الخندق (الأحزاب)











الخندق (الأحزاب)



وقعت غزوة الخندق- و يقال لها غزوة الأحزاب- في شوال سنة خمس من الهجرة، و کانت قريش تبعث إلي اليهود و سائر القبائل من کنانة و تهامة و غيرهم، فتحرّضهم علي قتال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

فلمّا سمع بهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و ما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق علي المدينة باشارة سلمان الفارسي قبل قدومهم بثلاثة أيام، و أقبلت قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب في عشرة آلاف من أحابيشهم و من تبعهم حتي نزلوا إلي جنب أُحد، فلمّا نظروا إلي الخندق أنکروا ذلک، و قالوا: ما کانت العرب تعرفه قبل ذلک، و خرج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في ثلاثة آلاف من المسلمين، و جعلوا ظهورهم إلي «سلع»[1] فضرب هنالک عسکره، و الخندق بينه و بين القوم.[2] .

وفيما يلي بعض أخبار المعرکة:

1- روي أهل السير و التاريخ: أنّه بقي المشرکون محاصرين المدينة قريباً

[صفحه 55]

من شهر، و لم يکن بينهم قتال إلّا الرمي بالنبل و الحصي، ثمّ إنَّ فوارس من قريش في هذه الأيام، منهم: عمرو بن عبدودّ و أربعة نفر من فرسان المشرکين: عکرمة بن أبي جهل، و نوفل بن عبداللَّه بن المغيرة، و هبيرة بن أبي وهب، و ضرار بن الخطاب الفهري، خرجوا علي خيولهم، و اجتازوا ببني کنانه، و قالوا: تَجهّزوا للحرب، و ستعلمون مَن الفرسان، و کان عمرو بن عبدودّ قد شهد بدراً کافراً و قاتل حتي کثرت الجراح فيه، فلم يشهد أُحداً، و شهد الخندق مُعلِماً حتي يُعرف مکانه، و أقبل هو و أصحابه حتي وقفوا علي الخندق، ثمّ تيمّموا مکاناً ضيقاً فاقتحموه، فجالت بهم خيولهم في السبخة بين الخندق و سلع.[3] .

2- و في السيرة للحلبي: و قال عمرو: من يبارز؟ فقام علي عليه السلام و قال: «أنا له يا نبيّ اللَّه». فقال صلي الله عليه و آله له: «اجلس إنّه عمرو بن عبدودّ» ثمّ کرر عمرو النداء، و جعل يوبَّخ المسلمين و يقول: أين جنّتکم التي تزعمون أنّه مَن قُتِل منکم دخلها: أفلا يبرزنّ لي رجلاً! و أنشد أبياتا، فقام علي عليه السلام فقال: «أنا له يا رسول اللَّه». فقال صلي الله عليه و آله له: «اجلس إنّه عمرو بن عبدودّ». ثمّ نادي الثالثة، فقام علي عليه السلام فقال: «أنا له يا رسول اللَّه»، فقال: «إنه عمرو». فقال: «و إن کان عمراً»، فأذن له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، و أعطاه سيفه ذا الفقار، و ألبسه درعه الحديد، و عمّمه بعمامته، و قال: «اللّهم أعنه عليه» و في لفظ قال: «اللّهم هذا أخي و ابن عمي، فلا تذرني فرداً و أنت خير الوارثين».[4] .

فمشي إليه علي عليه السلام فقال له: «يا عمرو، إنک عاهدت أن لا يدعوک رجل من قريش إلي خصلتين إلّا أخذت إحداهما؟» قال: أجل، قال له علي عليه السلام: «فإنّي أدعوک إلي اللَّه و الإسلام». قال: لا حاجة لي بذلک. قال: «فانّي أدعوک إلي النِّزال»،

[صفحه 56]

قال: و اللَّه، ما اُحبُّ أن أقتلک. قال علي عليه السلام: «و لکنّي اُحبُّ أن أقتلک»، فحمي عمرو عند ذلک، فنزل عن فرسه و عقره، ثمّ أقبل علي علي عليه السلام فتجاولا، و قتله علي عليه السلام، و خرجت خيلهم منهزمة، و قُتل مع عمرو رجلان، قتل علي عليه السلام أحدهما، و أصاب آخر سهم فمات منه بمکة.[5] .

3- و قال الحلبي في سيرته أيضاً: فاقتحم عمرو عن فرسه و سلّ سيفه کأنّه شعلة نار، فعقر فرسه، و ضرب وجهه، و أقبل علي علي عليه السلام فاستقبله عليّ بدرقته، فضربه عمرو فيها، فقَدّها و أثبت فيها السيف، و أصاب رأسه فشجّه، فضربه علي عليه السلام علي حبل عاتقه فسقط، و کبّر المسلمون، فلمّا سمع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله التکبير عرف أنَّ علياً عليه السلام قتل عمراً لعنه اللَّه، و عنذ ذلک قال صلي الله عليه و آله: «قتل عليّ لعمرو بن عبدودّ أفضلُ مِن عبادة الثقلين».[6] .

4- و فيه عن تفسير الفخر الرازي: أنّه صلي الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام بعد قتله لعمرو بن عبدودّ: «کيف وجدت نفسک معه يا علي؟ قال: وجدته لو کان أهل المدينة کلهم في جانب و أنا في جانب، لقدرت عليهم».[7] .

5- و في شرح ابن أبي الحديد: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين برز علي عليه السلام إلي حرب عمرو: «بَرز الإيمانُ کلّهُ إلي الشرکِ کلِّه».[8] .

6- و في مستدرک الحاکم، قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في شأنه عليه السلام: «لمبارزه علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمتي إلي يوم

[صفحه 57]

القيامة».[9] .

و بالجملة أنَّ قتله عليه السلام عمرو بن عبدودّ و من معه من الفرسان، کان قد أدّي إلي هزيمة المشرکين مع ما أصابهم من الريح و البرد، و أدّي إلي خوفهم من أن يعودوا إلي التفکير في الغزو، فرجعوا إلي مکة منهزمين يجرّون أذيال الخيبة و الخسران.

[صفحه 58]



صفحه 55، 56، 57، 58.





  1. جبل بالمدينة.
  2. انظر الکامل في التاريخ، ج 1، ص 569؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 234؛ السيرة النبوية لابن هشام، ج3، ص 230؛ تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 50؛ السيرة الحلبية، ج 2، ص 234.
  3. انظر: الکامل في التاريخ، ج 1، ص 570 و المصادر السابقة.
  4. السيرة الحلبية، ج 2، ص 641.
  5. الکامل في التاريخ، ج 1، ص 570؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 239؛ سيرة ابن هشام، ج 3، ص 236؛ السيرة الحلبية، ج 2، ص 642.
  6. السيرة الحلبية، ج 2، ص 642.
  7. نفس المصدر، ص 643.
  8. شرح ابن أبي الحديد، ج 19، ص 61.
  9. مستدرک الحاکم، ج 3، ص 32.