سيرته مع معارضيه في الحكومة











سيرته مع معارضيه في الحکومة



کان عليّ عليه السلام يمثّل نموذجاً حيّاً لحکومة العدل الإلهي، في کلّ المجالات، و علي کلّ الأصعدة و الجبهات، إذ أنّ مراعاة العدالة لا تنحصر لديه عليه السلام في تقسيم أموال بيت المال و حسب، کما لا تنحصر مع الأصدقاء دون غيرهم من النّاس، بل إنّه کان في الحرب و السلم، مع العدوّ و الصديق يسير بسيرة الرّسول صلي الله عليه و آله العادلة.

لم يکن عليّ عليه السلام مستعداً لتجنّب مسير الحق لأجل هذه الدنيا الفانية حتّي مع ألدّ أعدائه و خصومه، فإنّه کان يقدّم رضا اللَّه جلّ و علا علي کلّ شي ء، و يعمل وفقاً للموازين الإلهية العادلة، و کان في تعامله مع معارضيه و أعدائه يأخذ بنظر الاعتبار بقاء الإسلام و ديمومته لا بقاءه هو و حسب، و لو کان يريد البقاء لتعامل مع معارضيه کما تعاملوا هم معه و مع ذرّيته و أولاده عليهم السلام، و لو کان يريد البقاء لاستأصلهم و استخدم أقصي أساليب القمع و الإرهاب ضدّهم من نفي و طرد و إبعاد و سجن، و لخنق أصواتهم أو لأمالهم إليه بالمال و الترغيب... أبي عليه السلام أن يعمل ذلک أو غيره، و ما تعامل معهم إلّا بما أملته عليه مبادي ء الإسلام، و لم ينحرف عن صراطه المستقيم قيد أنملة.

[صفحه 380]

في هذا الفصل سنتطرّق إلي موقفه عليه السلام مع معارضيه و أعداء حکومته عليه السلام، ذلک الموقف الّذي نوّر صفحات التاريخ و وجه الإسلام، و إذا کان ثمّة سرّ لبقاء عليّ عليه السلام علي طول التاريخ فهو هذا الموقف، مضافاً إلي أنّه عليه السلام ضحّي بنفسه من أجل الإسلام و العدل و الحقّ دون أن يحوز شيئاً لمنفعته و مصلحته.

إنّه عليه السلام قبل أن تشرع حرب الجمل أبدي النصيحة لمخالفي حکومته، و حين لم تنفع معهم لم يبدأ الحرب حتّي بدؤوه بالقتال، و حين انتصر عليهم عفا عنهم و عن أموالهم، و سيرّ عائشة معزّزة مکرّمة إلي المدينة.

و مرّة اُخري تبرز عظمة عليّ عليه السلام في موقفه مع أعدائه في صفّين حين ملک الماء عليهم و ما حرمهم منه، في الوقت الّذي کان قادراً علي ذلک، و رغم أنّهم حرموه منه قريباً.

و تظهر عظمته عليه السلام مرّة اُخري في موقفه الرجولي مع أهل النهروان، إذ دعاهم إلي الکوفة مراراً، و أبلغ و جاهد في النصيحة لهم، رغم أنّهم قد قتلوا أصحابه ظلماً و عدواناً، کما أنّه لم يقطع عطاءهم من بيت المال، و حينما يواجهونه بالإهانة في مسجد الکوفة کان يبالغ في النصيحة.

و حينما تواقفوا للحرب لم يشرع في حربهم حتّي شرعوا في حربه عليه السلام، و أمثال هذه المواقف کثيرة لا يبلغها الإحصاء.

فداک نفسي و أبي و أمّي و ولدي يا أبا الحسن... أين نجد مثلک في العدل و الإحسان و الحقّ؟ بل ليت الحکومات الإسلامية تطبق و لو ذرّة من أُسلوبک في الحکومة، ولم يسوّدوا وجه الإسلام الناصع بأعمالهم الشنيعة المخالفة لمبادئه الحقّة.

[صفحه 381]



صفحه 380، 381.