مظلوميّته في الشوري
[صفحه 471] ابنُ أبي قُحافة، و إنّه لَيَعْلَمُ أنّ مَحليّ مِنها مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحي، يَنحِدرُ عَنّي السَّيل، وَ لا يَرْقَي إلَيّ الطير»، إلي أن قال: «فَصَبَرْتُ عَلي طُولِ المُدّةِ و شِدّة الِمحنَة حَتّي إذا مَضَي لِسبَيله، جَعَلها في جَماعَةٍ زَعَمَ أنّي أحَدُهُم، فَيَاللَّه و لِلشُّوري! مَتّي اعتَرضَ الرّيبُ فيَّ مَعَ الأوّلِ مِنْهُم؟ حتّي صِرْتُ اُقْرَنُ إلي هذهِ النَّظائِر، لکِنّي أسْفَفْتُ إذْ أسَفّوا، و طِرْتُ إذ طاروُا، فَصَغا رَجلٌ مِنهم لضغنه، وَ مَالَ الآخرُ لِصهره مع هَنٍ وَهنٍ إلي أنْ قامَ ثالثُ القَوم نافِجاً حِضْنيهِ» الخطبة.[1] . و علي هذا المنوال قال أيضا علي ما نسب إليه عليه السلام من الحکم في شرح ابن أبي الحديد:- «کنتُ في أيّام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کجزء من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ينظَر إليَّ النّاس کما ينظر إلي الکواکب في اُفقِ السّماء، ثمّ غضّ الدّهر منّي، فقرن بي فلان و فلان، ثمّ قرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلتُ: واذفراه[2] ، ثمّ لم يَرْضَ الدّهرلي بذلک، حتّي أرذلني، فجعلني نظيراً لابن هند و ابن النابغة! لَقد استنَّت الفصال حتّي القرعي».[3] . و في رسالته عليه السلام إلي معاوية بن أبي سفيان: «فياعجباً للدّهر، إذ صرتُ يُقرن بي مَن لم يَسْعَ بقَدَمي، و لم تکن له کسابقتي الّتي لا يُدلي أحدٌ بمثلها، إلّا أن يَدّعي مُدَّعٍ ما لا أعرفه، و لا أظنّ اللَّه يَعرفه، و الحمد للَّه علي کلِّ حال».[4] . و فيما يلي قصة الشوري التي تظهر فيها مظلومية عليّ عليه السلام جليّة. قال ابن أبي الحديد في شرحه: إنّ عمر لمّا طعنه أبولؤلؤة و علم أنّه ميّت، استشار فيمن يولّيه الأمر بعده، فاُشير عليه بابنه عبداللَّه، فقال: لاها اللَّه إذاً لا يليها [صفحه 472] رجلان من ولد الخطّاب، حسب عمر ما حُمِّل! حسب عمر ما احتقب[5] ، لاها اللَّه! لا أتحمّلها حيّاً و ميّتاً!. ثمّ قال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مات و هو راضٍ عن هذه السّتة من قريش: عليّ، و عثمان، و طلحة، و الزّبير، و سعد، و عبدالرحمن بن عوف، و قد رأيت أن أجعلها شوري بينهم ليختاروا لأنفسهم. ثمّ قال: اُدعوهم لي، فدعوهم، فدخلوا عليه و هو ملقيً علي فراشه يجود بنفسه، فنظر إليهم، فقال: اُکلّکم يطمع في الخلافة بعدي، فوجموا[6] فقال لهم ثانية، فأجابه الزّبير، و قال: و ما الّذي يُبعدنا منها! وليتها أنت فقمتَ بها، و لسنا دونک في قريش، و لا في السابقة، و لا في القرابة. قال الشيخ أبوعثمان الجاحظ: و اللَّه لولا عِلْمه أنّ عمر يموت في مجلسه ذلک، لم يُقدم علي أن يفوّه من هذا الکلام بکلمة، و لا أن تنفّس منه بلفظه، فقال عمر: أفلا أُخبرکُم عن أنْفُسکِم؟! قال: قل، فإنّا لو استعفيناک لم تُعفنا. ثمّ أقبل عمر إلي کلّ واحد من الستّة الحاضرين بين يديه، و خاطب القوم بکلمات جارحة، و ذمّهم ذمّاً شديداً إلّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام سوي قوله: للَّه أنت (يا عليّ) لولا دُعابة[7] فيک![8] أما و اللَّه لئن وليتَهم لتحملنّهم علي الحقّ الواضح و المحجّةالبيضاء- إلي أن قال-: اُدعوا إليَّ أباطلحة الأنصاري، فدعوه له، فقال: انظر يا أبا طلحة، اذا عدتم من حُفرتي، فکُن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي [صفحه 473] سيوفکم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله، و اجمعهم في بيت، وقف بأصحابک علي باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحداً منهم، فإن اتّفق خمسة و أبي واحد فاضرب عنقه، و إن اتّفق أربعة و أبي أثنان فاضرب أعناقهما، و إن اتّفق ثلاثة و خالف ثلاثة، فانظر الثلاثة الّتي فيها عبدالرحمن، فارجع إلي ما قد اتّفقت عليه، فإن أصرّت الثلاثة الاُخري علي خلافها فاضرب أعناقها، و إن مضت ثلاثة أيّام و لم يتفقوا علي أمر، فاضرب أعناق الستّة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم. فلمّا دُفنَ عمر، جَمَعهم أبوطلحة، و وقف علي باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار، حاملي سيوفهم، ثمّ تکلّم القوم و تنازعوا، فأوّل ما عمل طلحة أنّه أشهدَهم علي نفسه أنّه قد وهبَ حقّه من الشوري لعثمان، و ذلک لِعلمه أنّ النّاس لا يَعدِلون به عليّاً و عثمان، و أن الخلافة لا تخلُص له و هذان موجودان، فأراد تقوية أمر عثمان و إضعاف جانب عليّ عليه السلام بهبة أمر لا انتفاع له به، و لا تمکّن له منه. فقال الزّبير في معارضته: و أنا أشهدکم علي نفسي أنّي قد وهبتُ حقّي من الشوري لعليّ، و إنّما فعل ذلک لأنّه لمّا رأي عليّاً قد ضعُف و انخزل بهبة طلحة حقّه لعثمان، دخلته حميّة النَّسب، لأنّه ابن عمّة أميرالمؤمنين عليه السلام و هي صفيّة بنت عبدالمطلب، و أبوطالب خالُه. و إنّما مال طلحةُ إلي عثمان لانحرافه عن عليّ عليه السلام باعتبار أنّه تيميّ و ابن عمّ أبي بکر، و قد کان حصلَ في نفوس بني هاشم من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة، و کذلک صار في صدور تيم علي بني هاشم، و هذا أمرٌ مرکوز في طبيعة البشر، و خصوصاً طينة العرب و طباعها و التجربة إلي الآن تحقّق ذلک، فبقي من الستة أربعة. [صفحه 474] فقال سعد بن أبي وقاص: و أنا قد وهبتُ حقّي من الشّوري لابن عمّي عبدالرّحمن، و ذلک لأنّهما من بني زهرة، و لعلم سعد أنّ الأمر لا يتمّ له، فلمّا لم يبق إلّا الثلاثة، قال عبدالرحمن لعليّ و عثمان: أيکمّا يُخرج نفسه من الخلافة، و يکون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟ فلم يتکّلّم منهما أحد، فقال عبدالرحمن: أُشهدِکم أننّي قد أخرجتُ نفسي من الخلافة، علي أن أختار أحدهما، فأمسکا، فبدأ بعليّ عليه السلام و قال له: اُبايعک علي کتاب اللَّه، و سنّة رسول اللَّه، و سيرة الشيخين: أبي بکر و عمر. فقال: «بل علي کتاب اللَّه، و سنّة رسوله، و اجتهاد رأيي» فعدل عنه إلي عثمان، فعرض ذلک، عليه، فقال: نعم: فعاد إلي عليّ عليه السلام فأعاد قوله، فعل ذلک عبدالرحمن ثلاثاً، فلمّا رأي أنّ عليّاً عليه السلام غير راجع عمّا قاله، و أنّ عثمان يُنعم له[9] بالاجابة، صفّق علي يد عثمان، و قال: السّلام عليک يا أميرالمؤمنين، فيقال: إنّ عليّاً عليه السلام قال له: «و اللَّه ما فعلتها إلّا لأنّک رجوت منه ما رجا صاحبُکما من صاحبه، دقّ اللَّه بينکما عِطر مَنشِم[10] ». قيل: ففسد بعد ذلک (بدعاء علي عليه السلام) بين عثمان و عبدالرحمن، فلم يکُلّم أحدّهما صاحبه حتي مات عبدالرحمن.[11] . [صفحه 475]
إنّ مظلوميّة الإمام عليّ عليه السلام و شدّة تأثّره بعد عمر بن الخطاب في قضيّة الشوري تظهر جليةً في کلمات خطبته الشقشقية، حيث يقول: «أما و اللَّه لَقد تَقَمَّصَهَا
صفحه 471، 472، 473، 474، 475.