نماذج من زهده في أيّام خلافته
1- في الغارات: عن عبداللَّه بن الحسن، عن الحسن عليه السلام، قال: «أعتق عليّ عليه السلام ألف أهل بيت بما مجلت[1] يداه و عرق جبينه عليه السلام».[2] . 2- و فيه أيضاً، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام، قال: «أعتق عليّ عليه السلام ألف مملوک ممّا عملت يداه، و إن کان عندکم إنّما حلواه التمر و اللبن، و ثيابه الکرابيس، و تزوّج [صفحه 279] عليه السلام ليلي،[3] . فجُعِل له حَجَلة[4] ، فهتکها، و قال عليه السلام: حسب أهل عليّ ما هم فيه».[5] . 3- و في شرح ابن أبي الحديد، عن عنبسة العابد، عن عبداللَّه بن الحسين بن الحسن قال: أعتق عليّ عليه السلام في حياة رسول اللَّه ألف مملوک ممّا مجلت يداه و عرق جبينه، و لقد ولي الخلافة و أتته الأموال، فما کان حلواه إلّا التمر، و لا ثيابه إلّا الکرابيس.[6] . 4- و في فرائد السمطين: عن سويد بن غفلة، قال: دخلت علي عليّ بن أبي طالب عليه السلام القصر (قصر الإمارة بالکوفة) فوجدته جالساً (و) بين يديه صحفة فيها لبن حازر[7] ، أجد ريحه من شدّة حموضته، و في يديه رغيف، أري قشار الشعير في وجهه، و هو يکسّره بيده أحيانا، فإذا أعيي عليه کسره برکبتيه، و طرحه في اللبن، فقال: «ادنُ فأصب من طعامنا هذا» فقلت: إنّي صائم. فقال: «سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: من منعه الصيام من طعام يشتهيه، کان حقّاً علي اللَّه أن يطعمه من طعام الجنّة، و يسقيه من شرابها». قال: فقلت لجاريته- و هي قائمة(بقرب) منه- ويحک يا فضّة ألا تتقين اللَّه في هذا الشيخ؟ ألا تنخلون له طعاماً؟ ممّا أري فيه من النخالة؟ فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاماً. قال: فقال لي عليّ عليه السلام: «ما قلت لها؟» فأخبرته. فقال: «بأبي و اُمّي، من لم ينخل له طعام، و لم يشبع من [صفحه 280] خبز البُرّ ثلاثة أيّام حتّي قبضه اللَّه تعالي».[8] . و روي نحوه سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص.[9] . 5- و روي ابن الجوزي أيضاً، عن سويد بن غفلة، قال: دخلتُ علي عليّ عليه السلام يوماً، و ليس في داره سوي حصير رثّ و هو جالس عليه، فقلت: يا أميرالمؤمنين، أنت ملک المسلمين و الحاکم عليهم و علي بيت المال، و تأتيک الوفود، و ليس في بيتک سوي هذا الحصير شي ء؟ فقال عليه السلام: «يا سويد، إنّ اللبيب لا يتأثث في دار النقلة، و أمامنا دار المقامة قد نَقلنا إليها متاعنا، و نحن منقلِبون إليها عن قريب». قال: فأبکاني و اللَّه کلامه.[10] . 6- و روي ابن الجوزي أيضاً، عن الأحنف بن قيس، قال: دخلتُ علي معاوية، فقدم إليّ من الحلو و الحامض ما کثر تعجّبي منه، ثمّ قال: قدّموا ذاک اللون، فقدّموا لوناً ما أدري ما هو. فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين[11] البطّ، محشوّة بالمخّ و دهن الفستق قد ذرّ عليه السکر. قال: فبکيتُ. فقال: ما يبکيک؟ فقلت: للَّه درّ ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت و لا غيرک. فقال معاوية: و کيف؟ قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: «قم فتعشّ مع الحسن و الحسين». ثمّ قام إلي الصلاة، فلمّا فرغ، دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً، ثمّ ختمه. فقلت: يا أمير المؤمنين، لم أعهدک بخيلاً، فکيف ختمتَ علي هذا الشعير؟ فقال عليه السلام: «لم أختمه بُخلاً، و لکن خفتُ أن [صفحه 281] يبسّه[12] الحسن و الحسين بسمن أو إهالة».[13] فقلت: أحرام هو؟. قال: «لا، و لکن علي أئمّة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالاً في الأکل و اللباس، و لا يتميّزوا عليهم بشي ءٍ لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضي عن اللَّه تعالي بما هو فيه، و يراهم الغني فيزداد شکراً و تواضعاً».[14] . 7- و في اُسد الغابة عن محمّد بن کعب القرظي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: «لقد رأيتني و إنّي لأربط الحجر علي بطني من الجوع، و إنّ صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار».[15] . 8- و في تذکرة الخواص: عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبدالملک بن عمر يقول: حدّثني رجل من ثقيف، قال: استعملني عليّ عليه السلام علي عکبرا، و قال لي: «إذا کان الظهر فأتني». قال: فأتيته فلم أجد أحداً يحجبني عنه، و وجدته جالساً وحده و بين يديه قدح من خشب، و کوز من ماء، فدعا بجراب مختوم، فقلت: لقد إئتمنني حيث يخرج إليّ جوهراً، و لا أعلم ما قيمته، فکسر الخاتم فإذا فيه سويق، فأخرج منه و صبَّ في القدح ماءً و ذرّه عليه، ثمّ شرب و سقاني، فلم أصبر، و قلت: يا أميرالمؤمنين، قد وسّع اللَّه عليک، و الطعام بالعراق کثير. فقال: «واللَّه ما ختمت عليه بخلاً، و إنّما أبتاع قدر کفايتي، و أخاف أن يفني فيوضع فيه من غيره، و إنّما أفعل هذا لئلاّ يدخل بطني غير طيّب».[16] . 9- و في نهج البلاغة و غيره عن عبداللَّه بن العبّاس قال: دخلتُ علي [صفحه 282] أميرالمؤمنين عليه السلام بذي قار[17] و هو يخصف[18] نعله، فقال لي: «ما قيمة هذه النعل؟». فقلت: لا قيمة لها. فقال عليه السلام: «و اللَّه لهي أحبّ إليَّ مِن إمرتکم، إلّا أن اُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً».[19] . 10- وفي فرائدالسمطين: بسنده عن معاوية، عن رجل من بني کاهل، قال: رأيت عليّاًعليه السلام و عليه تُبّان،[20] و قال: «نعم الثوب، ما أستره للعورة، و أکفّه للأذي!».[21] .
نشير هنا إلي نبذةٍ ممّا ظهر من زهده في أيّام خلافته علي البلاد الإسلامية إلّا الشام، عسي أن يکون ذلک اُسوة و مقتديً لحکّام البلاد الإسلامية في عصرنا هذا:
صفحه 279، 280، 281، 282.