علي قسيم الجنّة و النار
إنّ النبيّ و وصيّه عليّ عليهماالسلام يمثّلان نموذجين متکاملين لقوانين الإسلام، و کذا شأن الأئمّة المعصومين عليهم السلام من بعدهم، فکلّما کانت أعمالنا إليهم اقرب فنحن إلي شرع الإسلام و إلي الجنّة أقرب، و إنّما نزداد قرباً من النّار کلّما ابتعدنا عنهم. لقد جاء في بعض الأحاديث «حبُّ عليّ إيمان، و بغضه کفر»[1] و نفهم منه أنّ حبّ عليّ عليه السلام ميزانٌ لمصير العباد إلي الجنّة، کما أنّ بُغضه سببٌ في المصير إلي النّار. و لا يخفي أنّ الحبّ و البغض هنا ليسا أمراً ذهنياً فقط، أو أمراً شعوريّاً کما [صفحه 236] يتوهّم، بل الحبّ و البغض لا يکون إلّا بالعمل، و لذا ورد في الحديث «هل الدّين إلّا الحبّ». إذ من کان يبغض عليّاً عليه السلام فلا يسير علي نهج عليّ عليه السلام، و بالنتيجة لا يکون عمله منطبقاً مع شرع، الإسلام، و من يحبّ عليّاً و کان عمله مطابقاً لعمل عليّ عليه السلام فهو يدخل الجنّة، فلعلّ المراد بکونه عليه السلام «قسيم الجنّة و النّار» هذا المعني، و قد يراد أنّه قسيمهما فعلاً، حيث ورد في الحديث علي ما سيأتي أنّه عليه السلام يقول للنار «هذا لي، و هذا لک» و اللَّه العالم. فعلي هذا، إنّ البعض ممّن يدّعي حبّ عليّ عليه السلام کالدراويش و الصوفية أو بعض مَنْ لا دراية له، و لکن لا يعمل بمنهج عليّ عليه السلام، لا يتوقع أن يدخل الجنّة لمجرد محبّته لعليّ عليه السلام بلا عمل، قال اللَّه تعالي: «إنّ الّذينَ آمَنُو وَ عَمِلُوا الصالِحاتِ اُولئِکَ أصْحابُ الجنّة»،[2] فالايمان و الحبّ و المودّة تحتاج إلي تجسيد عملي في أرض الواقع. و قال عليّ عليه السلام لعثمان بن حنيف عامله علي البصرة: «ألا و إنّ لکلّ مأموم إماماً يقتدي به، و يستضي ء بنور علمه»[3] ، و ليس معني الاقتداء بالإمام إلّا العمل بطريقته، و إليک بعض الأخبار الّتي توضح ما قلنا: 1- روي ابن المغازلي الشافعي، عن علي عليه السلام، أنّه قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّک قسيم النار، و إنّک تقرع باب الجنّة، و تدخلها بغير حساب».[4] . 2- و روي الخوارزمي بالاسناد عن عليّ عليه السلام، أنّه قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: [صفحه 237] «يا عليّ، إنّک قسيم الجنّة و النار، و إنّک تقرع باب الجنّة فتدخلها بغير حساب»[5] . 3- و روي أيضاً بالاسناد عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا علي، إني سألت اللَّه فيک خمس خصال فأعطاني... إلي أن قال: و أمّا الخامسة فسألت ربي أن تکون قائد أمّتي إلي الجنّة فأعطاني، فالحمداللَّه الذي مَنّ عليَّ بذلک».[6] . 4- و روي الجويني، بسنده عن عباية، عن عليّ عليه السلام، قال: «أنا قسيم النّار، إذا کان يوم القيامة قلت: هذا لک، و هذا لي». عليّ حُبُّه جُنّة وصيّ المصطفي حقّاً 5- و عن محمّد بن منصور الطوسي أنه قال: کنّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبداللَّه، ما تقول في هذا الحديث الّذي يُروي أنّ عليّاً عليه السلام قال: «أنا قسيم النّار»؟ فقال أحمد: و ما تنکرون من هذا الحديث، أليس روينا أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لعليّ: «لا يحبّک إلّا مؤمن، و لا يبغضک إلّا منافق؟». قلنا: بلي. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنّة. قال: فأين المنافق؟ قلنا: في النّار. قال: فعليّ قسيم النّار.[8] . 6- و في صواعق ابن حجر: و أخرج الدار قطني، أنّ عليّاً عليه السلام قال للستّة الّذين جعل عمر الأمر شوري بينهم کلاماً طويلاً من جملته: «أنشدکم باللَّه هل فيکم [صفحه 238] أحدٌ قال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: أنت قسيم الجنّة و النّار يوم القيامة، غيري؟»، قالوا: اللّهم لا. ثمّ قال ابن حجر: و معناه ما روي عن عليّ الرضا، أنّه صلي الله عليه و آله قال لعليّ: «أنت قسيم الجنّة و النّار، فيوم القيامة تقول للنّار: هذا لي و هذا لکِ».[9] . [صفحه 239]
ممّا لا شکّ فيه أنّ الجنّة و النّار في القيامة هي ثمرة أعمال الإنسان في مزرعة الدّنيا، فکلّما کانت أعمالنا منسجمة مع مبادي ء الإسلام، و منطبقة مع الموازين الشرعية الإلهية، فإنّها تقرّبنا إلي اللَّه جلّ و علا، و إلي الجنّة زلفي، في نفس الوقت الّذي تبعدنا عن النّار، فأعمال الفرد هي الکفيلة بإيصاله إلي الجنّة أو النّار.
قسيم النّار و الجَنّه
إمام الإنس و الجِنّه[7] .
صفحه 236، 237، 238، 239.