اُحد











اُحد



کانت وقعة اُحد في شوال بعد بدر بسنة، و أعطي النبي صلي الله عليه و آله الراية- و هي العلم الأکبر- علي بن أبي طالب، و قُتل فيها حمزة سيد الشهداء أسد اللَّه و أسد رسوله.

و قد ذکر المورخون: أنَّ قتلي أحد من المشرکين جمهورهم قتلي علي بن أبي طالب عليه السلام، و کان الفتح له بمقامه يذبّ عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دون غيره، و توجّه العتاب من اللَّه إلي کافتهم لهزيمتهم يومئذٍ سواه و من ثبت معه من رجال الأنصار، و فيما يلي بعض أقوال المورخين في وصف المعرکة و دور أميرالمؤمنين عليه السلام فيها:

1- جاء في رواية الطبري: و قاتل مصعب بن عمير دون رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و معه لواؤه حتي قتل، و کان الذي أصابه ابن قميئة الليثي و هو يظنّ أنّه رسول اللَّه، فرجع إلي قريش، فقال: قتلت محمّداً، فلمّا قتل مصعب بن عمير، أعطي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله اللواء عليّ بن أبي طالب، الحديث.[1] .

[صفحه 50]

2- و قال ابن الأثير: فلما فارق بعض الرماة مکانهم، رأي خالد بن الوليد قلّة من بقي من الرماة، فحمل عليهم فقتلهم، و حمل علي أصحاب النبي صلي الله عليه و آله من خلفهم، فلما رأي المشرکون خيلهم تقاتل، تبادروا فشدّوا علي المسلمين، فهزموهم و قتلوهم، و قد کان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء، فبقي مطروحاً لايدنو منه أحد، فأخذته عمرة بنت علقمه الحارثية فرفعته، فاجتمعت قريش حوله، و أخذه صوأب فقتل عليه، و کان الذي قتل أصحاب اللواء علي عليه السلام، قاله أبورافع.

قال: فلمّا قتلهم أبصر النبي صلي الله عليه و آله جماعة من المشرکين فقال لعلي عليه السلام: احمل عليهم، ففرّقهم و قتل فيهم، ثمّ أبصر جماعة اُخري فقال له: احمل عليهم، فحمل عليهم و فرّقهم و قتل فيهم، فقال جبرئيل: يا رسول اللَّه، هذه المواساة! فقال رسول اللَّه: إنّه منّي و أنا منه، فقال جبرئيل: و أنا منکما، قال: فسمعوا صوتاً:


لا سيف إلّا ذوالفقار
و لا فتي إلّا علي


و کُسرت رباعية رسول اللَّه السفلي، و شُقّت شفته، و کُلِم في وجنته و جبهته في أُصول شعره، و علاه ابن قميئة بالسيف، و کان هو الذي أصابه. إلي أن قال: و قاتل مصعب بن عمير و معه لواء المسلمين فقُتِل، قتله ابن قمئة الليثي، و هو يظن أنّه النبيّ صلي الله عليه و آله، فرجع إلي قريش و قال: قتلتُ محمداً، فجعل الناس يقولون: قُتِل محمد، قُتِل محمد، و لمّا قُتِل مصعب أعطي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله اللواء علي بن أبي طالب عليه السلام.[2] .

لمّا انتشر قتل محمد صلي الله عليه و آله فرّ معظم الأصحاب حتي عمر بن خطاب و عثمان ابن عفان من المعرکة و بقي علي عليه السلام و ثلّة من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

[صفحه 51]

3- و روي أکثر المورخين منهم: ابن هشام و الطبري و ابن الأثير بأسانيدهم، عن أنس بن النضر- عم أنس بن مالک- أنه انتهي إلي عمر بن الخطاب و طلحة بن عبيداللَّه في رجال من المهاجرين و الأنصار، و قد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يجلسکم؟ قالوا: قُتل محمد رسول اللَّه! قال: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا علي مامات عليه رسول اللَّه، ثمّ استقبل القوم فقاتل حتي قُتِل، و به سمّي أنس بن مالک.[3] .

4- و عن ابن الأثير: قيل: إنّ أنس بن النضر سمع نفراً من المسلمين يقولون، لما سمعوا أنّ النبي صلي الله عليه و آله قتل: ليت لنا مَن يأتي عبداللَّه بن اُبيّ بن سلول ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان قبل أن يقتلونا، فقال لهم أنس: يا قوم، إن کان محمد قد قتل فانّ ربَّ محمد لم يُقتل، فقاتلوا علي ما قاتل عليه محمدٌ، اللّهم إني أعتذر أليک مما يقول هؤلاء، و أبرأ إليک مما جاء به هؤلاء! ثمّ قاتل حتي قتل.[4] .

