في معني الصبر و مراتبه











في معني الصبر و مراتبه



الصبر ضد الجزع، و هو ثبات النّفس و عدم اضطرابها في الشدائد و المصائب، بأن تقاوم معها بحيث لا تخرجها عن سعة الصدر و ما کانت عليه قبل ذلک من السرور و الطمأنينة، فيحبس لسانه عن الشکوي و أعضاءه عن الحرکات غير المتعارفة، و هذا هو الصبر علي المکروه و ضد الجزع. و الصبر علي المکروه و مشاق العبادات و علي ترک الشهوات إن کان بيسر و سهولة فهو الصبر حقيقة، و إن کان بتکلّف و تعب فهو التصبّر مجازاً، و إذا أدام التقوي و قوي التصديق بما في العاقبة من الحسني تيسّر الصبر و لم يکن له تعب و مشقّة، کما قال اللَّه تعالي: «فَأمّا مَنْ أعْطي وَ اتّقي- وَ صَدَّقَ بِالحُسني- فَسَنُيسِّرُهُ لِليُسري».[1] و متي تيسّر الصبر و صار ملکة راسخة أورث مقام الرضي، و إذا أدام مقام الرضي أورث مقام المحبّة. و لذا قال بعض العارفين: أهل الصبر علي ثلاث مقامات:

الأوّل: ترک الشکوي، وهذه درجة التائبين.

[صفحه 288]

الثاني: الرضي بالمقدّر، و هذه درجة الزاهدين.

الثالث: المحبّة لما يصنع به مولاه، و هذه درجة الصدّيقين.

و لا يخفي أنّ هذه الدرجة لا يبلغها إلّا من کان عارفاً باللَّه و بأسرار حکمته و قضائه و قدره، بأن يعلم أنّ کلّ أمر صدر من اللَّه و ابتلي به عباده من ضيق أو سعة، و کلّ أمر موهوب أو مرغوب علي وفق الحکمة و المصلحة بالذات، فإذا صار بهذه المرتبة استعدّت نفسه للصبر و مقاومة الهوي في الغمّ و الحزن، و طابت بقضائه و قدره، و توسّع صدره بمواقع حکمه، و أيقن بأنّ قضاءه لم يجر إلّا بالخيرة.

و هذه الدّرجة من الصبر کانت لعليّ بن أبي طالب عليه السلام علي مدي عمره الشريف، فقد صبر في جميع المشاکل و المصائب التي جرت عليه، لقد کان جليس داره خمساً و عشرين سنة، و اغتصب حقّه المسلّم به، لکنّه صبر و ما تشکّي، و ما کان يعترض أو يتمنّي علي اللَّه في کلّ ما جري عليه. بل کان مثال الصبر و مظهر صفة الصابرين: «إ نّما يُوفّي الصّابِرُونَ أجْرَهُم بِغَير حِسابٍ».[2] .



صفحه 288.





  1. الليل، 5 الي 7.
  2. الزمر، 10.