كلام حول خصائص الإمام











کلام حول خصائص الإمام



الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام منبع الفضائل، وروحه ملأي بکلّ المحامد والمحاسن، وحياته مظهر للمَکْرُمات. وما نورده هنا هو طرف من خصائص الإمام عليه السلام. وأمّا الخصائص الرفيعة الکريمة کالعلم، والعصمة، وما ماثلهما، فقد جاءت في ذيل عناوينها الخاصّة.

بَيْدَ أنّ ما نُورده هنا، وفي مواضع اُخري أيضاً، لا يمثّل کلَّ شي ء يمکن أن يقال في إمام الإنسانيّة المتفرّد هذا. وسبب ذلک هو أنّ بحر عظمته وشخصيّته أوسع وأعزّ من أن يأتي عليه الوصف أو يفي به القلم أو يبلغ قعره الفکر، وهو القائل: «ينحدِر عنّي السيلُ، ولا يرقي إليَّ الطير»[1] .

والسبب الآخر هو أنّ التاريخ لم ينقل للأجيال جميع مناقبه وفضائله ومکارمه. وکم دأبَ الکثيرون علي محوها من ذاکرة التاريخ، لکن ظهر منها ما بهر العيون وحيّر العقول، رغم کلّ محاولات الجائرين المجحفين طمسها

[صفحه 106]

ودفنها. وما أروع کلام الخليل بن أحمد وأبلغه في الإمام حين قال:

«ما أقول في حقّ امرئٍ کتمتْ مناقبَه أولياؤه خوفاً، وأعداؤه حسداً، ثمّ ظهر ما بين الکَتْمَين ما ملأ الخافِقَين؟!»[2] .

نزرٌ يسير نذکره هنا من تضاعيف النصوص الدينيّة المأثورة عن الفريقين؛ إذ لا يسَعنا الإحاطة بصفات شخصيّة کشخصيّة عليّ عليه السلام؛ تلک الشخصيّة المتفرّدة التي لا مثيل لها في الإيمان والعلم والخُلق والفتوّة والشجاعة والرحمة. بل لا نجد إنساناً يحمل بين جنباته خصائص متضادّة- لا تُجمع في شخصٍ عادةً- کعليّ إذا نظر إلي العدوّ وصاح به في ساحات الوغي ارتعدت فرائصه وبلغ قلبُه حنجرتَه، ولم يجرُؤ أقرانه علي منازلته. وإذا نظر إلي دموع اليتيم مترقرقةً في عينيه، أو أبصر من حنا الدهرُ ظَهرَه اهتزّ قلبه وجرت دموعه... فلذا عُرف بأنّه «جامع الأضداد»!

إنّه العديم النظير في التاريخ کلّه، وفي جميع الميادين؛ فهو المعجزة الکبري للإسلام ولرسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وکيف لا يکون کذلک وقد تکفّلته النبوّة واحتضنته الرسالة في حجر هذا الرسول العظيم، وهو الفاني في جمال الحقّ. لکنّه- مع کلّ ذلک- کيف کان يري نفسه في مقابل النبيّ صلي الله عليه و آله؟ نجد ذلک في جوابه عليه السلام لمّا عَجِب أحدُهم مرّةً من علمه الزاخر ومعرفته العميقة حتي ظنّ أنّه هو رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال له الإمام عليّ عليه السلام: «أنا عبدٌ من عبيد محمّد»[3] .

کان عليه السلام منذ الأيّام الاُولي لحياته رفيق رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وعضده، وکم يأسر

[صفحه 107]

القلوبَ تصويره عليه السلام لهذه المرافقة والملازمة في خطبته الطويلة المعروفة بالقاصعة![4] .

قلب عليّ عليه السلام منهل الوحي الصافي الزلال، وروحه معطّرة بالتعاليم الربّانيّة، وقد بلور ذلک کلّه في ميدان القتال والسياسة.

وحياة عليّ عليه السلام مزيج عجيب من العلم والعمل، والزهد والسعي. وهو أسد الحروب والکفاح، وروحه الکبيرة متعلّقة بالملکوت الأعلي في جوف الليل!

[صفحه 109]



صفحه 106، 107، 109.





  1. راجع: القسم التاسع عليّ عن لسان عليّ عليه السلام/التقدّم علي الأقران/فيا عجباً للدهر.
  2. راجع: القسم التاسع/عليّ عن لسان الأعيان/الخليل بن أحمد.
  3. راجع: عليّ عن لسان عليّ/منتهي الخضوع للنبيّ/أنا عبد من عبيد محمّد.
  4. راجع: أوّل من أسلم/کلام في بدءِ إسلام الإمام.