ما فعله بأهل الغلوّ











ما فعله بأهل الغلوّ



اتخذ أميرالمؤمنين عليه السلام موقفاً حاسماً من الغلاة باعتبار الغلوّ بدعة و خروج عن الإسلام، و لا يمکن التهاون في هذا المجال، لهذا استتابهم أولاً فلم يتوبوا، فقتلهم شرّ قتلة.

قال الشارح المعتزلي عن أبي العبّاس، قال: و قد کان عليّ عليه السلام عثر علي قوم خرجوا من محبّته باستحواذ الشيطان عليهم، إلي أن کفروا بربّهم، و جحدوا ما جاء به نبيّهم، و اتخذوه رَبّا و إلهاً، و قالوا: أنت خالقنا و رازقنا، فاستتابهم و توعّدهم، فأقاموا علي قولهم، فحفر لهم حفراً دخّن عليهم فيها، طمعاً في رجوعهم فأبوا، فأحرقهم بالنّار، و قال:


ألا تَرَوْنَ قَدْ حَفَرْتُ حَفْرا
إنّي إذَا رَأيْتُ أمراً مُنْکَرا


أوقدت ناري و دعوتُ قنبرا

و روي أصحابنا في کتب المقالات: أنّه لمّا حرّقهم، صاحوا إليه: الآن ظهر لنا

[صفحه 402]

ظهوراً بيّنا أنّک أنت الإله، لأنّ ابن عمک الّذي أرسلته قال: «لا يُعذِّب بالنار إلّا ربُّ العالمين».[1] .

و عن عليّ بن محمّد النوفلي، عن أبيه، عن مشيخته: أنّ علياً عليه السلام مَرَّ بهم و هم يأکلون في شهر رمضان نهاراً، فقال: «أسفر أم مرضي؟» قالوا: و لا واحدة منهما، قال: «أفمن أهل الکتاب أنتم؟»، قالوا: لا، قال: «فما بال الأکل في شهر رمضان نهاراً؟»

فقالوا: أنتَ، أنتَ! لم يزيدوه علي ذلک، ففهم مرادهم، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خدّه بالتراب، ثمّ قال: «ويلکم! إنّما أنا عبدٌ من عبيد اللَّه فاتقوا اللَّه و ارجعوا إلي الإسلام» فأبوا، فدعاهم مراراً، فأقاموا علي أمرهم، فنهض عنهم ثمّ قال: «شدّوهم وثاقاً، و عليَّ بالفعلة و النّار و الحطب»، ثمّ أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل أحدهما سَرَباً[2] و الآخر مکشوفة، و ألقي الحَطب في المشکوفة، و فتح بينهما فتحاً، وألقي النّار في الحطب، فدخّن عليهم، و جعل يهتف بهم، و يناشدهم:«إرجعوا إلي الإسلام»، فأبوا، فأمر بالحطب و النّار، و ألقي عليهم، فاحترقوا، فقال الشاعر:


لِترَم بي المنيةُ حيثُ شاءت
إذا لَمْ تَرمِ بي الحُفرتَين


إذا ما جُشّتا حطباً بنارٍ
فذاک الموتُ نقداً غيرَ دَين


قال: فلم يبرح واقفاً عليهم حتي صاروا حُمَماً.[3] .

روي العلاّمة محبّ الدين الطبري بسنده عن عبداللَّه بن شريک العامري، عن أبيه، قال: أُتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقيل له: إنّ ها هنا قوماً علي باب المسجد يزعمون أنّک ربّهم. فدعاهم، فقال لهم: «ويلکم، ما تقولون»؟

[صفحه 403]

قالوا: أنتَ ربّنا و خالقنا و رازقنا.

قال: «ويلکم، إنّما أنا عبد مثلکم، آکل الطعام کما تأکلون، و أشرب کما تشربون، إن أطعته أثابني إن شاء اللَّه تعالي، و إن عصيت خشيت أن يعذّبني، فاتقوا اللَّه و ارجعوا» فأبوا فطردهم، فلمّا کان من الغد غدوا عليه، فجاء قنبر، فقال: و اللَّه رجعوا يقولون ذاک الکلام، قال: «أدخلهم عليَّ»، فقالوا له مثل ما قالوا، و قال لهم مثل ما قال، و قال لهم: «إنّکم ضالّون مفتونون» فأبوا.

فلمّا أن کان اليوم الثالث أتوه، فقالوا مثل ذلک القول، فقال: «و اللَّه لئن قلتم ذلک لأقتلَنّکم أخبث قتله» فأبوا إلّا أن يموتوا علي قولهم فخدّ لهم أخدوداً بين باب المسجد و القصر، و أوقد فيه ناراً، و قال: «إنّي طارحکم فيها أو ترجعون» فأبوا، فقذف بهم فيها.[4] .

و في فرائد السمطين، بسنده عن عثمان بن المغيرة، قال: کنت عند عليّ ابن أبي طالب عليه السلام جالساً فجاءه قوم فقالوا: أنتَ هو،! قال: «من أنا»؟ فقالوا: أنت هو، قال: «من أنا؟»، قالوا: أنت ربّنا! فاستتابهم فأبوا و لم يتوبوا، فضرب أعناقهم و دعا بحطب و نار فأحرقهم و جعل يرتجز و يقول:


«إنّي إذا رأيت أمراً منکرا
أوقدتُ ناري و دعوت قنبرا»[5] .

[صفحه 404]



صفحه 402، 403، 404.





  1. شرح ابن أبي الحديد، ج 5، ص 5.
  2. السرب، بفتحتين: الحفير تحت الأرض.
  3. شرح ابن أبي الحديد، ج 5، ص 6.
  4. ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري، ص 93.
  5. فرائد السمطين، ج 1، ص 174، رقم 136.