مظلوميته بعد رحلة رسول اللَّه
[صفحه 465] عبدالمطلب و جميع بني هاشم. و قالوا: إنّ الزّبير شهر سيفه، فلمّا جاء عمر و معه جماعة من الأنصار و غيرهم، قال في جملة ما قال: خذوا سيف هذا، فاضربوا به الحجر. و يقال: إنّه أخذ السيف من يد الزّبير فضرب به حجراً فکسره، و ساقهم کلّهم بين يديه إلي أبي بکر، فحملهم علي بيعته، و لم يتخلّف إلّا عليّ عليه السلام وحده، فإنّه اعتصم ببيت فاطمة عليهاالسلام، فتحاموا إخراجه منه قسراً، و قامت فاطمة إلي باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرّقوا و علموا أنّه بمفرده لا يضرّ شيئاً، فترکوه. و قيل: إنّهم أخرجوه فيمن اُخرج و حمل إلي أبي بکر فبايعه، إلي أن قال: فأمّا حديث التحريق و ما جري مجراه من الاُمور الفظيعة، و قول من قال: إنّهم أخذوا عليّاً عليه السلام يُقاد بعمامته و النّاس حوله، فأمر بعيدٌ، و الشيعة تنفرد به، علي أنّ جماعة من أهل الحديث قد رووه و سنذکر ذلک.[1] . و قال في موضع آخر من کتابه: فأمّا الاُمور الشنيعة المستهجنة الّتي يذکرها الشيعة من إرسال قنفذ إلي بيت فاطمة، و إنّه ضربها بالسوط فصار في عضدها کالدُملج، و بقي أثره إلي أن ماتت، و إنّ عمر ضغطها بين الباب و الجدار فصاحت: «يا أبتاه، يا رسول اللَّه» و ألقت جنيناً ميّتاً، و جعل في عنق عليّ عليه السلام حبلٌ يُقاد به، و هو يعتل، و فاطمة خلفه تصرخ و تنادي بالويل و الثبور، و ابناه حسن و حسين معهما يبکيان، و إنّ عليّاً لمّا اُحضر سلموه البيعة، فامتنع، فتهدّد بالقتل، فقال: «إذن تقتلون عبد اللَّه، و أخا رسول اللَّه!!». فقالوا: أمّا عبد اللَّه فنعم، و أمّا أخو رسول اللَّه فلا، و إنّه طعن في أوجههم بالنفاق، و سطر صحيفة الغدر الّتي اجتمعوا عليها، و بأنّهم أرادوا أن ينفّروا ناقة [صفحه 466] رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ليلة العقبة. قال ابن أبي الحديد: فکلّه لا أصل له عند أصحابنا، و لا يثبته أحد منهم، و لا رواه أهل الحديث و لا يعرفونه، و إنّما هو شيٌ تنفرد الشيعة بنقله.[2] . أقول: العجب من ابن أبي الحديد کيف ينکر حديث التحريق و ما بعده، و يزعم أنّه مّما انفردت به الشيعة، مع رواية الجوهري له، و کونه من الثقات المأمونين عند ابن أبي الحديد[3] ، و رواه غير واحد من رواتهم أيضاً مطابقاً لما روته الشيعة. فقد جاء في رواية أحمد بن عبدالعزيز الجوهري، أنّه قال: لّما بُويع لأبي بکر کان الزّبير و المقداد يختلفان في جماعة من النّاس إلي علّي عليه السلام، و هو في بيت فاطمة، فيتشاورون و يتراجعون اُمورهم، فخرج عمر حتّي دخل علي فاطمة عليهاالسلام و قال: يا بنت رسول اللَّه، ما من أحد من الخلق أحبُّ إلينا منک بعد أبيک، و ايم اللَّه ما ذاک بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندک أن آمر بتحريق البيت عليهم. فلمّا خرج عمر جاؤوها، فقالت: «تعلمون أنّ عمر جاءني، و حلف لي باللَّه إن عُدتم ليحرقنّ عليکم البيت، و ايم اللَّه ليمضينّ لما حلف له، فانصرفوا عنّا راشدين» فلم يرجعوا إلي بيتها، و ذهبوا فبايعوا لأبي بکر.[4] . و روي ابن أبي الحديد عن أحمد بن عبدالعزيز الجوهري أيضاً، قال: و کثر الناسُ علي أبي بکر، فبايعه معظمُ المسلمين في ذلک اليوم؛ و اجتمعت بنو هاشم إلي بيت عليّ بن أبي طالب، و معهم الزبير، و کان يعدّ نفسَه رجلاً من بني هاشم؛ کان عليّ يقول: «ما زال الزُّبير مِنّا أهلَ البيت؛ حتي نشأ بنوهُ، فصرفُوه عَنّا». [صفحه 467] و اجتمعتْ بنو أميّة إلي عثمان بن عفّان، و اجتمعت بنو زُهْرة إلي سعد و عبدالرحمن؛ فأقبل عمر إليهم و أبوعبيدة، فقال: مالي أراکم ملتاثِين؟ قوموا فبايعوا أبابکر؛ فقد بايع له الناس، و بايعه الأنصار. فقام عثمان و من معه،و قام سعد و عبدالرحمن و مَنْ معهما، فبايعوا أبابکر. و ذهب عمر و معه عِصَابة إلي بيت فاطمة، منهم أسيد بن حُضير و سلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايِعوا، فأبْوا عليه؛ و خرج إليهم الزُّبَير بسيفِه، فقال عمر: عليکم الکلْب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذَ السيفَ من يدِه فضرب به الجِدار، ثم انطلقوا به و بعليّ و معهما بنوهاشم، و عليّ يقول: أنا عبداللَّه و أخو رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؛ حتّي انتهوْا به إلي أبي بکر، فقيل له: بايعْ، فقال: أنا أحقُّ بهذا الأمر منکم، لا أُبايعکم و أنتم أوْلي بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، و احْتَجَجْتُم عليهم بالقرابة من رسول اللَّه، فأعطوْکم المقادَة، و سلَّموا إليکم الإمارة، و أنا أحتجُّ عليکم بمثل ما احتججتُم به علي الأنصار. فأنصفونا إن کنتم تخافُون اللَّه من أنفسِکم، و اعرِفوا لَنَا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لکم، و إلّا فَبؤوا بالظلم و أنتم تعلمون. فقال عمر: إنّک لستَ متروکاً حتي تبايع. فقال له عليّ: احلب يا عمر حلباً لک شطرُه! اشدُد له اليوم أمرَه ليردّ عليک غَداً! ألا و اللَّه لا أقبل قولَک و لا أُبايعه. إلي أن قال: فقال عليّ: يا معشرَ المهاجرين، اللَّه اللَّه! لا تخرِجوا سلطانَ محمد عن داره و بيته إلي بيوتکم و دورکم، و لا تدفعوا أهلَه عن مقامه في الناس و حَقّه؛ فواللَّه يا معشرَ المهاجرين، لَنَحْنُ- أهلَ البيت- أحقُّ بهذا الأمر منکم. أمَا کان منّا القاري ء لکتابِ اللَّه، الفقيه في دين اللَّه، العالم بالسنّة، المضطلع بأمر الرعية! و اللَّه إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوي، فتزدادوا من الحقّ بعداً. فقال بشير بن سعد: لو کان هذا الکلامُ سمعتهُ منک الأنصار يا عليّ قبل بيعتِهم [صفحه 468] لأبي بيکر؛ ما اختلف عليک اثنان؛ و لکنّهم قد بايعوا. و انصرف عليّ إلي منزله، و لم يبايع، و لزم بيتَه حتي ماتت فاطمة فبايَع [5] . وروي عن أحمد بن العزيز الجوهريّ أيضاً: حدّثنا أحمد و قال: حدثنا ابن عفير، قال: حدّثنا أبوعوف عبداللَّه بن عبدالرحمن، عن أبي جعفر محمد بن عليّ رضي اللَّه عنهما، أنّ عليّاً حَمَل فاطمة علي حمار، و سار بها ليلاً إلي بيوت الأنصار؛ يسألهم النصرة، و تسألهم فاطمة الانتصار له، فکانوا يقولون: يا بنتَ رسول اللَّه، قد مضت بيعتُنا لهذا الرجل؛ لو کان ابنُ عمّک سبق إلينا أبابکر ما عَدَلْنا به؛ فقال عليّ: أکنت أترکُ رسولَ اللَّه ميِّتاً في بيته لا أُجهّزه، و أخرجُ إلي الناس أُنازعهم في سلطانه! و قالت فاطمة: ما صنع أبوحسن إلا ما کان ينبغي له، و صنعوا هم ما اللَّه حسبهم عليه[6] . و قال ابن عبد ربّه في (العقد الفريد) في الذين تخلفوا عن بيعة أبي بکر: علي، و العباس، و الزبير، و سعد بن عبادة، فأمّا علي و العباس و الزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتي بعث إليهم أبوبکر عمربن الخطاب ليُخرجهم من بيت فاطمة و قال له: إن أبوا فقاتِلهم، فأقبل بقبسٍ من نار علي أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت: «يابن الخطاب، أجئت لتُحرق دارنا؟». قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الاُمة... الحديث[7] . ثمّ نقل ابن عبد ربه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: