سياسة عليّ و رأيه مثل سياسة رسول اللَّه
و أجاب بما ملخّصه: أنّ السائس لا يتمکّن من السياسة البالغة إلّا إذا کان يعمل برأيه و بما يري فيه صلاح ملکه و تمهيد أمره، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، و متي لم يعمل في السياسة بمقتضي ما قلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله، و أميرالمؤمنين عليه السلام کان مقيّداً بقيود الشريعة، مدفوعاً إلي اتِّباعها ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب و الکيد و التدبير إذا لم يکن للشرع موافقاً، فلم تکن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممّن لم يلتزم بذلک. و لسنا بهذا القول زارين علي عمر بن الخطّاب و لا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه، و لکنّه کان مجتهداً يعمل بالقياس و الاستحسان و المصالح المرسلة، و يري تخصيص عمومات النّص بالآراء و بالاستنباط من أُصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، و يکيد خصمه و يأمر أُمراءه بالکيد و الحيلة، و يؤدّب بالدرّة و السوط من يتغلّب علي ظنه أنّه يستوجب ذلک. و لم يکن أميرالمؤمنين عليه السلام يري ذلک، و کان يقف مع النصوص و الظواهر و لا يتعدّاها إلي الاجتهاد و الأقيسة، و يطبّق أُمور الدّنيا علي أُمور الدين، و يسوق الکلّ مساقاً واحداً، و لا يضع و لا يرفع إلّا بالکتاب و النّص، فاختلفت طريقتاهما في الخلافة و السياسة، و کان عمر مع ذلک شديد الغلظة و السياسة، و کان عليّ عليه السلام [صفحه 349] کثير الحلم و الصفح و التجاوز، فازدادت خلافة ذاک قوّة، و خلافة هذا (عليّ عليه السلام) لينا- إلي أن قال:- و کلّ هذه الأمور مؤثّرة في اضطراب أمر الوالي و انحلال معاقد ملکه، و لم يتّفق لعمر شي ء من ذلک، فشتّان بين الخلافتين فيما يعود إلي انتظام المملکة و صحّة تدبير الخلافة.[1] .
قال الشارح المعتزلي: و اعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرفوا حقيقة فضل أميرالمؤمنين عليه السلام زعموا أنّ عمر کان أسوس منه و إن کان هو أعلم من عمر، ثمّ زعم أعداؤه و مبغضوه أنّ معاوية کان أسوس منه، و أصحّ تدبيراً.
صفحه 349.