جهاد عليّ











جهاد عليّ



الجهاد لغة إمّا مأخوذ من الجُهد بالضمّ، بمعني الوسع و الطاقة و المشقّة، و إمّا من الجَهد بالفتح بمعني المشقّة.

و في المفردات: الجَهد و الجُهد: الطاقة و المشقّة، و قيل: الجَهد بالفتح: المشقة، و الجُهد: الواسع، و قيل: الجُهْد للإنسان.[1] .

و أمّا شرعاً فهو بذل النّفس و ما يتوقّف عليه من المال في محاربة المشرکين أو الباغين علي وجه مخصوص، أو بذل النّفس و المال و الوسع في إعلاء کلمة الإسلام و إقامة شعائر الإيمان.

لا شکّ أنّ قيمة أيّ عمل إنّما تقوم بإخلاص صاحبه، و ظروف الزمان و المکان الّذي وقع فيه، فکلّما کان العمل خالصاً للَّه کان ذا قيمة لا تحدّ، و ممّا لا يقبل التردّد فيه أنّ سيف عليّ عليه السلام و جهاده ما کان إلّا في سبيل اللَّه، و لأجل تقوية الإسلام، و نشر دين الحقّ، و لم يکن لديه أيّ هدف عدا ما ذکرناه، و ممّا يجب ملاحظته أنّ جهاد عليّ عليه السلام وقع في وقتٍ کان الإسلام فيه غريباً علي قلّة في

[صفحه 244]

العدد و العدّة إلي الحدّ الّذي کان المسلمون يعانون من تهيئة متطلّبات العيش اليوميّة، و في وقتٍ کان مشرکو مکّة و اليهود و النصاري يسخِّرون کلّ ما لديهم من إمکانات في سبيل تحطيم الإسلام و قتل النبيّ صلي الله عليه و آله... و في مثل هذه الظروف تکون للجهاد قيمة خاصّة سامية و عالية، و قد جاهد عليّ عليه السلام في مثل هذه الظروف من أجل تقوية شوکة الإسلام و حفظه و بقائه، کان عليّ عليه السلام حامياً للمسلمين ذابّاً عنهم، و أينما وُجد عليّ عليه السلام ارتجف منه العدوّ، و اطمأنّ المسلمون.

و إذا قلنا: إنّ الإسلام إنّما استقام بسيف عليّ عليه السلام، و لو لا عليّ عليه السلام لم يکن الإسلام، بل لم يکن ثمّة اسم للقرآن، أو التوحيد، لم نکن مبالغين أو مجانبين للحقّ، و لعلّ النماذج الحيّة لجهاد أميرالمؤمنين عليه السلام بين يدي الرّسول صلي الله عليه و آله خير شواهد علي ما نقول، و بحثنا ذلک فيما تقدّم من هذا الکتاب، و سنشير هنا بشکل إجماليّ الي بعضها.

ففي غزوة بدر، و علي الرّغم من أنّه عليه السلام في ريعان شبابه، فقد قتل ثلاثين أو أکثر من المشرکين، و بذلک نفخ في الإسلام روحاً جديدة، و في هذه الحرب قويت شوکة الإسلام، و اُلقي الرعب في قلوب المشرکين.

و في غزوة اُحد، فرّ المسلمون و لم يبق مع الرّسول إلّا أربعة: عليّ عليه السلام و الزّبير، و طلحة، و أبودجانة[2] ، و في نظرنا أنّه لم يبق معه صلي الله عليه و آله إلّا عليّ عليه السلام يدافع و يذّب عنه بذي الفقار لکسر سيف البغي، و حفظ حياة الرّسول الأکرم صلي الله عليه و آله ، و من ثمَّ عاد المسلمون رويداً، رويداً، و هناک نادي منادٍ من السماء:


لا سيف إلّا ذو الفقار
و لا فتي إلّا عليّ


و قال صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «يا أبا الحسن، لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في

[صفحه 245]

کفّة و وضع عملک يوم اُحد علي کفّة اُخري، لرجح عملک علي جميع الخلائق، و إنّ اللَّه تعالي باهي بک يوم اُحد ملائکته المقرّبين، و رفع الحجب من السموات السبع، وأشرفت إليک الجنّة و ما فيها، و ابتهج بفعلک ربّ العالمين، و إنّ اللَّه تعالي يعوضک ذلک اليوم ما يغبط کلّ نبيٍّ و رسولٍ و صدّيقٍ و شهيدٍ».[3] .

و في غزوة الخندق طلب رأس الشرک عمرو بن عبدودّ المبارزة ثلاث مرّات، فلم يبرز إليه أحدٌ، و کان عليّ عليه السلام السبّاق إلي الميدان ليرسل ابن عبدودّ إلي قعر جهنّم، و قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم برز عليّ عليه السلام في الخندق: «برز الإيمان کلّه إلي الشرّک کلّه».[4] .

و في حنين فرّ المسلمون کلّهم إلّا تسعة رهط من أهله، و کان عليّ عليه السلام بين يديه مصلتاً سيفه، و هکذا کان عليّ عليه السلام يسجّل حضوراً دائماً حيثما أُريد الجهاد في طريق الاسلام، لزلزلة مواقع الکفر و الشرک، و قتل صناديدهم، فکان مصداق الآية «إنّ اللَّه يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلُون في سَبِيلهِ صَفّاً کأنَّهم بُنيانٌ مَرصُوصٌ»[5] .



صفحه 244، 245.





  1. مفردات الراغب، ص 101، مادة (جهد).
  2. شرح ابن أبي الحديد، ج 13، ص 293، ويستفاد من بعض المسانيد آخر غير ما ذکرناه.
  3. ينابيع المودة، ص 64.
  4. شرح ابن أبي الحديد، ج 13، ص 285.
  5. الحجرات، 13.