لم يُبايع [صفحه 469] عليٌّ عليه السلام أبابکر حتّي ماتت فاطمة، و ذلک بعد ستة أشهر من موت أبيها صلي الله عليه و آله[8] . و قال ابن قتيبة الدينوري: و خرج عليّ عليه السلام يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علي دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، و کانوا يقولون: يا بنت رسول اللَّه، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، و لو أنّ زوجک و ابن عمک سبق إلينا قبل أبي بکر ما عدلنا به. فيقول عليّ عليه السلام: «أفکنت أدع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في بيته لم أدفنه و أخرج اُنازع الناس سلطانه؟!». فقالت فاطمة: «ما صنع أبوالحسن إلّا ما کان ينبغي له، و لقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم و طالبهم» و ساق الکلام إلي أن قال - بعد ذکر عدم بيعة عليّ عليه السلام-: فأتي عمر أبابکر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنک بالبيعة؟ فقال أبوبکر لقنفذ[9] - و هو مولي له-: اذهب فادع لي عليّاً. قال: فذهب إلي عليّ عليه السلام فقال له: «ما حاجتک». فقال (قنفذ): يدعوک خليفة رسول اللَّه. فقال عليّ عليه السلام: «لسريع ما کذبتم علي رسول اللَّه» فرجع فأبلغ الرّسالة، قال: فبکي أبوبکر طويلاً، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلّف عنک بالبيعة. فقال أبوبکر لقُنفذ: عُد إليه، فقل له: خليفة رسول اللَّه يدعوک لتبايع، فجاءه قنفذ، فأدّي ما أمر به، فرفع عليّ عليه السلام صوته فقال: «سُبحان اللَّه! لقد ادّعي ما ليس له» فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، فبکي أبوبکر طويلاً، ثمّ قام عمر فمشي و معه جماعة حتّي أتوا باب فاطمة عليهاالسلام فدقّوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلي صوتها: «يا أبت، يا رسول اللَّه، ماذا لقينا بعدک من ابن الخطّاب، و ابن أبي قحافة». [صفحه 470] فلمّا سمع القوم صوتها و بکاءها انصرفوا باکين، و کادت قلوبهم تنصدع و أکبادهم تنفطر، و بقي عمر و معه قوم، فأخرجوا عليّاً عليه السلام فمضوا به إلي أبي بکر، فقالوا له: بايع، فقال: «إن أنا لم أفعل فمه؟». قالوا: إذاً و اللَّه الّذي لا إله إلّا هو نضرب عنقک. فقال: «إذاً تقتلون عبداللَّه، و أخا رسوله!!». قال عمر: أمّا عبداللَّه، فنعم، و أمّا أخو رسوله فلا، و أبوبکر ساکت لا يتکلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرک؟ فقال: لا اُکرهه علي شي ء ما کانت فاطمة إلي جنبه، فلحق عليّ عليه السلام بقبر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يصيح و يبکي و ينادي: «يا ابن اُمّ، إنّ القوم استضعفوني و کادوا يقتلونني».[10] . إذن فما رواه الشيعة لم ينفردوا به، بل هو مطابق لما رواه کثير من المؤرخين، هذا و لو استعرضنا جميع أقوالهم في هذا المجال لطال بنا المقام، لذا نکتفي بما ذکرناه، و نحيل القاري الکريم إلي المظانّ التاريخية التي تکفّلت بذکر تلک الأحداث العظيمة من تاريخنا الاسلامي.[11] .
قال الشارح المعتزلي: إختلفت الروايات في قصّة السقيفة، فالّذي تقوله الشيعة-و قد قال قوم من المحدثين بعضه و روواه کثيراً منه-: إنّ عليّاً عليه السلام امتنع من البيعة حتّي اُخرج کرهاً، و إنّ الزّبير بن العوام امتنع من البيعة، و قال: لا اُبايع إلّا عليّاً عليه السلام، و کذلک أبوسفيان بن حرب، و خالد بن سعيد بن العاص بن اُميّة بن عبد شمس، و العبّاس بن عبد المطلب و بنوه، و أبوسفيان بن الحارث بن
صفحه 465، 466، 467، 468، 469، 470.