نظرة في زهد عليّ











نظرة في زهد عليّ



اعلم أنّ زهد عليّ عليه السلام بلغ حدّاً بحيث کان يتدوال علي ألسن الُمحبّ و المُبغض، فإنّ أکابر الصحابة في عصر خلافة عثمان و قبله، قد درّت عليهم الدّنيا من الفتوحات و العطاء من بيت المال، المال الکثير، فبنوا الدور، و جمعوا الأموال الکثيرة، و شيّدوا القصور، و خلّفوها بعدهم.

قال المسعودي في مروج الذهب ما ملخّصه: في أيّام عثمان اقتني جماعة من الصحابة الضيّاع و الدور، منهم الزّبير بن العوام، بني داره بالبصرة و هي المعروفة، و داراً بمصر و الکوفة و الإسکندرية، و بلغ ماله بعد وفاته خمسين ألف دينار، و خلف ألف فرس، و ألف أمة، و ألف عبد.

و کذلک طلحة بن عبيداللَّه التيمي: کانت غلّته من العراق کلّ يوم ألف دينار، وشيّد داره بالمدينة، و بناها بالآجر و الجصّ و الساج.

و کذلک عبدالرحمن بن عوف الزهري: ابتني داره و وسّعها، کان علي مربطه مائة فرس، و له ألف بعير، و عشرة آلاف شاة من الغنم، و بلغ بعد وفاته رُبُع ثمن مالِهِ أربعةً و ثمانين ألفاً.

و ابتني سعد بن أبي وقّاص داره بالعقيق، فرفع سمکها، و وسّع فضاءها، و جعل أعلاها شُرُفات.

و قد ذکر سعيد بن المسيّب أنّ زيد بن ثابت حين مات خلّف من الذهب و الفضّة ما کان يکسر بالفؤوس، غير ما خلّف من الأموال و الضياع بقيمة مائة ألف دينار.

و مات يعلي بن منية و خلّف خمسمائة ألف دينار، و ديوناً علي الناس، و عقارات، و غير ذلک من الترکة ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار، و هذا باب يتّسع ذکره و يکثر وصفه فيمن تملّک من الأموال في أيّام عثمان.

[صفحه 275]

وقال المسعودي أيضاً: وکان عثمان في نهاية الجود و الکرم و السماحة و البذل في القريب و البعيد، فسلک عمّاله و کثير من أهل عصره علي طريقته، و تأسّوا به في فعله، و بني داره في المدينة، و شيّدها بالحجر و الکِلْس، و جعل أبوابها من الساج و العَرْعَر، و اقتني أموالاً و جناناً و عيوناً بالمدينة[1] ، و ذکر عبداللَّه بن عتبة أنّ عثمان يوم قتل کان له عند خازنه من المال خمسون و مائة ألف دينار،و ألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بواد القُري و حُنين و غيرهما مائة ألف دينار، و خلّف خيلاً کثيرةً و إبلاً[2] .

ثمّ قال: أمّا عليّ عليه السلام لم يکن له أدني نصيب منها في عطاء و غيره، ثمّ جاءته الخلافة وصارت بلاد الإسلام کلّها في يده عدا الشام، ومع ذلک لم يخلّف عند موته إلّا ثلاثمائة درهم، لم يکن اختزنها، و إنّما أعدّها لخادمة يشتريها لأهله، فمات قبل شرائها، فأين ذهبت الأموال الّتي وصلت إلي يده، و هو لم يصرفها في مأکل و لا ملبس و لا مرکوب و لا شراء عبيد و لا إماء و لا بناء دار و لا اقتناء عقار؟!.

مات عليّ عليه السلام و لم يضع لبنة علي لبنة، و لا تنعّم بشي ءٍ من لذّات الدّنيا، بل کان يلبس الخشن، و يأکل الجشب، و يعمل في أرضه، فيستنبط منها العيون، ثمّ يوقفها في سبيل اللَّه، و يصرف ما يصل إلي يده من مال علي الفقراء و المساکين و في سبيل اللَّه.

[صفحه 276]

و قال أيضاً: لم يلبس عليه السلام في أيّامه ثوباً جديداً، و لا اقتني ضيعةً و لا ربعاً، إلّا شيئاً کان له بينبع ممّا تصدّق به و حبسه.[3] .



صفحه 275، 276.





  1. هل يجوز لحاکم المسلمين صرف بيت مال المسلمين في هذه الاُمور، و هل يجوز بذله في القريب و البعيد حتي يتأسي به عمّاله؟! و هل يسمّي هذا البذل سماحةً و کرماً، بل هو تفريط ببيت المال؟!! راجع سيرة عليّ بن أبي طالب عليه السلام في هذه الاُمور حتّي تتّضح لک الحقيقة.
  2. مروج الذهب، ج 2، ص 341 و 342.
  3. المصدر السابق؛ قال المسعودي في تاريخه، ج 2، ص 433 و دخل عليه رجل من أصحابه فقال: کيف أصبحت يا أمير المؤمين؟ قال: «أصبحتُ ضعيفاً مُذنباً، آکل رزقي، و أنتظر أجلي» قال: و ما تقول في الدنيا؟ قال: «و ما أقول في دار أوّلها غمّ، و آخرها موت؟ مَن استغني فيها فتن، و مَن افتقر فيها حزن، حلالها حساب، و حرامها عقاب» قال: فأي الخلق أنعم؟ قال: «أجساد تحت التراب قد أمنت العقاب، و هي تنتظر الثواب».