علي مع أخيه عقيل و قصة الحديدة المحماة











علي مع أخيه عقيل و قصة الحديدة المحماة



عندما طلب منه أخوه عقيل أن يزيد في عطائه من بيت المال، أحمي له حديدة و قرّبها منه، و من أجل أن يفهم أخاه أنّه يرفض الظلم و الجور قال: «و اللَّه لأن أبيت علي حَسکِ[1] السَعدان[2] مُسهَّداً[3] واُجرَّ في الأغلال مُصَفّداً[4] أحبُّ إليَّ مِن أن ألقي اللَّه و رسولهُ يوم القيامِة ظالماً لبعض العباد، و غاصباً لشي ءٍ من الحُطام، و کَيفَ أظلم أحداً لنفسٍ يُسرِعُ إلي البلي قُفولها[5] ، و يطول في الثري[6] حلولها؟»

ثمّ قال عليه السلام: «و اللَّه لقد رأيت عقيلاً و قد أملق[7] حتّي استماحني[8] من بُرّکم صاعاً، و رأيت صبيانه شُعث[9] الشُعور، غُبر[10] الألوان مِن فَقرِهم، کأنّما سُوّدت وجوهُهُم بالعِظْلم[11] ، و عاوَدني موکِّداً، و کرَّر عليَّ القولَ مُردِّداً، فأصغيتُ إليه سمعي، فظنّ أنّي أبيعُه دِيني، و أتّبع قياده[12] مُفارِقاً طريقتي، فأحميت له حديدةً ثمّ

[صفحه 365]

أدنيتها من جِسمه ليعتبر بها، فَضجَّ ضجيج ذي دنفٍ[13] من ألمها، و کاد أن يحترق من مِيسمها.[14] .

فقلت له: ثکلتک الثّواکل[15] يا عقيل، أتئنّ من حديدة أحماها إنسانُها للعبِه، و تَجرُّني إلي نار سجّرَها جبّارُها لغضبه؟ أتئنّ من الأذي و لا أئنّ من لظي[16] ».

و ساق کلامه عليه السلام إلي أن قال: «و اللَّه لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاکها علي أن أعصي اللَّه في نملةٍ أسلبها جلب شعيرةٍ[17] ما فعلتُه، و إنّ دنياکم عندي لأهون من ورقة في فم جَرادةٍ تَقضَمُها، ما لعليٍّ و لنعيمٍ يفني، و لذةٍ لا تبقي، نعوذ باللَّه من سُبات[18] العقل و قُبحِ الزّلل[19] و به نستعينُ».[20] .



صفحه 365.





  1. الحسک: الشوک.
  2. السعدان: نبت ترعاه الابل له شوک.
  3. المسهد من سهده: إذا أسهره.
  4. المصفّد: المقيّد.
  5. قفولها: رجوعها.
  6. الثري: التراب.
  7. أملق: افتقر أشدّ الفقر.
  8. استماحني: استعطاني.
  9. شُعث جمع أشعث: و هو الذي تلبّد شعره بالوسخ.
  10. الغبر: جمع أغبر متغير اللون شاحبه.
  11. العظلم کزبرج: سواد يصبغ به.
  12. القياد: ما يقاد به کالزمام.
  13. الدنف: المرض.
  14. الميسم، المکواة. من ميسمها: من أثرها في يده.
  15. الثواکل: النّساء.
  16. لظي: اسم جهنم.
  17. جُلب الشعيرة: قشرها.
  18. سُبات العقل: نومه.
  19. الزلل: السقوط في الخطأ.
  20. نهج البلاغة، الخطبة 224.