شجاعة عليّ











شجاعة عليّ



اتّفق الصديق و العدوّ، والمحبّ والمبغض علي شجاعة مولانا الإمام عليّ عليه السلام، وأنّه شجاع في جميع حالاته و أوضاعه، بحيث کانت شجاعته متداولة علي الألسن، و مضرباً للأمثال.

عن الشارح المعتزلي في شرحه: و ما أقول في رجل تصوّر ملوک الفرنج و الروم صورته في بِيَعها و بيوت عباداتها، حاملاً سيفه، مشمّراً لحربه، و تصوّر ملوک الترک و الديلم صورته علي أسيافها! کان علي سيف عضد الدولة بن بويه و سيف أبيه رکن الدولة صورته، و کانت علي سيف إلب أرسلان و ابنه ملک شاه صورته، کأنهم يتفاءلون به النصر و الظفر.[1] .

قال محبّ الدين الطبري: و شهرة إبلائه ببدر و اُحد و خيبر و أکثر المشاهد، قد بلغت حدّ التواتر، حتّي صارت شجاعته معلومةً لکلّ أحدٍ بالضَّرورة، بحيث لا يُمکنه دفع ذلک عن نفسه.[2] .

قال ابن الاثير في (النهاية): و في الحديث: «کانت ضرباتُ عليّ عليه السلام

[صفحه 257]

مبتکرات لاعُوناً» أي إنّ ضربته کانت بکراً، يقتل بواحدةٍ منها، لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانياً، يقال: ضربة بکر، إذا کانت قاطعة لا تُثنّي.

و العون جمع عوان، و هي في الأصل الکهلة من النساء، و يريد بها هاهنا المثنّاه.[3] .

و في المناقب لابن المغازلي وغيره: قال رجلٌ لابن عبّاس: أکان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يباشر القتال بنفسه؟ قال: إي و اللَّه، ما رأيت رجلاً أطرح لنفسه في متلفٍ من علي عليه السلام، فلربّما رأيته يخرج حاسراً بيده السيفُ إلي الرّجل الدّارع فيقتله.[4] .

قال سفيان الثوري: کان عليّ بن أبي طالب عليه السلام کالجبل بين المسلمين و المشرکين، أعزّ اللَّه به المسلمين، و أذلّ به المشرکين.[5] .

قال ابن أبي الحديد في کلام له: و لأنّ عليّاً عليه السلام کانت هيبته قد تمکّنت في قلوب النّاس، فلم يکن يظنّ أنّ أحداً يقدم عليه غيلة أو مبارزة في حرب، فقد کان بلغ من الذّکر بالشجاعة مبلغاً عظيماً لم يبلغ أحدٌ من النّاس، لا مَن تقدّم و لا مَن تأخّر، حتّي کانت أبطال العرب تفزع باسمه.

ألا تري إلي عمرو بن معديکرب، و هو شجاع العرب الّذي تضرب به الأمثال، کتب إليه عمر بن الخطاب في أمرٍ أنکره عليه و غدر تخوّفه منه: أما و اللَّه لئن أقمت علي ما أنت عليه، لأبعثنّ إليک رجلاً تستصغر معه نفسک، يضع سيفه علي هامتک فيخرجه من بين فخذيک!

[صفحه 258]

فقال عمرو بن معد يکرب لمّا وقف علي الکتاب: هدّدني بعليّ و اللَّه![6] .

و لهذا قال شبيب بن بجرة لابن ملجم لمّا رآه يشدّ الحرير علي بطنه و صدره: ويلک، ما تريد أن تصنع؟ قال: أقتل عليّاً.

قال: هبلتک الهُبول، لقد جئت شيئاً إدّاً، کيف تقدر علي ذلک؟ فاستبعد أن يتمّ لابن ملجم ما عزم عليه، و رآه مراماً و عراً.[7] .

و قال أيضاً: و أمّا الشجاعة: فإنّه أنسي النّاس فيها ذکر من کان قبله، و محا اسم من يأتي بعده، و مقاماته في الحرب مشهورة، يُضرب بها الأمثال إلي يوم القيامة، و هو الشجاع الّذي ما فرّ قطّ، و لا ارتاع من کتيبة، و لا بارز أحداً إلّا قتله، و لا ضرب ضربةً قطّ فاحتاجت الأُولي إلي ثانية، و في الحديث: «کانت ضرباته وتراً».

و لمّا دعا معاوية إلي المبارزة ليستريح النّاس من الحرب بقتل أحدهما، قال له عمرو بن عاص: لقد أنصفک، فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلّا اليوم! أتأمُرني بمبارزة أبي الحسن، و أنت تعلم أنّه الشجاع المطرِق! أراک طمعت في إمارة الشام بعدي.

و کانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته، فأمّا قتلاه فافتخار رهطهم بأنه عليه السلام قتلهم أظهر و أکثر.

قالت أُخت عمرو بن عبد ودّ ترثيه:


لو کان قاتل عمرو غير قاتله
بکيتُه أبداً ما دُمتُ في الأبد


لکنّ قاتلَه من لا نظير له
و کان يُدعي أبوه بيضَةَ البلد[8] .

[صفحه 259]

و انتبه يوماً معاوية، فرأي عبداللَّه بن الزبير جالساً تحت رجليه علي سريره، فقعد، فقال له عبداللَّه يُداعبه: يا أميرالمؤمنين، لو شئت أن أفتک بک لفعلت. فقال: لقد شَجُعت بعدنا، يا أبابکر.

قال: و ما الّذي تنکره من شجاعتي، و قد وقفتُ في الصفّ إزاء عليّ بن أبي طالب! قال: لا جَرم! إنّه قتلک و أباک بيسري يديه، و بقيت اليمني فارغة يطلب من يقتله بها.

ثم قال: و جملة الأمر أنّ کلّ شجاع في الدّنيا إليه ينتهي، و باسمه ينادي في مشارق الأرض و مغاربها.[9] .

و قد ذکر الشارح المعتزلي في شرحه زيادة علي ما مرّ، فصلاً طويلاً في شجاعة علي عليه السلام تحت عنوان «مُثُلٌ من شجاعة عليّ عليه السلام»[10] فراجعه.



صفحه 257، 258، 259.





  1. شرح ابن أبي الحديد، ج 1، ص 28.
  2. ذخائر العقبي، ص 98.
  3. النهاية في اللغة، ج 1، ص 149، باب الباء مع الکاف.
  4. المناقب لابن المغازلي الشافعي، ص 71، ح 103؛ ذخائر العقبي، 99.
  5. المناقب لابن شهرآشوب، ج 2، ص 68.
  6. شرح ابن أبي الحديد، ج 10، ص 259.
  7. المصدر السابق، ج 10، ص 259.
  8. بيضة البلد تعني أبا طالب، إذ لم يکن أحد مثله في الشرف. کذا فسّر في لسان العرب.
  9. شرح ابن أبي الحديد، ج 1، ص 21.
  10. اُنظر: شرح ابن أبي الحديد، ج 19، ص 60.