سيرته مع عمّاله











سيرته مع عمّاله



کان عليّ عليه السلام حاکماً بالحقّ عادلاً، و ما الحکومة لديه إلّا أمانة و ليست مسرحاً للاستغلال و آلة لتحقيق المآرب، فهو يخاطب الأشعث بن قيس عامله علي أذربايجان و يقول: «و إنّ عملک ليس لک بطعمة، و لکنّه في عنقک أمانة».[1] .

و من المتيقّن أنّ عليّاً عليه السلام کان ينصب الولاة من أجل خدمة المجتمع و إدارة النظام الإسلامي علي أحسن وجه، و الرأفة بالرعيّة و تأمين الرفاه لهم، و لم يکن عليّ عليه السلام ليأخذ القرابة بنظر الاعتبار، أو ينصب فلاناً بدافع العلاقات العائليّة و الرحميّة أبداً....

لم يکن يتّبع الألا عيب السياسية وسيلة لبقائه في الحکم أطول مدّة ممکنة، و لم يکن يتأثّر بالشائعات و الأوضاع المفتعلة، و لم يستسلم أمام الضغوط، و إنّما کان يجعل اللَّه نصب عينيه، و لا يفکّر إلّا في مصلحة الرعيّة، فعندما يري أنّ المصلحة تقتضي عزل معاوية فإنّه يصدر الأمر بعزله بالرغم من ممانعة من حوله و طلبهم منه إبقاءه في منصبه، فهو لم يرضخ لمطالبهم حتّي و إن أدّي الأمر إلي

[صفحه 405]

اشتعال نار الحرب و أدّي ذلک إلي مقتله.

عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ، فحيثما کان الحقّ کان عليّ، بل حيثما کان عليّ کان الحق، فلم يکن يرضي أن يظلم حاکم الرعيّة، و ما أن يعلم أنّ حاکماً قد ظلم في حکمه حتّي يعزله عن الولاية و الحکومة، و ربما وبّخه علي فعله، و قد يحبسه و يعزّره ليعلم جميع الحکّام في البلاد الإسلامية أنّ عليّاً لا يرضي إلّا برضي اللَّه و بما يؤمّن مصلحة المجتمع و لا يحبّ غير ذلک.

و تري حاله يتغير في بعض الأحياء إذا ما سمع بأنّ أحد عمّاله قد ظلم، فيتوجّه إلي اللَّه تعالي طالباً منه العفو و المغفرة، و أنّه لم يرسله ليظلم النّاس إنّما بعثه ليعدل بينهم.

کان عليّ عليه السلام عادلاً، و کان يتّخذ قراره بما يناسب حجم مخالفة عمّاله، فإذا رأي أنّ هذه المخالفة بسيطة قد يکفيها التذکير والموعظة فعل ذلک، کما فعل ذلک مع عثمان بن حنيف حيث اکتفي بإرسال کتاب له، و إن کان البعض يري أنّه عزله عن منصبه.

و إذا ما اتّبعت الحکومات الإسلامية- الّتي تدّعي التزامها بالإسلام- سيرة عليّ عليه السلام مع المخالفين من عمّاله، فيثيبوا العامل المخلص الأمين، و يعاقبوا المخالف المؤذي للنّاس، فإنّ المسلمين لا يبقون اُساري رتابة الدوائر، حياري لا يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا، و ما هو الطريق الواجب اتِّباعه لتتمّ معاملاتهم، و لما سارت اُمورهم بهذا البطء.



صفحه 405.





  1. نهج البلاغة، الکتاب 5.