نماذج من زهده في أيّام خلافته











نماذج من زهده في أيّام خلافته



نشير هنا إلي نبذةٍ ممّا ظهر من زهده في أيّام خلافته علي البلاد الإسلامية إلّا الشام، عسي أن يکون ذلک اُسوة و مقتديً لحکّام البلاد الإسلامية في عصرنا هذا:

1- في الغارات: عن عبداللَّه بن الحسن، عن الحسن عليه السلام، قال: «أعتق عليّ عليه السلام ألف أهل بيت بما مجلت[1] يداه و عرق جبينه عليه السلام».[2] .

2- و فيه أيضاً، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام، قال: «أعتق عليّ عليه السلام ألف مملوک ممّا عملت يداه، و إن کان عندکم إنّما حلواه التمر و اللبن، و ثيابه الکرابيس، و تزوّج

[صفحه 279]

عليه السلام ليلي،[3] . فجُعِل له حَجَلة[4] ، فهتکها، و قال عليه السلام: حسب أهل عليّ ما هم فيه».[5] .

3- و في شرح ابن أبي الحديد، عن عنبسة العابد، عن عبداللَّه بن الحسين بن الحسن قال: أعتق عليّ عليه السلام في حياة رسول اللَّه ألف مملوک ممّا مجلت يداه و عرق جبينه، و لقد ولي الخلافة و أتته الأموال، فما کان حلواه إلّا التمر، و لا ثيابه إلّا الکرابيس.[6] .

4- و في فرائد السمطين: عن سويد بن غفلة، قال: دخلت علي عليّ بن أبي طالب عليه السلام القصر (قصر الإمارة بالکوفة) فوجدته جالساً (و) بين يديه صحفة فيها لبن حازر[7] ، أجد ريحه من شدّة حموضته، و في يديه رغيف، أري قشار الشعير في وجهه، و هو يکسّره بيده أحيانا، فإذا أعيي عليه کسره برکبتيه، و طرحه في اللبن، فقال: «ادنُ فأصب من طعامنا هذا» فقلت: إنّي صائم. فقال: «سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: من منعه الصيام من طعام يشتهيه، کان حقّاً علي اللَّه أن يطعمه من طعام الجنّة، و يسقيه من شرابها». قال: فقلت لجاريته- و هي قائمة(بقرب) منه- ويحک يا فضّة ألا تتقين اللَّه في هذا الشيخ؟ ألا تنخلون له طعاماً؟ ممّا أري فيه من النخالة؟ فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاماً. قال: فقال لي عليّ عليه السلام: «ما قلت لها؟» فأخبرته. فقال: «بأبي و اُمّي، من لم ينخل له طعام، و لم يشبع من

[صفحه 280]

خبز البُرّ ثلاثة أيّام حتّي قبضه اللَّه تعالي».[8] .

و روي نحوه سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص.[9] .

5- و روي ابن الجوزي أيضاً، عن سويد بن غفلة، قال: دخلتُ علي عليّ عليه السلام يوماً، و ليس في داره سوي حصير رثّ و هو جالس عليه، فقلت: يا أميرالمؤمنين، أنت ملک المسلمين و الحاکم عليهم و علي بيت المال، و تأتيک الوفود، و ليس في بيتک سوي هذا الحصير شي ء؟ فقال عليه السلام: «يا سويد، إنّ اللبيب لا يتأثث في دار النقلة، و أمامنا دار المقامة قد نَقلنا إليها متاعنا، و نحن منقلِبون إليها عن قريب». قال: فأبکاني و اللَّه کلامه.[10] .

6- و روي ابن الجوزي أيضاً، عن الأحنف بن قيس، قال: دخلتُ علي معاوية، فقدم إليّ من الحلو و الحامض ما کثر تعجّبي منه، ثمّ قال: قدّموا ذاک اللون، فقدّموا لوناً ما أدري ما هو. فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين[11] البطّ، محشوّة بالمخّ و دهن الفستق قد ذرّ عليه السکر. قال: فبکيتُ. فقال: ما يبکيک؟

فقلت: للَّه درّ ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت و لا غيرک. فقال معاوية: و کيف؟ قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: «قم فتعشّ مع الحسن و الحسين». ثمّ قام إلي الصلاة، فلمّا فرغ، دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً، ثمّ ختمه. فقلت: يا أمير المؤمنين، لم أعهدک بخيلاً، فکيف ختمتَ علي هذا الشعير؟ فقال عليه السلام: «لم أختمه بُخلاً، و لکن خفتُ أن

[صفحه 281]

يبسّه[12] الحسن و الحسين بسمن أو إهالة».[13] فقلت: أحرام هو؟. قال: «لا، و لکن علي أئمّة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالاً في الأکل و اللباس، و لا يتميّزوا عليهم بشي ءٍ لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضي عن اللَّه تعالي بما هو فيه، و يراهم الغني فيزداد شکراً و تواضعاً».[14] .

