جلاله في القيامة
و ينبغي الالتفات إلي أنّه بغضّ النظر عن الجنّة، و ما اُعدّ فيها من النعم للمؤمنين، و النّار و ما فيها من أنواع العذاب الّذي ينتظر المجرمين، فإنّه توجد في القيامة أنوار و سعادات هي عين وجود الإنسان المؤمن، و سلسلة من الظلمات و أنواع العذاب هي عين وجود الإنسان الکافر الضّالّ، يقول القرآن الکريم في [صفحه 231] المؤمنين: «يَومَ تَرَي المُؤمِنينَ وَ المُؤمِناتِ يَسْعي نُورهُم بَينَ أيديهم».[3] و يقول في موضع آخر: «فأمّا إن کانَ مِنَ المُقرَّبينَ فَرَوْحٌ وَ رَيحانٌ وَ جَنَّةُ نَعيمٍ».[4] . و علي عکس ذلک فإنّه يصف الکافرين بأنّهم حطب جهنّم و وقودها، فيقول: «فَاتَّقُوا النّارَ الّتي وَقُودُها النّاسُ وَ الحِجارَةُ».[5] و يقول في موضع آخر: «وَ أمّا القاسِطُونَ فَکانُوا لِجَهنَّمَ حَطَباً».[6] . و إذا عرفنا درجات عليّ بن أبي طالب و مراتبه السامية، فهو نفس النبيّ صلي الله عليه و آله و أخوه و وصيّه بلا فصل، و هو الّذي کان نوراً بکلّ وجوده في هذه الدنيا، و هو الطاهر العدل الّذي کان يضحّي بنفسه في سبيل الإسلام، و فيه نزلت: «وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفسَهُ ابتغاءَ مَرْضاتِ اللَّه»[7] و هو مظهر الصفات الحميدة و مکارم الأخلاق، و هو قدوة الإنسانية و نموذج الإنسان الکامل بعد رسول اللَّه، و کان يتبع أثر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حذو القذّة بالقذّة و لا يحيد عنه أبداً.... إذا عرفنا ذلک فإنّه سيرتقي في القيامة أعلي الدرجات، و يتحلّي بأجمل صفات الأنبياء و المقرّبين. و إذا لا حظنا الأخبار و الروايات المروية عن النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله و الموجودة في کتب الفريقين، و الّتي تشير إلي عظمة عليّ عليه السلام و جلاله في يوم القيامة، عرفنا [صفحه 232] مدي تلک العظمة و الجلال، و نحن نذکر بعضاً من تلک الأخبار: 1- روي ابن المغازلي الشافعي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، أنّه سئل عن قول اللَّه عزّوجلّ: «وَعَد اللَّه الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَ أجْراً عظيماً»[8] قال: سأل قوم النبيّ صلي الله عليه و آله فقالوا: فيمن نزلت هذه الآية، يا نبيّ اللَّه؟ قال: «إذا کان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض، فإذا منادٍ: ليقم سيّد المؤمنين و معه الّذين آمنوا بعد بعث محمّد صلي الله عليه و آله، فيقوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيعطي اللواء من النّور الأبيض بيده، تحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين و الأنصار، لا يخالطهم غيرهم، حتّي يجلس علي منبر من نور ربّ العزّة، و يُعرَض الجميع عليه رجلاً رجلاً فيُعطي أجره و نوره، فإذا أتي علي آخرهم قيل لهم: قد عرفتم موضعکم و منازلکم من الجنّة، إنّ ربّکم يقول: عندي مغفرة و أجرٌ عظيم- يعني الجنّة- فيقوم عليّ و القوم تحت لوائه معهم حتّي يدخل بهم الجنّة. ثمّ يرجع إلي منبره، فلا يزال يُعرَض عليه جميع المؤمنين، فيأخذ نصيبه منهم إلي الجنّة، و ينزل أقواماً إلي النّار، فذلک قوله تعالي: «وَ الَّذِينَ آمَنوا بِاللَّه وَ رُسُلِهِ اُولئِکَ هُمُ الصِدِّيقُونَ وَ الشُهداءُ عِنْد رَبِّهم لَهُمْ أَجْرُهُم وَ نُورُهُم».