سيرته في الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر
و قد بلغت هذه الفريضة من الأهمية حدّاً جَعلها أميرالمؤمنين عليه السلام فوقَ الجهاد و جميع أعمال البِرّ بمراتب، فقال عليه السلام في نهج البلاغة: «و ما أعمالُ البرّ کلّها و الجهادُ في سبيل اللَّه عند الأمر بالمعروف و النهي عن المُنکر إلّا کنفثةٍ[1] [صفحه 419] بحرٍ لُجيٍّ[2] ، و إنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنکر لا يُقرّبان من أجل و لا ينقُصان من رزقٍ، و أفضل من ذلک کلِّه کلمةُ عدلٍ عند إمامٍ جائرٍ».[3] . و عدّهما عليه السلام في موضعٍ آخر من نهج البلاغة من شُعَب الجهاد، فعن أبي جُحيفة، قال: سمعتُ أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: «إنّ أوّل ما تُغلَبُونَ عليه من الجهاد، الجهادُ بأيديکم، ثمّ بألسنتکم، ثمّ بقلوبکم، فمن لم يَعرف بقلبه مَعروفاً و لم يُنکر منکراً، قُلِبَ فَجُعل أعلاهُ أسفلَه و أسْفلُهُ أعلاهُ».[4] . و السّر في ذلک أنّ قوام کلّ الفرائض و بقاءها رهينٌ بإقامة هاتين الفريضتين، مضافاً إلي أنّ الجهاد کفاح خارجيٌّ، و لا أثر له و لا أهميّة ما لم يصلح الداخل، فالواجب أوّلاً تطهير الداخل و إصلاحه، ثمّ الإقدام علي إصلاح الخارج.[5] .
إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر من أهمّ الفرائض الّتي حثَّ عليهما القرآن و السنّة، بل عليهما يبتني بقاء أساس الدّين و استمرار الرّسالة النّبوية و حفظ نظام المسلمين، و هذه الفريضة شُرّعت لجميع المسلمين، و هي باقية إلي يوم القيامة، و قد اعتبر جميع المسلمين مسؤولين إجمالاً عن تطبيقها و نشرها و حفظها، و من هنا کان علي الاُمّة الاسلامية و خصوصاً إمامها و ممثّلها أن تراقب بکلّ وجودها أوضاع المجتمع، و أن تجدّ في نشر المعروف و بذر الخير، و تعمل علي قلع جذور الشرّ و إنکاره.
صفحه 419.