منها: توبيخ عثمان بن حنيف











منها: توبيخ عثمان بن حنيف



في (نهج البلاغة): من کتاب له عليه السلام إلي عثمان بن حنيف الأنصاري، و هو عامله علي البصرة، و قد بلغه أنّه دُعي إلي وليمة قومٍ من أهلها فمضي إليها: «أمّا بعد: يابن حنيف، فقد بلغني أنّ رجلاً من فِتية أهل البَصرة دَعَاک إلي مأدبَةٍ، فأسرعت إليها تستطاب لک الألوان، و تُنقل إليک الجفان، و ما ظننتُ أنّک تجيب إلي طعام قومٍ عَائِلُهم مَجفوّ، و غَنيُّهم مَدْعوُّ، فانْظرإلي ما تَقضِمه مِن هذا المقضم، فما اشتبه عليک علمهُ فالفِظه، و ما أيقنتَ بطيب وَجِهه فنَل منه.

ألا و إنَّ لکلّ مأموم إماماً يقتدي به، و يستضي ء بنور علمه، ألا و إنّ إمامکم قد اکتفي مِن دنياه بِطمريه، و من طُعمِه بقُرصَيه، ألا و إنّکم لا تقدرون علي ذلک،و لَکن أعينُوني بِورعٍ و اجتهادٍ، وَ عِفّةٍ و سَداد، فَو اللَّه ما کنزتُ من دنياکُم تِبراً،

[صفحه 408]

و لا ادّخرتُ من غَنائِمها وفراً، و لا أعددتُ لبالي ثَوبي طمراً».

إلي أن قال: «و لو شِئتُ لاهتديتُ الطّريقَ إلي مُصفّي هذا العسَل، و لُبابِ هذا القمح، و نَسَائِج هذا القزّ، و لکن هيهات أن يَغلبني هوايَ و يقودني جشَعي إلي تَخَيُّر الأطعمة، و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طَمع لهَ في القُرص و لا عَهْدَ له بالشِبع! أو أبيتَ مِبطاناً و حَولي بُطون غَرثي و أکبادٌ حَرّي! أو أکون کما قال القائل:


وَ حَسبُک داءً أن تبيت ببطنة
وَ حَولَک أکبادٌ تحِنّ إلي القِدّ


أأقنعُ من نفسي بأن يقال: أميرالمؤمنين، و لا اُشارِکهُم في مکاره الدَّهر، أو أکون اُسوة لهم في جشُوبَة العيش؟» الحديث.[1] .

و في تعليقة (إحقاق الحقّ) روي عن الهمداني في (ذخيرة الملوک): أنّ عليّاً عليه السلام عزله عن الحکومة.[2] .

فتأمّل في هذا الکتاب الشريف، و انظر إلي سيرة أميرالمؤمنين عليه السلام في مطعمه و ملبسه حينما کان متصدّياً للولاية العامة، و کانت في قبضته الأموال العامّة و بيت مال المسلمين، و انظر إلي أنّه مع کون المسافة بين الکوفة و البصرة مسافة بعيدة، و لم تکن توجد في تلک الأعصار ما يوجد اليوم من أجهزة الاتصالات، کيف کان أميرالمؤمنين عليه السلام يتطلع علي أحوال اُمرائه و عمّاله، و کيف کان يناقشهم في اُمور جزئيّة تبلغه عنهم.



صفحه 408.





  1. نهج البلاغة، الکتاب 45.
  2. الإِحقاق، ج 8، ص 549.