ردّه هديّة الأشعث لأنّها رشوة











ردّه هديّة الأشعث لأنّها رشوة



کان عليّ عليه السلام قويّاً في دينه، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، لم يداهن و لم يصانع طرفة عين، و إلي القدر الذي يردّ هديّةً قُدّمت له من أحد عمّاله بقوّة و جرأة و دون أدني تردّد، و لم يکتفِ بردّ الهديّة- إذا شمّ فيها رائحة الرشوة- بل و يعنّف مُهديها و يذمّه. ففي أحد الخطب الطويلة في نهج البلاغة يقول عليه السلام:

«وَ اللَّه لأن أبيتَ عَلَي حَسَک السعدان[1] مُسَهَّداً،[2] وأُجرَّ في الأغلالِ مُصَفّداً،[3] أحبُّ إليَّ من أن ألقَي اللَّه و رسولَه يومَ القيامةِ ظالِماً لِبَعضِ العِباد، و غاصِباً لشي ءٍ مِن الحُطام...».و يشير في أثنائها إلي هذا الموضوع حيث يقول عليه السلام:

«و أعجَبُ مِن ذلک طارِقٌ طرقنا بملفوفَةٍ[4] في وِعائِها، وَ معْجُونَةٍ شَنِئتُها[5] ، کأنّما عُجِنَت برِيق حَيَّةٍ أو قَيئها، فقلتُ: أصِلةٌ[6] أم زَکاةٌ، أم صدقةٌ؟ فذلک محرّمٌ علينا أهلَ البيت! فقال: لا ذا و لا ذاک، و لکنّها هَديّة.

فقلت: هَبَلَتْک[7] الهَبُولُ![8] أعن دين اللَّه أتَيْتَني لِتَخْدَعَني؟ أمُخْتَبِطٌ[9]

[صفحه 270]

أم ذُوجِنَّةٍ[10] أم تَهجُرُ[11] ؟».[12] .

و قال الشارح المعتزلي: کان أهدي له الأشعثُ بن قيس نوعاً من الحلواء، تأنّق فيها، و کان عليه السلام يبغض الأشعث، لأنّ الأشعث کان يُبغضه، و ظنَّ أنّه يستميله بالمهاداة لغرض دنيويّ کان في نفس الأشعث، و کان أميرالمؤمنين عليه السلام يفطن لذلک و يعلمه، و لذلک ردّ هديّة الأشعث، و لولا ذلک لقبلها، لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قَبل الهديّة، وقد قبِل عليّ عليه السلام هدايا جماعة من أصحابه. و دعاه بعضُ مَن کان يأنس إليه إلي حلواء عملها يوم نوروز فأکل و قال: «لم عَمِلْتَ هذا؟». فقال: لأنّه يوم نوروز، فضحک، و قال: «نَوْرزُوا لنا في کلّ يومٍ إن استطعتم».

ثمّ قال ابن أبي الحديد: و کان عليه السلام من لطافة الأخلاق و سجاحة الشيم علي قاعدة عجيبةٍ جميلة، و لکنّه کان ينفر عن قومٍ کان يعلم من حالهم الشنآن له، و عمَّن يحاول أن يصانعه بذلک عن مال المسلمين، و هيهات حتّي يلين لضرس الماضغ الحجر.[13] .

[صفحه 271]



صفحه 270، 271.





  1. الحسک: الشوک، و السعدان: نبت ترعاه الإبل له شوک.
  2. المسهّد: من سهّده: أي أسهره.
  3. المصفّد: المقيّد.
  4. الملفوفة: نوع من الحلواء أهداها الأشعث بن قيس إلي عليّ عليه السلام.
  5. شنئتها: کرهتها.
  6. الصلة: العطية.
  7. هبلتک: ثکلتک.
  8. الهبول: المراة التي لا يعيش لها ولد.
  9. امختبط: أي أمختلّ أنت؟.
  10. ذوجنّة: أي أصابه مسّ من الشيطان.
  11. تهجر: أي تهذي بما ليس به معني في غير مرض.
  12. نهج البلاغة، الخطبة 224.
  13. شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 247.