[9] يعني السّابقين الأوّلين من المؤمنين و أهل الولاية «و الّذينَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بآياتِنا اُولئِکَ أصحابُ الجَحِيم»[10] ،يعني بالولاية بحقّ عليّ، و حقّ عليّ عليه السلام الواجب [صفحه 233] علي العالمين».[11] 2- و روي الصفوري الشافعي و أبونعيم الأصفهاني و الجويني، عن أنس، قال: بعثني النبيّ صلي الله عليه و آله إلي أبي برزة الأسلمي، فقال له و أنا أسمع: «يا أبا برزة، إنّ ربّ العالمين عهد إليَّ عهداً في عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: إنّه راية الهدي، و منار الإيمان، و نور جميع من أطاعني، و إمام أوليائي. يا أبا برزة: عليّ بن أبي طالب أميني غداً في القيامة علي مفاتيح خزائن رحمة ربّي، و صاحب رايتي يوم القيامة».[12] . 3- روي الجويني، عن عامر الطّائي، عن علي بن موسي الرضا عليهماالسلام، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: ليس في القيامة راکب غيرنا نحن أربعة، فقام إليه رجل من الأنصار، فقال: فداک أبي و اُمّي ومن هم؟ قال: «أنا علي دابّة اللَّه البراق، و أخي صالح علي ناقة اللَّه عزّوجلّ الّتي عقرت،و عمّي حمزة علي ناقتي العضباء، و أخي عليّ علي ناقة من نوق الجنّة، و بيده لواء الحمد، ينادي: لاإله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، فيقول الآدميّون: ما هذا إلّا ملک مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو حامل عرش، فيجيبهم ملک من تحت بطنان العرش: يا معشر الآدميين، ليس هذا ملکاً مقرباً، و لا نبيّاً مرسلاً، و لا حامل عرش، هذا عليّ بن أبي طالب».[13] . 4- و في الرياض النضرة عن أنس قال:قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «لعليّ يوم القيامة ناقة من نوق الجنّة فترکبها و رکبتک مع رکبتي، و فخذک مع فخذي، حتّي تدخل الجنّة».[14] . [صفحه 234] 5- و فيه أيضاً عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا عليّ، إنّک أول من يقرع باب الجنّة، فتدخلها بغير حسابٍ بعدي»[15] . 6- و روي الجويني، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله:«أعطاني ربّي عزّوجلّ في عليّ خصالاً في الدنيا، و خصالاً في الآخرة: أعطاني به في الدّنيا أنّه صاحب لوائي عند کلّ شدة و کريهة، و أعطاني به في الدّنيا أنّه غامضي و غاسلي و دافني، و أعطاني به في الدّنيا أنّه لن يرجع بعدي کافراً. و أعطاني به في الآخرة أنّه صاحب لواء الحمد يقدمني به، و أعطاني به في الآخرة أنّه متّکي ء في طول الحشر يوم القيامه، و أعطاني به في الآخرة أنّه عون لي علي حمل مفاتح الجنّة».[16] . 7- و عنه أيضاً، عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «عليّ بن أبي طالب حلقة معلّقة بباب الجنّة من تعلّق بها دخل الجنّة».[17] . [صفحه 235]
إنّ نظام الحياة الفردية يوم القيامة يکون علي عکس الحياة المادية في الدّنيا، فإنّ کلّ إنسان يتلقّي في القيامة نتائج أعماله و جزاءها و هو رهين ما قدّم من أعمال «کلّ أمري ء بِما کَسَبَ رَهِينٌ»[1] ، و في الحديث: «الدّنيا مزرعة الآخرة» إلّا فئة من النّاس لا يکونون رهن شي ء، و اُولئک هم أصحاب اليمين، کما يعبّر القرآن عنهم بذلک «کلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ رَهِينَة إلّا أصْحابَ الَْيمِين».[2] إنّ الأحرار الّذين يفعلون ما يشاؤون خيراً أو شرّاً في الدنيا معذّبون في الآخرة، و الطلقاء اليوم مقيّدون غداً، إلّا أصحاب اليمين، فإنّهم ينعمون بسرور خاصّ.
صفحه 231، 232، 233، 234، 235.