ما قيل في زهده











ما قيل في زهده



1- قال ابن أبي الحديد في وصف أميرالمؤمنين عليه السلام: و أمّا الزهد في الدّنيا، فهو سيّد الزهّاد، و بدل الأبدال، و إليه تشدّ الرحال، و عنده تنفض الأحلاس،

[صفحه 277]

ما شبع من طعام قطّ، و کان أخشن الناس مأکلاً و ملبساً.

قال عبداللَّه بن أبي رافع: دخلت عليه يوم عيد، فقدّم جراباً مختوماً، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً، فقدّم فأکل، فقلت: يا أميرالمؤمنين، فکيف تختمه؟ قال: «خفت هذين الولدين أن يَلُتّاه بسمنٍ أو زيتٍ». و کان ثوبه مرقوعاً بجلدٍ تارة، وليفٍ اُخري، و نعلاه من ليف، و کان يلبس الکِرباس [1] الغليظ، فإذا وجد کُمّه طويلاً قطعه بشفرة، و لم يَخطِه، فکان لا يزال متساقطاً علي ذراعيه حتّي يبقي سديً لا لحمة له.

و کان يأتدم إذا ائتدم بخلٍّ أو بملحٍ، فإن ترقّي عن ذلک فبعض نبات الأرض، فإن ارتفع عن ذلک فبقليل من ألبان الإبل، و لا يأکل اللحم إلّا قليلاً. و يقول: «لا تجعلوا بطونکم مقابر الحيوان»، و کان مع ذلک أشدّ النّاس قوّة، و أعظمهم أيداً، لا ينقض الجوع قوّته، و لا يخوّن[2] الإقلال مُنّته.[3] .

و هو الّذي طلّق الدّنيا و کانت الأموال تجبي إليه من جيمع بلاد الإسلام إلّا من الشام، فکان يفرّقها و يمزّقها، ثمَّ يقول:


هذا جناي و خياره فيه
إذ کلّ جانٍ يده إلي فيه[4] .


2- و في تاريخ دمشق، باسناده عن حسن بن صالح، قال: تذاکروا الزّهاد عند عمر بن عبدالعزيز، فقال قائلون: فلان، و قال قائلون: فلان، فقال عمر بن عبدالعزيز: أزهد الناس في الدنيا عليّ بن أبي طالب عليه السلام.[5] .

[صفحه 278]

3- و قال العقاد: و صدق في تقواه و إيمانه کما صدق في عمل يمينه و مقالة لسانه، فلم يعرف أحد من الخلفاء أزهد منه في لذّة دنيا أو سبب دولة، و کان و هو أميرالمؤمنين يأکل الشعير، و تطحنه أمرأته بيديها، و کان يختم علي الجراب الّذي فيه دقيق الشعير، فيقول: «لا أحبّ أن يدخل بطني ما لا أعلم».

قال عمر بن عبد العزيز: أزهد النّاس في الدّنيا عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

و قال سفيان: إنّ عليّاً لم يبن آجرة علي آجرة، و لا لبنة علي لبنة، و لا قصبة علي قصبة، قد أبي أن ينزل القصر الأبيض بالکوفة إيثاراً للخصاص الّتي يسکنها الفقراء، و ربما باع سيفه ليشتري بثمنه الکساء و الطعام.[6] .



صفحه 277، 278.





  1. الکرباس- بالکسر- ثوب من القطن الأبيض، معرب.
  2. و في نسخة يخور: يعني يضعف.
  3. المُنّةُ: القُوّة.
  4. شرح ابن أبي الحديد، ج 1، ص 26.
  5. ترجمة الامام عليّ من تاريخ دمشق، ج 2، ص 202، ح 1254.
  6. عبقرية الإمام، ص 29.