علي يأمر عمّاله بالزهد











علي يأمر عمّاله بالزهد



إنّ عليّاً عليه السلام لم يکتف بکونه زاهداً في نفسه، بل کان يأمر عمّاله بالزهد و ترک الدّنيا و زينتها، و يريد من عمّاله في الأمصار أن يکونوا مثله أو متشبّهين به علي الأقل،و يتابع أوضاعهم و سيرتهم، فيبلغه عن عامله علي البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري أنّه دعي إلي مأدبة فذهب إليها، فيکتب إليه: «بَلغني أنَّ بَعضَ فتيةِ أهل البَصرة دَعاکَ إلي مَأدبَةٍ فأسْرَعْتَ إليها، تُسْتَطابُ لَکَ الألْوان، و تُنْقَلُ إليکَ الجِفان، وَ ما ظَنَنْتُ أنَّک تُجِيبُ إلي طَعام قَومٍ عائلُهم مجفوٌّ، وغَنِيُّهمُ مَدعُوُّ».[1] .

و معني هذا الکلام أنّه کان علي ابن حنيف أن لا يجيب دعوة أحد من وجوه

[صفحه 283]

البصرة، فإنّ من يدعو الوالي إلي مأدبته لا يدعو معه إلّا الأغنياء، و لا يدعو أحداً من الفقراء، و کيف يفعلون ذلک و ثياب الفقراء بالية، و هيئاتهم رثة ينفرون منها و من رؤيتها، و إذا أرادوا أن يعطفوا علي فقير منهم أرسلوا إليه شيئاً من الزاد أو المال إلي بيته، و لم تسمح لهم أنفسهم أن يجالسوهم علي مائدتهم.

ثمَّ يريد من ابن حنيف أن يقتدي به في زهده، فيقول له: «ألا و إنّ لکلِّ مامومٍ إماماً يقتدي به و يستضي ءُ بنورِ عِلمِهِ، ألاَ و إنَّ إمامکُم قَد اکْتَفي مِنْ دُنياهُ بِطِمرَيهِ، وَ مِنْ طُعْمِهِ بقُرْصَيهِ».[2] .

ثمَّ يري أنّ ذلک غير ممکن فيقول له: «ألا و إنّکُم لا تَقْدِروُنَ عَلي ذلِکَ، وَ لِکنْ أعينُوني بِوَرَعٍ وَ اجْتِهادٍ، وَ عِفَّةٍ وَ سدَادٍ».[3] ثمَّ يحلف باللَّه مؤکّداً فيقول: «فَوَاللَّه ما کَنَزْتُ مِنْ دُنْياکُم تِبراً، وَ لا ادَّخرتُ مِنْ غَنائِمِها وَفراً، وَ لا أعْدَدْتُ لِبالِي ثَوبي طِمْراً».[4] .

ثم يسوقه الألم و الحُزن من أمر فدکَ إلي ذکرها هنا، فيذکر أنّه مع کونه قادراً علي التنعّم بملاذ الدّنيا فهو يترکها زهداً فيها، مواساةً للفقراء، فيقول: «وَ لَو شِئْتُ لاهتَدَيتُ الطَريقَ إلي مُصَفّي هذا العَسَل، وَ لُبابِ هذا القَمح، وَ نَسائج هذا القَزِّ، وَ لکِن هَيهاتَ أنْ يَغلِبَني هَواي وَ أنْ يقودني جَشعي إلي تَخَيُّر الأطْعِمَة، وَ لَعلَّ بِالحِجازِ و الَيمامَة من لا طمعَ له في القُرص، وَ لا عَهدَ لَهُ بالشبع».[5] .

[صفحه 284]



صفحه 283، 284.





  1. نهج البلاغة، الکتاب 45.
  2. نهج البلاغة، الکتاب 45.
  3. نفس المصدر.
  4. نفس المصدر.
  5. نفس المصدر.