في إجرائه الحدّ علي النجاشي لمّا شرب الخمر











في إجرائه الحدّ علي النجاشي لمّا شرب الخمر



في الغارات: النجاشي الشاعر، و کان في عسکر عليّ عليه السلام بصفّين، و وفد علي عمر بن الخطّاب، و لازم عليّ بن أبي طالب، و کان يمدحه عليه السلام، قال ابن قتيبة في المعارف: کان النجاشي فاسقاً رقيق الإسلام، و خرج في شهر رمضان علي فرس له بالکوفة يريد الکناسة، فمرّ بأبي سمّال الأسدي فوقف عليه، فقال: هل لک في رؤوس حُملان في کرشٍ في تنّورٍ من أوّل الليل إلي آخره، قد أينعت و تهرّأت؟ فقال له: ويحک، أفي شهر رمضان تقول هذا؟ قال: ما شهر رمضان و شوّال إلّا واحد. قال: فما تسقيني عليها؟ قال: شراباً کالورس، يطيّب النفس، و يجري في العرق، و يکثر الطرق، و يشدّ العظام، و يسهّل للفَدِم [1] الکلام، فثني رجله فنزل فأکلا و شربا، فلمّا أخذ فيهما الشراب، تفاخرا، فعلت أصواتهما، فسمع ذلک جارٌ لهما، فأتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخبره، فبعث في طلبهما، فأمّا أبو سمّال، فشقّ الخصّ[2] و نفذ إلي جيرانه فهرب، فأخذ النجاشي، فأُتي به عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال له: «ويحک ولداننا صيامٌ و أنت مفطرٌ؟!» فضربه ثمانين سوطاً، و زاده عشرين سوطاً، فقال له: ما هذه العلاوة يا أبا الحسن؟

فقال: «هذه لجرأتک علي اللَّه في شهر رمضان» ثمّ وقفه للنّاس ليروه في تُبّان [3] فهجا أهل الکوفة، فقال:


إذا سقي اللَّه قوماً صوب غادية
فلا سقي اللَّه أهل الکوفة المطرا


التارکين علي طهرٍ نساءَهم
و النّاکحين بشطّي دجلة البقرا


و السارقين إذا ما جنّ ليلهم
و الطالبين إذا ما أصبحوا السّورا

[صفحه 268]

و قال:


ضربوني ثمّ قالوا: قدرٌ
قدّر اللَّه لهم شرّ القدر[4] .


عن أبي الزّناد: لمّا حدّ عليّ عليه السلام النجاشي، غضب لذلک من کان مع عليّ من اليمانية، و کان أخصّهم به طارق بن عبداللَّه بن کعب بن اُسامة النهدي، فدخل علي أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما کنّا نري أنّ أهل المعصية و الطاعة و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيّان في الجزاء، حتّي رأيت ما کان من صنيعک بأخي الحارث، فأوغرت صدورنا، و شتّت أمورنا، و حملتنا علي الجادّة الّتي کنّا نري أنّ سبيل من رکبها النّار.

فقال عليّ عليه السلام: «إنّها لَکَبِيرةٌ إلّا عَلَي الخَاشِعينَ»[5] يا أخا بني نهد، و هل هو إلّا رجلٌ من المسلمين انتهک حرمة من حرم اللَّه، فأقمنا عليه حدّاً کان کفّارته، إنّ اللَّه تعالي يقول: «وَ لاَ يَجْرَمَنَّکُمُ شَنآن قومٍ عَلَي أَنْ لاَتَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوي».[6] .

قال: فخرج طارق من عند عليّ عليه السلام، فلقيه الاشتر النخعي رحمهم الله، فقال له: يا طارق، أنت القائل لأمير المؤمنين: إنّک أوغرت صدورنا، و شتّتَ اُمورنا؟ قال طارق: نعم، أنا قائلها. قال له الأشتر: و اللَّه ما ذاک کما قلت، و إنّ صدورنا له لسامعة، و إنّ اُمورنا له لجامعة.

قال: فغضب طارق، و قال: ستعلم يا أشتر أنّه غير ما قلت، فلمّا جنّه الليل همس[7] هو و النجاشي إلي معاوية.[8] .

[صفحه 269]



صفحه 268، 269.





  1. الفَدِم: البطي ء الفهم، العييّ.
  2. الخصّ: البيت من الشجر أو القصب.
  3. التُّبّان: سراويل قصيرة إلي الرکبة، أو ما فوقها، يستر العورة، و قد يُلبَس في البحر.
  4. الغارات، ج 2، ص 901 و 902.
  5. البقرة، 45.
  6. المائدة، 8.
  7. همس: سار بالليل بلافتور، أو مشي مستخفياً.
  8. الغارات، ج 2، ص 540؛ شرح ابن أبي الحديد، ج 4، ص 89.