الحديبية











الحديبية



الظاهر من الروايات أن نظام تدبير هذه الغزاة متعلّقاً بأميرالمؤمنين عليه السلام، و کان ماجري فيها من البيعة و صفّ الناس للحرب، ثمّ الهدنة و الکتاب کلّه لأميرالمؤمنين عليه السلام، و کان فيما هيّأه اللَّه تعالي له من ذلک حقن الدماء و صلاح أمر الاسلام، و فيما يلي بعض الأخبار في ذلک:

1- قال اليعقوبي ما ملخصه: خرج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: في السادس من الهجرة و هو يريد العمرة، و معه ناس من أصحابه، و ساق من الهدي سبعين بدنه، و ساق أصحابه أيضاً، فصدّته قريش عن البيت، فقال صلي الله عليه و آله: ما خرجت أُريد قتالاً، و إنّما أردت زيارة هذا البيت، و قد کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله رأي في المنام أنّه دخل البيت و حلق رأسه و أخذ المفتاح، فبعثت قريش بعروة بن مسعود، فکلّم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ، فقال له: يا عروة، أفي اللَّه أن يصدّ هذا الهدي عن هذا البيت؟ فانصرف إليهم عروة، فقال: تاللَّه ما رأيت مثل محمد لما جاء له، فبعثوا إليه سهيل بن عمرو فکلّم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و أرفقه، و قال: نخلّيها لک من قابل ثلاثة أيام، فأجابهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، و کتبوا بينهم کتاب الصلح ثلاث سنين.

و تنازعوا بالکتاب، لمّا کتب «بسم اللَّه الرحمن الرحيم: من محمد رسول اللَّه»

[صفحه 59]

حتي کادوا أن يخرجوا إلي الحرب، قال سهيل بن عمرو و المشرکون: لو علمنا أنّک رسول اللَّه ما قاتلناک! و قال المسلمون: لا تمحها، فأمر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن يکفّوا و أمر عليّاً عليه السلام فکتب «بسمک اللّهم: من محمد بن عبد اللَّه» و قال: «اسمي و اسم أبي لا يذهبان بنبوتي».[1] .

2- و روي الخطيب و غيره من مورخي أهل السنة، عن أبي کلثوم عن ربعي بن خراش، قال: سمعت علياً عليه السلام يقول و هو بالمدائن: «جاء سهيل بن عمرو إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: إنه قد خرج إليک ناس من أرقّائنا، فأرددهم علينا، فقال له أبوبکر و عمر: قد صدق يا رسول اللَّه! فقال صلي الله عليه و آله: لن تنتهوا يا مشعر قريش حتي يبعث اللَّه عليکم رجلاً امتحن اللَّه قلبه بالايمان يضرب أعناقکم، و أنتم مجفلون عنه إجفال النعم». فقال أبوبکر: أنا هو يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال له عمر: أنا هو يا رسول اللَّه؟ قال: لا، و لکنه خاصف النعل. قال: و في کفّ عليّ نعل يخصفها لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله».[2] .

3- و ممّا جري في هذه الغزوة ما أخرجه الحاکم في المستدرک، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: کنا مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فانقطعت نعله، فتخلّف عليّ يخصفها، فمشي قليلاً ثمّ قال: «إن منکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله»، فاستشرف لها القوم، و فيهم أبوبکر و عمر، قال أبوبکر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، و لکن خاصف النعل، يعني علياً، فأتيناه فبشّرناه، فلم يرفع به رأسه، کأنه قد کان سمعه من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، قال: هذا حديث صحيح علي

[صفحه 60]

شرط الشيخين، و لم يخرجاه.[3] .

4- و في الکامل لابن الأثير: بعثت قريش سهيل بن عمرو إلي النبي صلي الله عليه و آله ليصالحه علي أن يرجع عنهم عامَه ذلک، فأقبل سهيل إلي النبي و أطال معه الکلام و تراجعا، ثمّ جري بينهم الصلح، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علي بن أبي طالب فقال: «اکتب باسم اللَّه الرحمن الرحيم». فقال سهيل: لا نعرف هذا، و لکن اکتب: باسمک اللّهم، فکتبها، ثمّ قال: «اکتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه سهيل بن عمرو». فقال سهيل: لو نعلم أنّک رسول اللَّه لم نقاتلک، و لکن اکتب اسمک و اسم أبيک. فقال لعليّ: «امحُ رسول اللَّه». فقال: «لا أمحوک أبداً». فأخذه رسول اللَّه و ليس يحسن يکتب، فکتب موضع رسول اللَّه: محمد بن عبد اللَّه، و قال لعليّ: لَتبلَينَّ بمثلها- اصطلحا علي وضع الحرب عن الناس عشر سنين، و أنّه من أتي منهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بغير إذن وليّه ردّه إليهم، و من جاء قريشاً ممن مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لم يردّوه عليه، و من أحبّ أن يدخل في عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دخل، و من أحبّ أن يدخل في عهد قريش دخل، فدخلت خزاعة في عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، و دخلت بنوبکر في عهد قريش، و أن يرجع رسول اللَّه عنهم عامه ذلک، فإذا کان عام قابل خرجنا عنک. فدخلتها بأصحابک، فأقمت بها ثلاثاً، و سلاح الراکب السيوف في القرب.

إلي أن قال: فما فتح في الاسلام قبله فتح کان أعظم منه، حيث أمن الناس کلهم، فدخل في الاسلام تينک السنتين مثل ما دخل فيه قبل ذلک و أکثر.[4] .

[صفحه 61]



صفحه 59، 60، 61.





  1. تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 54.
  2. تاريخ بغداد، ج 1، ص 133؛ باختلاف يسير، کفاية الطالب، ص 96؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 297؛ شرح ابن أبي الحديد، ج 3، ص 206.
  3. المستدرک، ج 3، ص 122؛ مسند أبي يعلي الموصلي، ج 2، ص 341؛ مسند أحمد، ج 3، ص 82.
  4. الکامل في التاريخ، ج 1، ص 585، تاريخ الطبري، ج 2، ص 281؛ و راجع: السيرة النبوية، لابن هشام ج 3، ص 331.