5- و عنه أيضاً قال: و انتهت الهزيمة بجماعة المسلمين، فيهم عثمان بن عفان و غيره إلي الأعوص، فأقاموا به ثلاثاً، ثمّ أتوا النبي صلي الله عليه و آله فقال لهم حين رآهم: لقد ذهبتم فيها عريضة.[5] .

6- و قال الرازي في تفسيره: و من المنهزمين عمر،. .. و منهم أيضاً عثمان، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد و عقبة، انهزموا حتي بلغوا موضعاً بعيداً، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيام، فقال لهم النبي صلي الله عليه و آله: لقد ذهبتم فيها عريضة.[6] .

[صفحه 52]

7- و قال ابن أبي الحديد المعتزلي في قتال علي عليه السلام بين يدي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وحده: لمّا فرّ معظم أصحابه عنه يوم اُحد، کثرت عليه کتائب المشرکين، و قصدته کتيبة من بني کنانة، فيها بنو سفيان بن عويف و هم خالد و أبو الشعثاء و أبو الحمراء و غراب، فقال: «يا عليّ أکفني هذه الکتيبة» فحمل عليها و إنّها لتقارب خمسين فارساً و هو عليه السلام راجل، فما زال يضرب فيها بالسيف حتّي تتفرّق عنه، ثمّ يجتمع عليه هکذا مراراً حتّي قتل بني سفيان بن عويف الأربعة و تمام العشرة منها ممّن لا يعرفون بأسمائهم.

ثمّ قال أيضاً: و لمّا انهزم النّاس عن النبيّ صلي الله عليه و آله في يوم اُحد و ثبت أميرالمؤمنين عليه السلام، قال له النّبي: «ما لک لا تذهب مع القوم؟»، قال أميرالمؤمنين: «أذهب و أدَعُکَ، يا رسول اللَّه؟!!، و اللَّه لا برحت حتّي اُقتل أو ينجز اللَّه لک ما وعدک من النصرة» فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «أبشر يا عليّ، فإنّ اللَّه منجز وعده، و لن ينالوا منّا مثلها أبداً».

ثمّ نظر إلي کتيبة قد أقبلت إليه فقال: «لو حملتَ علي هذه يا علي» فحمل أميرالمؤمنين عليه السلام عليها، فقتل منها هشام بن أُمية المخزومي و انهزم القوم، ثم أقبلت کتيبة اُخري، فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «احمل علي هذه» فحمل عليهم، فقتل منها عمرو بن عبد اللَّه الجمحي، و انهزمت أيضاً.

ثمّ أقبلت کتيبة اُخري، فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «احمل علي هذه» فحمل عليها، فقتل بشر بن مالک العامري، و انهزمت الکتيبة، و لم يعد بعدها منهم، و تراجع المنهزمون من المسلمين إلي النبيّ صلي الله عليه و آله.[7] .

و بقي علي عليه السلام معه صلي الله عليه و آله في کلّ همومه و في کلّ مواقف الشدّة و العسرة.

[صفحه 53]

8- و قال ابن هشام: فلمّا انتهي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي فم الشعب خرج علي بن أبي طالب عليه السلام! حتي ملأ دَرَقته ماءً من المهراس، فجاء به إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ليشرب منه، فوجد له ريحاً، فعافه، فلم يشرب منه، و غسل عن وجهه الدم، و صبّ علي رأسه، و هو يقول: اشتدّ غضب اللَّه علي من دَمَّي وجه نبيّه.[8] .

[صفحه 54]



صفحه 50، 51، 52، 53، 54.





  1. تاريخ الطبري، ج 2، ص 199.
  2. الکامل في التاريخ، ج 1، ص 551.
  3. السيرةالنبوية لابن هشام، ج 3، ص 88؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 199؛ الکامل في التاريخ، ج 1، ص 553.
  4. الکامل في التاريخ، ج 1، ص 553.
  5. نفس المصدر، ص 554.
  6. تفسير الرازي، ج 9، ص 50.
  7. شرح ابن أبي الحديد، ج 14، ص 250.
  8. سيرة ابن هشام، ج 3، ص 90.