عدالة عليّ شهد بها العدوّ و الصديق











عدالة عليّ شهد بها العدوّ و الصديق



لقد کان عليّ عليه السلام مثالاً للعدل و المساواة و عاشقاً للحقّ و الإنصاف، و کان نموذجاً متکاملاً لمحبّة النّاس و الرحمة و الرأفة و الإحسان، و کانت عدالته عليه السلام ذِکراً يلهج به لسان الخاصّ و العامّ و العدوّ و الصديق حتّي کانت کثرة عدله سبباً لقتله عليه السلام، و نشير هنا إلي ما قاله البعض في عدله.

1- يقول شبلي شميل- و هو من المادّيين- في عليّ عليه السلام: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام إمام بني الانسان و مقتداهم، و لم يرَ الشرق و الغرب نموذجاً يطابقه أبداً لا في الغابر و لا في الحاضر.[1] .

2- و يقول الکاتب المسيحي جبران خليل جبران: قتل عليّ في محراب عبادته لشدّة عدله.[2] .

3- و قال ابن الاثير في (اُسد الغابة): إنّ زهده و عدله لا يمکن استقصاؤهما.[3] .

4- و قال ابن عبدالبرّ في (الاستيعاب): کان عليّ عليه السلام إذا ورد عليه مال

[صفحه 358]

لم يبقِ منه شيئاً إلّا قسّمه، و لا يترک في بيت المال منه إلّا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلک، و يقول: يا دنيا غرّي غيري، و لم يکن يستأثر من الفي ء بشي ءٍ، و لا يخصّ به حميماً و لا قريباً، و لا يخصّ بالولايات إلّا أهل الدّيانات و الأمانات، و إذا بلغه عن أحدهم خيانة کتب إليه: «قَد جَاءتْکم موعظةٌ من رَبّکم فأوفُوا الکيلَ و الميزانَ بالقسطِ و لا تَبخَسُوا النّاس أشياءهُم و لا تَعثوا في الأرض مفسدينَ، بقيّةُ اللَّه خيرٌ لکم إن کُنتم مؤمنينَ وَ مَا أنا عليکم بحفيظ»[4] إذا أتاک کتابي هذا فاحتفظ بما في يديک من عملنا حتّي نبعث إليک من يتسلّمه منک» ثمّ يرفع طرفه إلي السّماء فيقول: «اللهمّ إنّک تعلم أنّي لم آمرهم بظلم خلقک و لا بترک حقّک».[5] .

5- روي ابن أبي الحديد، عن علي بن محمّد بن أبي يوسف المدائني، عن فضيل بن الجَعد، قال: آکدُ الأسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام، أمر المال، فإنّه لم يکن يُفضّل شريفاً علي مشروف و لا عربيّاً علي عجمّي، و لا يُصانع الرؤساء و اُمراء القبائل کما يَصنع الملوک، و لا يستميل أحداً إلي نفسه، و کان معاوية بخلاف ذلک فترک النّاس عليّاً و التحقوا بمعاوية.[6] .

6- قال سيد قطب: لقد جاء عليّ عليه السلام ليدخل نظرية الإسلام في الحکم في قلوب القادة و النّاس من جديد و ليطبقها عملياً... جاء ليأکل خبز الشعير الّذي طحنته زوجته بيديها، و يختم علي جرابه و يقول: «لا اُحبّ أن آکل ما لا أعلم»... و ربما باع سيفه ليشتري بثمنه غذاءً و لباساً، و أبي أن يسکن القصور الزاهية

[صفحه 359]

الفخمة.[7] .

أقول: حقيق أن يقال: إنّ عليّاً عليه السلام ليس إمام زمانه فقط، بل هو مقتدي الأجيال و القرون، و هو التلميذ الأوّل لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله و المعلّم الثّاني للاُمم طول التأريخ.

و لو کان عليّ عليه السلام يمشي وراء السياسة لعرفه التأريخ رجلاً سياسيّاً فحسب، و ما کانت الملوک و العظماء، يطأطئون هاماتهم أمام عدالته و عظمته، و ينظرون إليه نظرة التقدير و التقديس، کما أنشأت سودة بنت عمارة الهمدانية عند معاوية أعدي عدوّه:


صلّي الإله علي روح تضمّنها
قبر فأصبح فيه العدل مدفونا


قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً
فصار بالحقّ و الإيمان مقرونا[8] .



صفحه 358، 359.





  1. انظر الإمام عليّ صوت العدالة الانسانية، ج 1، ص 7.
  2. ملحمة الشمس لهادي دستباز، ص 329.
  3. اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص 25.
  4. الآيات من سوره (يونس، 57؛ الأعراف، 85؛ الشعراء، 183؛ هود، 86(.
  5. الاستيعاب بهامش الاصابة، ج 3، ص 48.
  6. شرح ابن أبي الحديد، ج 2، ص 197.
  7. العدالة الاجتماعية في الاسلام لسيد قطب.
  8. بلاغات النساء، ص 48.