اشتياقه إلي الشهادة











اشتياقه إلي الشهادة



إنّ إحدي الفروق بين دين الإسلام السماويّ، دين التوحيد، و بين الأديان الأُخري أنّ معتنقيه يعتبرون الشهادة و القتل في سبيله فوزاً عظيماً خالداً، و هم يأملون تحقّق هذا الأمل دائماً «يا لَيتَني کنتُ مَعَهُم فأفُوزَ فوزاً عَظِيماً»[1] فالّذين يؤمنون بالإسلام لا يخافون الشهادة، بل يهبّون لاستقبالها، لأنّهم يعتقدون أنّ عالم ما بعد الموت أسمي من هذا العالم و أکثر نورانية منه، و يعتبر المؤمنون هذا العالم المادّي سجناً ضيّقاً مظلماً «الدُّنيا سجنُ المؤمن» و لذلک فإنّهم يعدّون الخلاص من هذا العالم عن طريق الشهادة ألذّ سعادة.

إنّ عليّاً عليه السلام کان نموذجاً ومظهراً للکلمات الإنسانية و الإلهية في جميع الفضائل و المناقب، و حاله في الشوق إلي الشهادة لا يختلف عن بقية حالاته، و لذلک نري شوقه المتحرّق إلي الشهادة واضحاً في کلماته، فقد ذکره مرّات و مرّات في کتبه و رسائله، و هي نوع من التعاليم السامية، استعملها لتعليم أصحابه و شيعته التفاني و التلهّف إلي الشهادة في محاربة أعداء اللَّه، و من جملة تلک الکلمات ما قاله

[صفحه 250]

في يوم من أيام صفّين حين ظنّ بعض جنوده أنّه عليه السلام تباطأ في إصدار أمر البدء بالقتال خوفاً من الموت و القتل، فأجابهم عليه السلام: «أمّا قولکم: أکلّ ذلک کراهية الموت؟ فواللَّه ما اُبالي دخلت إلي الموت، أو خرج الموت إليّ».[2] .

و قال عليه السلام في خطبة اُخري: «إنّ أکرم الموت القتل، و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من ميتة علي الفراش في غير طاعة اللَّه».[3] .



صفحه 250.





  1. النساء، 73.
  2. نهج البلاغة، الخطبة 55.
  3. المصدر السابق، الخطبة 122.