الصبر وفي العين قذي
4155- المناقب لابن شهر آشوب عن الحارث بن حصين: قال النبيّ صلي الله عليه و آله: يا عليّ، إنّک لاقٍ بعدي کذا وکذا. فقال: يا رسول اللَّه، إنّ السيف لذو شفرتين، وما أنا بالقتل ولا الذليل[2] . قال صلي الله عليه و آله: فاصبر يا عليّ. قال عليّ عليه السلام: أصبر يا رسول اللَّه[3] . 4156- الإمام عليّ عليه السلام- من خطبته المعروفة بالشقشقيّة، وفيها يشتکي أمر الخلافة-: أما واللَّه لقد تقمّصها فلان وإنّه لعلم أنّ محلّي منها محلّ القُطب من الرحي؛ ينحدر عنّي السيل، ولا يرقي إليّ الطير، فسدلتُ دونها ثوباً، وطويت [صفحه 144] عنها کشحاً،[4] وطَفِقتُ أرتَئي بين أن أصول بيدٍ جَذّاء،[5] أو أصبر علي طَخْيةٍ[6] عمياء، يهرم فيها الکبير، ويشيب فيها الصغير، ويَکدَح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه! فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي، فصبرتُ، وفي العين قَذي، وفي الحلق شَجا[7] ؛ أري تُراثي نهباً... فصبرت علي طول المدّة، وشدّة المِحنة[8] . 4157- عنه عليه السلام- في خطبة له يذکر فيها صفته قبل البيعة له-: فنظرت فإذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي، فضَنِنت بهم عن الموت، وأغضيت علي القذي، وشربت علي الشجا، وصبرت علي أخذ الکَظَم،[9] وعلي أمَرَّ من طعم العلقم[10] [11] . 4158- عنه عليه السلام- في التظلّم والتشکّي من قريش-: اللهمّ إنّي أستعديک علي قريش ومن أعانهم؛ فإنّهم قد قطعوا رحمي، وأکفؤوا إنائي، وأجمعوا علي منازعتي حقّاً کنتُ أولي به من غيري، وقالوا: «ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه، وفي [صفحه 145] الحقّ أن تمنعه، فاصْبر مغموماً، أو مُت متأسّفاً»، فنظرتُ فإذا ليس لي رافد، ولا ذابّ، ولا مساعد، إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنيّة، فأغضيت علي القذي، وجرعت ريقي علي الشجا، وصبرت من کظم الغيظ علي أمرّ من العلقم، وآلم للقلب من وَخْز الشِّفار[12] [13] . 4159- عنه عليه السلام- فيما قاله بعد أخذ البيعة علي من حضره لمّا نزل بذي قار-: قد جرت اُمور صبرنا فيها، وفي أعيننا القذي؛ تسليماً لأمر اللَّه تعالي فيما امتحننا به؛ رجاء الثواب علي ذلک، وکان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون، وتُسفک دماؤهم[14] . 4160- الإرشاد عن عمرو بن شمر عن رجاله: سمعنا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: ما رأيت منذ بعث اللَّه محمّداً صلي الله عليه و آله رخاءً، فالحمد للَّه، واللَّه لقد خفت صغيراً، وجاهدتُ کبيراً، اُقاتل المشرکين، واُعادي المنافقين، حتي قبض اللَّه نبيّه صلي الله عليه و آله فکانت الطامّة الکبري، فلم أزَل حذِراً وجِلاً، أخاف أن يکون ما لا يسَعني معه المقام، فلم أرَ بحمد اللَّه إلّا خيراً. واللَّه، ما زلت أضرب بسيفي صبيّاً حتي صرت شيخاً، وأنّه ليُصبّرني علي ما أنا فيه أنّ ذلک کلّه في اللَّه ورسوله، وأنا أرجو أن يکون الروح عاجلاً قريباً، فقد رأيت أسبابه. قالوا: فما بقي بعد هذه المقالة إلّا يسيراً حتي اُصيب عليه السلام[15] . [صفحه 146] 4161- الإمام الصادق عليه السلام: لمّا حضرت فاطمة الوفاة بکت، فقال لها أميرالمؤمنين: يا سيّدتي ما يُبکيک؟ قالت: أبکي لما تلقي بعدي. فقال لها: لا تبکي، فوَاللَّه إنّ ذلک لصغير عندي في ذات اللَّه[16] . 4162- عنه عليه السلام- من کلامه عند دفن فاطمة عليهاالسلام کالمناجي به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عند قبره-: السلام عليک يا رسول اللَّه عنّي، وعن ابنتک النازلة في جوارک، والسريعة اللحاق بک! قَلّ يا رسول اللَّه عن صفيّتکَ صبري، ورَقّ عنها تجلّدي،[17] إلّا أنّ في التأسّي لي بعظيم فرقتک، وفادح مصيبتک، موضع تَعَزٍّ، فلقد وسّدتُک في ملحودة قبرک، وفاضت بين نحري وصدري نفسُک، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون. فلقد استرُجعت الوديعة، واُخذت الرهينة. أمّا حزني فسرمدٌ، وأمّا ليلي فمسهّد، إلي أن يختار اللَّه لي دارکَ التي أنت بها مقيم. وستنبّئک ابنتُک بتضافر اُمّتک علي هضمها، فأحْفِها[18] السؤال، واستخبرها الحال.