي، و لا أري أن أُوَلّيه». فقال الأشعث، و زيد بن حُصين، و مِسعر بن فَدَکيّ في عصابة من القُرّاء: إنّا لا نرضي إلّا به، فإنّه قد کان حذّرنا ما وقعنا فيه. فقال عليّ عليه السلام: «فإنّه ليس لي برضي، و قد فارقني و خذّل النّاس عنّي، و هرب منّي حتّي أمّنتُه بعد أشهر، و لکن هذا ابن عبّاس اُولّيه ذلک». قالوا: و اللَّه ما نُبالي، أکنت أنت أو ابن عبّاس، و لا نُريد إلّا رجلاً هو منک و من معاوية سواء، ليس إلي واحد منکما بأدني من الآخر. قال عليّ عليه السلام: «فإنّي أجعل الأشتر». فقال الأشعث: و هل سعَّر الأرض علينا إلّا الأشتر! و هل نحن إلّا في حُکم الأشتر. قال عليّ عليه السلام: «و ما حکمه؟». قال: حکمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيف حتّي يکون ما أردتَ و ما أراد، و ساق الکلام إلي قوله: قال نصر: فقال عليّ عليه السلام:«قد أبيتُم إلّا أبا موسي!» قالوا: نعم. [صفحه 479] قال: «فاصنعوا ما شئتُم» فبعثوا إلي أبي موسي- و هو بأرض من أرض الشام، يقال لها عُرض[1] ، قد اعتزل القتال- فأتاه موليً له، فقال: إنّ النّاس قد اصطلحوا. فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين. قال: و قد جعلوک حکماً. فقال: إنّا للَّه و إنّا إليه راجعون.[2] . قال نصر بن مزاحم: فلمّا رَضي أهل الشام بعمرو بن العاص، و أهل العراق بأبي موسي، أخذوا في سطر کتاب الموادعة... و کُتب الکتاب يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع و ثلاثين، و اتفقوا علي أن يوافي أميرالمؤمنين عليٌ عليه السلام موضع الحکمين بدومة الجندل أو بأذرح[3] في شهر رمضان، الحديث.[4] .
و انصرف الأشعث إلي عليّ عليه السلام فأخبره (بمااتّفق عليه مع معاوية في أن يبعث أهل العراق رجلاً يرضون به، و يبعث أهل الشام رجلاً)، فبعث عليّ عليه السلام قُرّاءً من أهل العراق، و بعث معاوية قرّاءً من أهل الشام، فاجتمعوا بين الصّفّين و معهم المُصحف، فنظروا فيه و تدارسوا، و اجتمعوا علي أن يحُيوا ما أحيا القرآن، و يُميتوا ما أمات القرآن، و رجع کلّ فريق إلي صاحبه، فقال أهل الشام: إنّا قد رَضينا و اخترنا عمرو بن العاص، و قال الأشعث و القُرّاء الّذين صاروا خوارج فيما بعد: قد رَضينا نحن و اخترنا أبا موسي الأشعري.
صفحه 479.