7- و في اُسد الغابة عن محمّد بن کعب القرظي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: «لقد رأيتني و إنّي لأربط الحجر علي بطني من الجوع، و إنّ صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار».[15] .

8- و في تذکرة الخواص: عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبدالملک بن عمر يقول: حدّثني رجل من ثقيف، قال: استعملني عليّ عليه السلام علي عکبرا، و قال لي: «إذا کان الظهر فأتني». قال: فأتيته فلم أجد أحداً يحجبني عنه، و وجدته جالساً وحده و بين يديه قدح من خشب، و کوز من ماء، فدعا بجراب مختوم، فقلت: لقد إئتمنني حيث يخرج إليّ جوهراً، و لا أعلم ما قيمته، فکسر الخاتم فإذا فيه سويق، فأخرج منه و صبَّ في القدح ماءً و ذرّه عليه، ثمّ شرب و سقاني، فلم أصبر، و قلت: يا أميرالمؤمنين، قد وسّع اللَّه عليک، و الطعام بالعراق کثير. فقال: «واللَّه ما ختمت عليه بخلاً، و إنّما أبتاع قدر کفايتي، و أخاف أن يفني فيوضع فيه من غيره، و إنّما أفعل هذا لئلاّ يدخل بطني غير طيّب».[16] .

9- و في نهج البلاغة و غيره عن عبداللَّه بن العبّاس قال: دخلتُ علي

[صفحه 282]

أميرالمؤمنين عليه السلام بذي قار[17] و هو يخصف[18] نعله، فقال لي: «ما قيمة هذه النعل؟». فقلت: لا قيمة لها.

فقال عليه السلام: «و اللَّه لهي أحبّ إليَّ مِن إمرتکم، إلّا أن اُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً».[19] .

10- وفي فرائدالسمطين: بسنده عن معاوية، عن رجل من بني کاهل، قال: رأيت عليّاًعليه السلام و عليه تُبّان،[20] و قال: «نعم الثوب، ما أستره للعورة، و أکفّه للأذي!».[21] .



صفحه 279، 280، 281، 282.





  1. مجلت يداه: ثخن جلدها و منه حديث فاطمة عليهاالسلام: أنّها شکت إلي عليّ عليه السلام مجل يديها من الطحن.
  2. الغارات، ج 1،ص 91.
  3. و هي ليلي بنت مسعود النهشلية، إحدي نسائه عليهاالسلام، و هي أُمّ محمّد الأصغر الشهيد مع أخيه الحسين عليه السلام في کربلاء و اُمّ عبيداللَّه قتيل المذار.
  4. الحَجَلَة: ساتر کالقُبّة يُزيّن بالثياب و الستور للعروس.
  5. المصدر السابق.
  6. شرح ابن أبي الحديد، ج 2، ص 202.
  7. الحارز: الحامض.
  8. فرائد السمطين، ج 1،ص 352، ح 278 و يريد في عبارته الأخيرة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.
  9. تذکرة الخواص، ص 107.
  10. المصدر السابق، ص 110.
  11. المصارين: الأمعاء.
  12. بسّ السويق: خلطه بسمن أو زيت.
  13. الإهالة بالکسر: الشحم المذاب أو الزيت و کلّ ما ائتدم به.
  14. تذکرة الخواص، ص 106.
  15. اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص 23.
  16. تذکرة الخواص، ص 107.
  17. ذو قار: موضع قريب من البصرة، و هو اليوم أحد محافظات العراق.
  18. يخصف نعله أي يخرزها.
  19. نهج البلاغة، الخطبة، 33؛ و روي نحوه في تذکرة الخواص، ص 110.
  20. التبّان- بالضمّ و التّشديد- سراويل صغيرة مقدار شبر تستر العورة.
  21. فرائد السمطين، ج 1، ص 353، ح 279.