هذا ولم يَطُل العهد، ولم يخلُ منک الذکر، والسلام عليکما سلام مودّع، لا قالٍ ولا سَئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن اُقِم فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللَّه الصابرين[19] . 4163- الإمام زين العابدين عليه السلام: بلغ اُمّ سلمة- زوجة النبيّ صلي الله عليه و آله- أنّ مولي لها [صفحه 147] يتنقّص عليّاً عليه السلام، ويتناوله. فأرسلت إليه، فلمّا أن صار إليها، قالت له:يا بني، بلغني أنّک تتنقّص عليّاً عليه السلام وتتناوله! قال لها: نعم، يا اُمّاه. قالت: اُقعد- ثکلتک اُمّک- حتي اُحدّثک بحديث سمعته من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ثمّ اختَر لنفسک! إنّا کنّا عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله تسع نسوة،وکانت ليلتي ويومي من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فدخل النبيّ صلي الله عليه و آله وهو متهلّل، أصابعه في أصابع عليٍّ، واضعاً يده عليه، فقال: يا اُمّ سلمة، اُخرجي من البيت، وأخليه لنا. فخرجتُ، وأقبلا يتناجيان، أسمع الکلام، وما أدري ما يقولان، حتي إذا انتصف النهار أتيت الباب، فقلت: أدخلُ يا رسول اللَّه؟ قال: لا. فکبوتُ کبوةً شديدةً؛ مخافة أن يکون ردّني من سخطةٍ، أو نزل فيَّ شي ءٌ من السماء. ثمّ لم ألبث أن أتيتُ الباب الثانية، فقلت: أدخلُ يا رسول اللَّه؟ فقال: لا. فکبوتُ کبوةً أشدّ من الاُولي. ثمّ لم ألبث حتي أتيتُ الباب الثالثة، فقلت: أدخلُ يا رسول اللَّه؟ فقال: اُدخلي يا اُمّ سلمة. فدخلتُ، وعليٌّ عليه السلام جاثٍ بين يديه، وهو يقول: فداک أبي واُمّي يا رسول اللَّه! إذا کان کذا وکذا فما تأمُرني؟ قال: آمرک بالصبر. ثمّ أعاد عليه القول الثانية، فأمره بالصبر. فأعاد عليه القول الثالثة، فقال له: يا عليّ، يا أخي، إذا کان ذاک منهم فسُلّ سيفک، وضَعْه علي عاتقک، واضرب به قُدماً قُدماً، حتي تلقاني وسيفک شاهر يقطُر من دمائهم. [صفحه 148] ثمّ التفت عليه السلام إليَّ، فقال لي: ما هذه الکآبة يا اُمّ سلمة؟ قلت: للذي کان من ردّک لي يا رسول اللَّه. فقال لي: واللَّه ما رددتُکِ من مَوْجِدةٍ، وإنّکِ لعلي خير من اللَّه ورسوله، لکن أتيتِني وجبرئيل عن يميني وعليّ عن يساري، وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تکون من بعدي، وأمرني أن اُوصي بذلک عليّاً. يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب أخي في الدنيا، وأخي في الآخرة. يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب وزيري في الدنيا، ووزيري في الآخرة. يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا، وحامل لوائي غداً في القيامة. يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب وصيّي، وخليفتي من بعدي، وقاضي عِداتي، والذائد عن حوضي. يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وقاتل الناکثين والقاسطين والمارقين. قلت: يا رسول اللَّه، مَن الناکثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة، وينکثون بالبصرة. قلت: مَن القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام. [صفحه 149] قلت: مَن المارقون؟ قال: أصحاب النهروان. فقال مولي اُمّ سلمة: فرّجْتِ عنّي، فرّج اللَّه عنکِ، واللَّه لا سَببتُ عليّاً أبداً[20] . 4164- الإرشاد عن جندب بن عبداللَّه: دخلت علي عليّ بن أبي طالب بالمدينة بعد بيعة الناس لعثمان، فوجدتُه مطرقاً کئيباً، فقلت له: ما أصاب قومک؟ قال: صبرٌ جميل. فقلت له: سبحان اللَّه! واللَّه إنّک لصبور[21] . راجع: الخصائص السياسيّة والاجتماعيّة/المظلوميّة بعد النبيّ.
4154- رسول اللَّه صلي الله عليه و آله- لعليّ عليه السلام-: إنّک لن تموت حتي تؤمر، وتُملأ غيظاً، وتوجد من بعدي صابراً[1] .
صفحه 144، 145، 146، 147، 148، 149.